انتقد تقرير المجلس الأعلى للحسابات أمس، سياسة تدبير المخزونات الاحتياطية في المغرب، والتي تشمل كلا من المنتجات النفطية والغذائية والصحية، وكشف أن القائمين على تدبير هذه المخزونات لا يتقيدون في الغالب بالإطار القانوني المنظم لهذا المجال و الذي تعتريه هو الآخر العديد من النقائص بسبب تقادمه ، حيث يعود إلى 1971 ولا يأخذ بالتطورات التي تعرفها القطاعات المعنية . فبالنسبة للمخزونات النفطية للمغرب، لاحظ التقرير أن المخزون الاحتياطي من المنتجات البترولية يتميز بنقص هيكلي مقارنة مع المستوى القانوني المحدد في 60 يوما من الاستهلاك بالنسبة للمنتجات المكررة، لدى الموزعين. وتسجل أهم الفوارق لدى بعض المنتجات واسعة الاستهلاك مثل الغازوال وغاز البوتان. حيث إن المخزون المتوفر بالنسبة للغازوال، عند نهاية سنة 2015 مثلا ، لم يكن يكفي سوى لتغطية ما معدله 24.1 يوما من الاستهلاك كما لا يغطي مخزون غاز البوتان سوى 27.5 يوما من الاستهلاك خلال نفس السنة. أما بالنسبة للوقود الممتاز، فإن المخزون المتوفر يغطي 34.8 يوما من الاستهلاك فقط. أما مخزون الفيول لدى الموزعين فيوجد في وضع حرج، إذ أن مستوياته لم تتجاوز خمسة أيام من الاستهلاك.ويستعمل هذا المنتوج، أساسا، في إنتاج الكهرباء وفي بعض الصناعات. وقد تم تسجيل فارق كبير بالنسبة للمخزون من وقود الطائرات، الذي لا يمثل سوى 19 يوما من الاستهلاك . وأشار التقرير إلى أن المخزون قد وصل، في كثير من الحالات داخل نفس السنة، إلى مستويات حرجة لا تتعدى 10 أيام من الاستهلاك بالنسبة لبعض الشهور. ونبه التقرير إلى ضعف المخزون الاحتياطي للمحروقات وعزاه إلى نقص في الطاقات التخزينية. ففي نهاية سنة 2015 ،وباستثناء الوقود الممتاز الذي يتوفر على سعة تخزين تبلغ 79 يوما من الاستهلاك ، تعرف المنتجات الأخرى عجزا في الطاقات التخزينية على الرغم من الاستثمارات المنجزة في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة. ويصدق هذا الوضع على البوتان ووقود الطائرات اللذين سجلا طاقات تخزينية لا تتعدى ما يعادل 46 و42 يوما من الاستهلاك على التوالي. ولا يتوفر الفيول سوى على سعة تخزين تعادل 26 يوما من الاستهلاك لدى الموزعين، في حين يتوفر الغازوال على طاقة للتخزين تعادل استهلاك 56 يوما. أما بالنسبة للاحتياطات الغذائية للبلاد وخصوصا من مادة القمح الطري ، فيعتبر التقرير أن مخزونات هذا الأخير سجلت في السنوات الأخيرة، عموما مستويات تمكن من تغطية حاجيات السوق بشكل طبيعي. ففي عام 2015 مثلا ،كان متوسط المخزون 14.9 مليون قنطار مقابل متوسط سحق شهري يمثل استهالك هذا المنتج يناهز 4 ملايين قنطار أي ما يساوي أكثر من 2.8 أشهر من السحق. ونبه المجلس الأعلى للحسابات إلى أن القرار المنصوص عليه منذ سنة 1996 في المرسوم التطبيقي للقانون المتعلق بالمكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني المفروض أن يحدد تكوين المخزون الاحتياطي وتحديد طريقة تشكيله وتمويله، لم يخرج بعد إلى حيز الوجود. وبالنسبة للمخزونات الاحتياطية للمملكة من الأدوية المحددة قانونا بتنظيمات تعود إلى سنة 2002 ، تنص على أن المؤسسات الصيدلية يجب أن توفر مستوى مخزون مساو لربع إجمالي مبيعاتها من المستحضرات الصيدلية خلال العام السابق. وفيما يتعلق بالمؤسسات التي تتكلف حصريا بإيداع وتوزيع المستحضرات الصيدلية المصنعة مسبقا، يجب أن يتوفر لديها مخزون يقابل شهرا من إجمالي مبيعاتها خلال العام السابق. ويرى المجلس أن هذه التنظيمات تفتقر إلى الدقة في بعض المقتضيات الخاصة بالمنتجات المعنية بالتخزين الاحتياطي كما أنها تشمل بعض المنتجات الأساسية مثل المستلزمات الطبية، مؤكدا أن هذه التنظيمات لا تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المنتجات الصيدلية التي تعد بالألاف. وإزاء هذه الاختلالات، دعا المجلس الأعلى للحسابات إلى إصلاح الإطار العام لتدبير المخزونات الاحتياطية للبلاد، مقترحا إحداث هيئة تضم مختلف المتدخلين في هذه المنظومة، يعهد إليها بوضع تصور شامل ومندمج ومتناسق يتولى تأسيس إطار أكثر نجاعة لمعالجة إشكالية المخزونات الاحتياطية في مختلف جوانبها وبخصوص كل المواد المعنية مع السهر على ملاءمته المستمرة. وبخصوص الاحتياطات النفطية، دعا المجلس إلى الانخراط في استراتيجية ترمي، على المدى المتوسط، إلى إنشاء مخزون احتياطي لدى العاملين بالقطاع يعادل 30 يوما من الاستهلاك الوطني دون احتساب مخزونهم المعد لتلبية احتياجاتهم التجارية في أفق بلوغ المستويات الموصى بها من طرف الوكالة الدولية للطاقة التي تحث على إنشاء مخزونات تعادل 90 يوما من الاستهلاك. ويمكن إنشاء قسط من المخزونات الاحتياطية في إطار شراكة بين الدولة والعاملين البتروليين على شكل شركة مختلطة. ولتمويل هذا المشروع يمكن أن تساهم المبالغ المتجمعة لدى العاملين البتروليين عن طريق الهامش الخاص في إنشاء المخزونات التي تفوق 3 ملايير درهم. أما بالنسبة للقمح، فأوصى المجلس بالعمل على تأمين التزود من هذه المادة عبر اللجوء إلى اقتناء كميات كبيرة خلال الفترات التي تعرف انخفاضا في الأسعار في السوق الدولية موازاة مع تطوير البنيات التحتية المينائية المعدة لاستيراد الحبوب وكذا تحسين ظروف جمع المنتوج الوطني من القمح. ولتأمين احتياطيات معقولة من الأدوية أوصى المجلس بدراسة إمكانية إنشاء مخزونات استراتيجية من بعض المواد الطبية المستعملة في الحالات الاستثنائية المستعجلة عبر إحداث نظام لتمويلها وتوزيعها وتدبيرها. ويتعلق الأمر بمخزون للدولة موجه للتدخل في حالات مستعجلة ناتجة عن التعرض لأوبئة أو لكوارث طبيعية أو لاعتداءات أو لغيرها. ويمكن أن يعهد بتدبير هذا المخزون إلى جهاز خاص كما يمكن أن يتم في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص.