بثت القناة التلفزية «ميدي آن تيڤي»، مساء الخميس 10 يوليوز الجاري البرنامج الرمضاني اليومي «ساعة قبل الفطور»، وهو برنامج مباشر متنوع الفقرات: «صوت الفيلاج» ويعده محمد عاطر، «آش بان ليكم» تعده إلهام وعزيز و«روحانيات» لناجي الأمجد. وقد درج البرنامج على استضافة ضيف من عالم الفن والغناء. وضيف حلقة الخميس هو الثانئي فاطمة الزهراء الجوهري وأيوب اليوسفي، وهما ممثلان شابان شاركا في بطولة المسلسل «ألف ليلة وليلة». والحقيقة أن تلك الحلقة مليئة بالتناقضات الصارخة. فاللغة السائدة هي الدارجة المغربية، وواضح ذلك في عناوين فقرات البرنامج المذكورة أعلاه، باستثناء فقرة ناجي الأمجد «روحانيات» والتي هي عربية فصيحة، ربما لأن معد الفقرة، والمسؤولون عن التلفزيون عموما لم يجدوا كلمة أو عبارة دارجة ل«روحانيات». في حين أنه كان يمكن تعويض «آش بان ليكم؟» ب«ما رأيكم؟» وهي فصيحة ومفهومة، و«صوت الفيلاج» ب«صوت الدوار» مثلا، لكن عاطر وتوجهه الشعبي الخالص، لغة ووجوها وتصرفات، جعلته يتشبث بالعبارة الدارجة. البرنامج في عمومه يجري في سلاسة بسيطة، وأحيانا تلقائية دون جهد لا فكري ولا لغوي ولا حتى حس ترفيهي، فكل واحد ينطق بما يشاء دون إعطاء أي انطباع بأن هناك إعدادا قبليا، ولا يظهر الإعداد إلا حين يخفض المنشطون رؤوسهم على الأوراق ويبدؤون في قراءة ما كتبوا في بيوتهم. بهذه الطريقة تمضي الساعة بسرعة دون جهد، ولا حتى اهتمام بالمتلقين وأذواقهم اللغوية والفكرية والفنية. بل إن ناجي الأمجد يرد على تساؤلات المغاربة المقيمين في الديار الأجنبية حول قضايا دينية باقتضاب يكون أحيانا غير مفهوم. لنسجل هنا أن الامور الفكرية واللغوية والروحية يتم المرور عليها مرور الكرام، ولا يكلف المنشط نفسه حتى شرحها وتبيان أبعادها، وحين يتعلق الأمر بالهزل البئيس، فإن الأفواه تفتح دون رغبة في إقفالها. ليتبين في الحقيقة أن الهزل هو ضحك على ذقون المتفرجين. والأمر الأكثر غرابة هو أن الممثل الشاب أيوب اليوسفي، الذي يلعب دور البطولة في مسلسل «ألف ليلة وليلة» يُظهر جهله على الأثير باللغة العربية دون خجل، حين يقول كلمة بالفرنسية ويضيف:«ما عرفتش كيفا نقولها بالعربية»، هذا ممثل يلعب دور البطولة في مسلسل عن نص كبير وعالمي هو «ألف ليلة وليلة» المكتوب باللغة العربية الفصيحة. ونفس الشيء بالنسبة لفاطمة الزهراء الجوهري الممثلة في نفس المسلسل والتي كانت في غالب البرنامج تتحدث الدارجة والفرنسية، وحين نطقت بكلمة عربية فصيحة «شظايا» ولم تستعملها في محلها أثارت سخرية الجميع. لنلاحظ أن الكل يضحك من جهل الكل وكأن أمر هذا الجهل اللغوي، والذي يخفي لا محالة جهلا فنيا وذوقيا وفكريا، قد أصبح أمرا عاديا في «أمة ضحكت من جهلها الأمم»، وها هي اليوم تضحك من جهلها الخاص والذاتي. فقرة عاطر هي فقرة تمريغ كل شيء في التراب، فترة الانحطاط، فهو يتلذذ بتمثيل البلهاء، لينظر القارئ الكريم كيف ينطق الكلمات، كأنه أبله وجاهل ومغفل. وهو أمر ينبغي الوقوف عليه، وعلى عاطر نفسه مراجعة أدائه إن أراد أن يخلق لنفسه مكانة في الفن. أما ما يفعله ويقوم به فليس فنا ولا إضحاكا بل بكاء على حالنا وحال تلفزتنا وفنانينا. عاطر اختار الصف الذي أراد أن يصاحبه طوال حياته: «ناس البادية»، وهي عينة اختار نماذجها حسب تصوره هو، ربما يخلقون داخله حنينه إلى البادية والدوار، إنه أمر مشروع ولكن ليس إلى حد إغراق المشاهدين في ذلك، وفي كل سهرة، وفي كل برنامج، وفي كل سنة، وفي كل رمضان، هذا اعتداء على الأذواق بكل بساطة. لكن النقطة المضيئة في حلقة يوم الخميس هي رأي أصحاب الدوار في قضية تعليم الدارجة في المغرب التي فتح ملفها للنقاش المستشهر نور الدين عيوش، وهو رأي كان ناضجا إذ عبر كل المستجوبين عن أن الدارجة ليست لغة علم، والعربية الفصحى هي الوحيدة القادرة على النهوض بهذا الدور.