«شكرا لكم جميعا .. شكرا لكل الأطباء الذين سهروا على إنقاذ حياتي » هكذا تحدثت الطفلة حسناء صباح الجمعة 10 يوليوز 2014 في ندوة صحفية نظمتها إدارة المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش في موضوع «التبرع وزرع الأعضاء و الأنسجة برنامج في تطور» بحضور عدد من الفاعلين في هذا المجال وفي مقدمتهم البروفيسور جاك البلغيثي من المستشفى الجامعي بوجون بباريس. حسناء التي استفادت قبل حولي عشرين يوما من عملية زرع الكبد مستقدم من جسم طفل تبرعت أسرته بأعضائه بعد إصابته بسكتة دماغية، ظهرت في حالة جيدة، بابتسامة بريئة تحمل كل معاني الأمل والانشراح . ومدعومة بحضور عدد من الأطباء الذين سهروا على استشفائها قبل و بعد إجراء العملية، وإلى جانبها والدتها التي كانت في غاية التأثر ، مكررة عدة مرات عبارات الشكر والعرفان للطاقم الطبي الذي أنفق مجهودا كبيرا لإنقاذ حياة طفلتها التي كانت مصابة بمرض القصور الكبدي، وهو المرض الذي حرم الوالدة من طفلتين قبل ذلك، بعد أن عرضهما لمصير الموات . والدة الطفلة حسناء نوهت كثيرا ، في ذات المناسبة، بالعمل الإنساني الكبير الذي قامت به أسرة المتبرع، والتي مكنت خمسة أشخاص من استعادة الأمل في الحياة . ودعت كل المواطنين إلى التحلي بثقافة التبرع بالأعضاء خدمة للحياة، وتخفيفا على أشخاص آخرين من محنة العذاب والألم والمعاناة التي يمثل زرع الأعضاء البديل الحقيقي لعلاجها . والدة الطفلة حسناء قالت أيضا أنها كانت نزيلة بالمستشفى الجامعي محمد السادس بمراكش لعدة أشهر قصد تهيئها للتبرع بجزء من كبدها لفائدة ابنتها حسناء، وكانت تستعد لذلك بفرح كبير ، لأن ذلك هو السبيل لإنقاذ حياة طفلتها، إلى أن ظهر المتبرع الجديد. الطفلة حسناء كانت تحتفل بعيد ميلادها في ذلك اليوم ، وطلبت من الطاقم الطبي السماح لها بالقيام بجولة بالمدينة ، وعند وصولها إلى ساحة جامع تلقت والدتها مكالمة من إدارة المستشفى تخبرها بضرورة العودة بسرعة إلى لأن متبرعا جديدا قد ظهر، وعملية نقل و زرع الكبد ستتم فورا . في هذه الندوة الصحافية قُدمت شهادات جد مؤثرة، وفي مقدمتها شهادة والد الطفل المرحوم عبد السميع الذي استفاد في بداية هذه السنة من عملية زرع الكبد بعد أن تبرع له والده بجزء من كبده. إلا أن مضاعفات مرتبطة بمرض آخر عجلت وفاته . والد عبد السميع قال «تبرعي بجزء من كبدي لفائدة ابني ترجمة لدرجة حبي له ، كنت آمل أن أراه يكبر حيا أمامي، لكن القدر كان أكبر من طموحي، ورغم أنني متأثر لفقدي لعبد السميع إلا أنني في نفس الوقت جد سعيد للطفلة حسناء متمنيا لها مستقبلا مشرقا وحياة متألقة ..» ومن التفاصيل المثيرة إنسانيا في العملية التي استفادت منها الطفلة حسناء ، قصة الطبيب الفرنسي الجراح صافي كودماك القادم من مستشفى بوجون بباريس و الذي ساهم في عملية الزرع، حيث أنه بُلغ في الصباح بوجود المتبرع، وفي الثالثة بعد الظهر كان في المطار بفرنسا ينتظر الطائرة، وفي السابعة وعشرين دقيقة مساء كان على أرض مطار المنارة، وفي الثامنة مساء كان في قاعة العمليات إلى جانب الطاقم الطبي يجري العملية للطفلة، حيث أنه، حسب شهادة مدير المستشفى الجامعي، لم يستفد سوى من دقائق قليلة من الراحة استهلكها في شرب كأس شاي . البروفيسور محمد حريف مدير المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش، شدد في كلمته خلال الندوة، على ضرورة تدارك التأخر الحاصل في المغرب في مجال التبرع بالأعضاء البشرية وزرعها، مشيرا إلى مجموعة من العوائق التي اعتبرها مسؤولة عن هذا التأخر، وفي مقدمتها غياب القناعة العامة لدى المجتمع بأهمية التبرع بالأعضاء البشرية، وهو ما يفتح الباب أمام جدية ورش التوعية الذي من المفروض أن ينخرط فيه كل الفاعلين لتقوية قناعة المواطنين بأهمية التبرع بالأعضاء كفعل إنساني ذي قيمة أخلاقية عالية، لأنه يتيح الأمل في الحياة لأشخاص آخرين . ولخص البروفيسور السمكاوي رئيس لجنة زرع الأعضاء والأنسجة بالمستشفى الجامعي بمراكش، حصيلة عمل اللجنة منذ إنشائها سنة 2008، والتي تهدف إلى تطوير نقل وزرع الأعضاء والأنسجة بالمستشفى الجامعي، بالارتكاز على الأنشطة الطبية وتطوير المناهج وتكوين مختلف الفاعلين، إضافة إلى برنامج التحسيس بالتبرع بالأعضاء . وتوج عمل اللجنة بالقيام بعدة عمليات زرع الأعضاء، كانت الأولى من نوعها بالمغرب، ابتداء من زرع القرنية سنة 2009 وزرع الكلي سنة 2010 وافتتاح أول بنك للعيون بالمغرب سنة 2011 .، ليستمر تطوير البرنامج ، بعمليات زرع انطلاقا من متبرعين في حالة وفاة دماغية في بداية سنة 2012 ن و هي ذات السنة التي عرفت بداية برنامج زرع النخاع العظمي. وشهدت سنة 2014 عمليتين ناجحتين لزرع الكبد الأولى انطلاقا من متبرع حي، والثانية من متبرع في حالة وفاة دماغية. لتكون حصيلة عمل البرنامج منذ 2009 هي إجراء 133 عملية زرع قرنية مستوردة و36 أخرى من متبرع في حالة وفاة، وتسع عمليات لزرع الكلي إلى جانب منح 4 كلي لمستشفيات أخرى، وعمليتين لزراعة الكبد الأولى من متبرع حي والثانية من متبرع في حالة وفاة دماغية . وأثارت تدخلات فاعلين آخرين في الندوة ، أهمية عملية النقل متعدد الأطراف انطلاقا من مريض في حالة وفاة دماغية التي عرفها المستشفى الجامعي بمراكش ليلة 19 يونيو 2014، وما تستدعيه من شروط. وفي هذا الإطار ألح بعض المتدخلين على أن الوقت قد حان لإحداث الوكالة الوطنية لنقل وزرع الأعضاء، قصد الإشراف على تنظيم عمليات الاستفادة من زرع الأعضاء، وتوفير كل الأنظمة التي تؤمن خضوعها لشروط شفافة، وقطع الطريق عن أي استعمال غير مشروع لهذه الإمكانية العلمية، وفي مقدمتها الاتجار بالأعضاء .