في عز فصل الصيف، يلاحظ أن خطاب الاستجمام لدى المغاربة أنسته ولو إلى حين، لفحات أسعار المواد الغذائية خلال شهر رمضان الكريم وعبء القفة الذي تئن له جل الأسر المغربية ، وبعد أيام معدودة سيبدأ العد العكسي لشريحة واسعة من الأسر المتوسطة والمعوزة التي تحاول الفرار من حرارة المناطق الداخلية واللجوء إلى اقرب متنفس بحري أو جبلي يكون في متناول جيوبها المثقلة أصلا بالديون في انتظار مصاريف عيد الفطر والدخول المدرسي المقبل. فهل توفرت وزارة السياحة على استراتيجية حكومة متكاملة ومتناسقة لدعم السياحة الداخلية والتخفيض من كلفتها على غرار ما بشرتنا به وزارة الصحة بحديثها عن تخفيض أسعار أدوية محددة؟ لا نروم من خلال هذه القراءة إعادة تشخيص لواقع السياحة المغربية، أو أن نقدم نقدا مجانيا للقطاع أو للشخص المسؤول عن تدبيره، بقدر ما نريد أن ننبه إلى المأزق الحالي الذي توجد عليه سياحتنا والنفق الذي ينتظرها على المدى القريب والمتوسط وخاصة الداخلية منها . نحن نعرف الإرادة والنية الحسنة للمسؤول عن القطاع، وهو الذي درس ثم درس في بعض جامعات العم سام وفي أوربا وهو ما قد يؤهله لصياغة رؤية سياحية تستند إلى القرب بدل تلك الموجهة للاستهلاك الخارجي ، خاصة وأن السوق المغربية قادرة على خلق شروط الإغراء والتحفيز إذا كانت الرؤية مستوعبة لشروط تحولاتها المتسارعة دون الركوب على قميص تداعيات الأزمة المالية العالمية ومخلفات ما يسمى بالربيع العربي التي نعتقد أن التكيف مع نتائجها سيصب لا محالة في صالح اقتصادنا السياحي، ولا يمكن أبدا التبرير استنادا إلى ضعف ميزانية القطاع التي تدور في فلك 3 أو 4 بالمائة . بل هناك دول أفقر منا بكثير في الكاريبي وإفريقيا وبعض مناطق جنوب شرق أسيا ، راهنت فقط على المنتوج السياحي المحلي وتجاوزت أزماتها المالية بالرغم من محدودية مجالها الطبيعي وضعف تنوع موروثها الثقافي . نعم ، مازالت في اعتقادنا عوامل استثمار ايجابية لو تم التعامل معها بالمنطق الاحترافي الواقعي، كما حصل في تركيا والتايلاند وجزر الكناري والمكسيك ومناطق أخرى من المعمور. كما انه من الخطأ اعتبار المغرب بلدا استثنائيا في منتوجه السياحي: فبماذا نبرر عدد الذين يزورون برج ايفل بباريس 13 مليون سائح ، فأين هو الاستثناء إذن؟ ونعتقد أيضا أن الاستثناء يجب أن يلامس السياحة الداخلية، يلامس الأسر المغربية التي ترغب في تحفيزات ومنتوج سياحي يتلاءم مع ميزانياتها جد المحدودة ، بدل أن نقدم لهم مخططات للنهوض بها لا نعلم من أين سيتم تمويلها أمام تلك الميزانية الهزيلة أصلا للقطاع. لا نريد الإغراق في قراءة حيثيات موضوع السياحة المغربية بشكل عام، بقدر ما ننبه إلى أن إصلاح القطاع وتمنيعه ضمن النسيج الاقتصادي والاجتماعي الوطني، يجب أن ينطلق من تشخيص الوضعية الحالية بدل القفز عليها. سياحة داخلية لا تعتمد فقط على الفرجة اللحظية بل تتجاوزها إلى استنطاق الموروث الحضاري والتضاريسي: لماذا لا يكون هناك تنسيق حكومي في هذا السياق : وزارة النقل، الرياضة والشباب ؟ التعليم؟ الصحة؟ الاتصال؟ الثقافة؟ خاصة وأن العديد من المغاربة يجهلون عن غير قصد أهمية موروثهم الثقافي والطبيعي لغلاء أسعار المنتوج المقدم: يجهلون قبة يوسف بن تاشفين و موقع قبور السعديين في مراكش ومنطقة الليكسوس ومغارة هرقل والسقاية البرتغالية وقبر محمد الزرقطوني... نحن بحاجة إلى سياحة داخلية بتعددها الثقافي واللغوي خاصة وان الدستور الجديد يشدد على هذا المعطى، علينا كذلك الاستثمار في الساحة الرياضية الداخلية، خاصة وأن بلادنا تتوفر على بنية رياضية هامة ومقبلة على احتضان تظاهرات قارية ودولية ككأس إفريقيا للأمم وكأس العالم للأندية، كما علينا الاستثمار في ماراطون مراكش وماراطون الرمال وسباق السيارات القديمة بدل تقديم صور نمطية كاريكاتورية لزوارنا من الفلكلور المغربي. كما علينا أن نجعل من مهرجان مراكش السينمائي مهرجانا وطنيا أولا ثم دوليا ثانيا، عوض تحويله إلى لوحات إشهارية لبعض الضيوف الذين نكرمهم إلى حد التخمة ، وأي اهتمام يمكن لوزارة السياحة بتنسيق مع حلفائها في الحكومة الحالية أن تمنحه لمهرجان السينما الإفريقية بخريبكة؟ و أين موقف وزارة السياحة من مهرجان الموسيقى الصوفية بفاس ومهرجان موسيقى كناوة وعبيدات الرمى؟ كما أن من واجب وزارة السياحة أن تتدخل بحضور وازن في المواسم الثقافية والدينية بدل تركها تحت رحمة الولائم وبعض مظاهر «الانحراف الديني والسلوكي»، وتجعل من تلك المواسم قبلة للترفيه الثقافي والفني والتاريخي لتصبح عامل استقطاب للفرجة والمتعة الفكرية والحسية..؟ ألا تستحق كل مظاهر هذا التنوع والغنى الفني والثقافي اهتمامات وزارة سياحتنا لتطوير المنتوج الداخلي بدلا الإكثار من الخرجات الإعلامية المجانية والمخدومة؟ على وزارة السياحة أن تتدخل لدى وزارة الاقتصاد والمالية لتحفيز أصحاب المشاريع السياحية الصغيرة في المناطق الداخلية والجبلية منها وإعفائهم من الضريبة لمدة محددة بدل استهدافهم مباشرة وإثقال كاهلهم بالضرائب قبل انطلاق مشاريعهم. وعلى الوزارة أن لا تغرق في تقديم الأمل المشفوع بالوهم لأن المقدمات الخاطئة في علم المنطق تفرز نتائج خاطئة، لذا يجب الالتصاق بواقع القطاع حاليا وبعدها يمكن الحديث عن مخطط 2020 أو 2030 السياحي، وعن عشرين مليون سائح وهو أقل من ريع السياح الذين يزورون جيراننا الشماليين. إنها مسؤولية حكومتنا ووزيرها في السياحة ومندوبياته الجهوية وكل من يلف حول القطاع وينشد «كولو سياحتنا الداخلية وأيضا الموجهة للخارج زينة».... فهل ستطرح وزارة السياحة خارطة طريق جديدة للإقلاع بالسياحة الداخلية وخاصة في الجانب المتعلق بالتخفيضات من الخدمات السياحية دعما للأسر الفقيرة والمتوسطة خاصة وان دعم الفقراء كان هو محور استراتيجية الحكومة الحالية في حملاتها الانتخابية الماضية، وكذا الحالية السابقة لأوانها، أم أنها صيحة في واد؟