في الشريط السينمائي الطويل «ولايات الحب المتحدة»، أو «United States of Love»، للبولندي توماس واسيليفسكي، نصًا وإخراجًا، نعود بالتاريخ إلى عام 1990 في بولندا، حين انهار الاتحاد السوفياتي، وبدأت دول الكتلة الشرقية بالتفكك، ليسرد لنا حياة أربع نسوة خضنَ صراع الانتقال للحقبة الجديدة، اللحظة التي انفتحت فيها بلدهنّ على الحياة الجديدة. المشهد الأول للشريط يبدأ بمجموعة من الأزواج يجلسون على العشاء عندما تقوم مارتا نايراديكيفسكي (مارزينا) بإخراج بنطال جينز حصلت عليه حديثًا، بعد أن سُمِح بدخول المواد التي كانت ممنوعة أثناء حكم الاتحاد السوفياتي، تلك التي نراها بشكل أكثر في غرفة نومها في الصور الملصقة على الجدران، واحدة منها ويتني هيوستن، أو الحديث عن إمكانية شراء سيارة. يسرد لنا توماس واسيليفسكي في فيلم «United States of Love» حياة صاحبة متجر الأفلام جوليا كيوسك (أغاتا) وهي متزوجة، مديرة المدرسة ماجديلينا سيليكا (إيزا) لديها علاقة عاطفية منذ ست سنوات مع طبيب متزوج، آنسة اللغة الإنكليزية الكبيرة في السن دوروتا كولاك (ريناتا) تعيش وحيدةً في منزلها، ومعهم مدربة الرقص مارزينا تفتقد صديقها الذي يعمل في ألمانيا، يعشن جميعهنّ حياة مضطربة بحثًا عن العاطفة والجنس والحرية، وجميع ما كان مفقودًا إبان الحقبة القديمة. يقسم واسيليفسكي الشريط إلى أربعة أجزاء يتم الانتقال فيها من قصة إلى أخرى عبر سرد للصراع النفسي الذي تعيشه النسوة في بلدة بولندية، ثلاث نساء يقمن في مبنى واحد، أما إيزا فتقيم في مبنى آخر. المشاهد الجنسية في «ولايات الحب المتحدة» كثيرة، وتستمر بلا كلل خلال ال106 دقيقة زمن الشريط، منذ أن ترفض أغاتا ممارسة الجنس مع زوجها، وتبدأ بالانجذاب لراهب في كنيسة البلدة. حالة من الحب الغريب، والمراقبة بلا فائدة قبل أن تنهار في مشهد عاطفي قاس على جسد زوجها. بهذا الترابط ينتقل واسيليفسكي بين حياة النسوة الأربعة دون أن يعطي المتفرج إشارة الانتقال، فالنص الحاصل على جائزة أفضل سيناريو في مهرجان برلين السينمائي العام الفائت، يملك سلاسة في الربط بين القصص تلزمها مراقبة المتفرج للمشاهد أو النص. سابقًا اشتغل فيليب كوفمان على رواية «كائن لا تحتمل خفته» للتشيكي ميلان كونديرا، التي تصور حياة طبيب يعتبر زير نساء في تشيكوسلوفاكيا 19600، أيام الاتحاد السوفياتي. كان الفيلم مليئًا بالمشاهد الجنسية مُظهرًا جانبًا مهمًا من الحياة في بلد قمع الاتحاد السوفياتي الاحتجاجات ضده بالدبابات، لكننا في هذا الشريط أمام نص مختلف مليء بهشاشة النفس، والخوف من فقدان الرغبة أو الشغف في مرحلة الانتقال إلى المجهول. لكل واحدة من النسوة في «United States of Love» قصة مختلفة لها نهاية لا تشبه سابقتها؛ فعلاقة إيزا مع عشيقها الطبيب تنتهي بعد ستة أعوام بموت زوجته، من الممكن أن يكون انتحارًا، فهي عندما تخبره أنها ستفعل أي شيء لأجله يفتح لها النافذة ويطلب منها الانتحار، وتعيش في الأساس صراعًا داخليًا يظهر واضحًا في مشاهدها داخل الكنيسة عندما تخرج قبل أن تنتهي الصلاة في كل مرة. وريناتا التي تعيش منعزلة مع طيورها في منزلها الذي حولته لحديقة اصطناعية حتى تترك طيورها خارج الأقفاص، تحاول أن تكسر عزلتها في التعرف على جارتها مارزينا عندما تقوم بالتظاهر بأن قدمها تعثرت على الدرج، وانهيار مارزينا بعد أن استغلت حضور أحد المصورين المشهورين من وارسو لتصويرها في منزلها، وممارسته للجنس معها بعد أن ثملت. يقدم واسيليفسكي نمطًا مختلفًا حين يقوم المصور بالاستمناء على جسدها وهي في لحظة جمود بسبب السّكر، وهو من المشاهد القاسية في الشريط. قرأت سابقًا في مقال يتحدث عن دور الرأسمالية في حربها على دول الكتلة الشرقية، أن عاشقين مارسا الجنس على تمثال فلاديمير لينين أمام الكاميرات عندما أُسقط في إحدى دولها، وهي أوكرانيا حسبما أذكر. توماس واسيليفسكي في هذا الشريط يقدم صورًة عن اجتياح القيم الرأسمالية، والتي تقرأ من وجهات نظرات متعددة، أهمها الحصار الفكري لقادة الشيوعية بالقيم الاشتراكية المفروضة على طبقة معينة من المواطنين بينما ينعم القادة برفاهية الحياة على حسابهم. تعيش النسوة الأربعة شعور الجنس المفقود باضطرابات نفسية قاسية وحادة، لكل امرأة قصتها المنفصلة عن الأخرى، فالنص المكتوب عن إحدى دول الكتلة الشرقية يعتبر نموذجًا لأقرانها، عندما كان الجنس فيها يخضع للرقابة مثل ارتداء بناطيل الجينز، أو اقتناء السلع الإلكترونية، أو أي شيء مصدره الغرب الرأسمالي. إن فيلم «United States of Love» صورة عن مجتمع كان منغلقًا، وشهد انفتاحًا معرفيًا في جميع جوانبه بعد أن تحولت السلطة لنظام جديد أقل قساوةً من سابقه.