في كتابه الصادر في بحْر السنة الجارية، "الإخْوان المسلمون، تحقيق حوْل آخر إيديولوجيا شمولية"، للباحث والصّحافي الفرنسي ميخائيل برازان. الكتاب هو ثمرة تجوال طويل للمؤلّف في شتى أنحاء العالم العربي مشرقا ومغربا، حيث التقى قادة الإخوان المسلمين في كلّ مكان، وحاورهم بعد أن استقبلوه مطوّلا. وعن هذه الحوارات والاستقبالات، نتج هذا الكتاب الهام. منذ بضعة أشهر فقط، كانوا يقودون أكبر بلد عربي: مصر. ولكنهم الآن أصبحوا مطاردين في كل مكان، أو قابعين في السجون، أو نازلين تحت الأرْض بعد أنْ عادوا إلى حياة السرية التي جرّبوها طويلا في الماضي. فمن الإخوان المسلمون يا تُرى؟ إنهم جماعات منتشرة في شتى أنحاء العالم العربي، بلْ وحتى في الدياسبورا الأوروبية والأمريكية. إنهم مشكَّلون على هيئة روابط أو أحزاب سياسية أو «جمعيات خيرية»، بين قوسين. ولكنهم مشتبه فيهم دائما بأن لهم علاقة وثيقة بالحركات التكفيرية والجهادية. بالطبع، هم ينكرون ذلك ويقسمون بأغلظ الأيمان بأنهم معتدلون لا علاقة لهم بالتطرّف والمتطرفين. ولكن، من يصدقهم؟ على أي حال، فإن الباحثين مختلفون في شأنهم. فالبعض يقول بأنهم إسلاميون معتدلون، والبعض الآخر يقول بأنهم ثيوقراطيون مقنّعون. وعلى أي حال، فإنهم يحيّرون بقدر ما يقلِقون. لمْ يكنْ استقبالي حماسيّا بما يكفي في بيت محمود الزّهار. وبعد تبادل عبارات المجاملة الأولى، انصبّ حديثنا عن علاقة المقاومة الفلسطينيّة بالإخوان المسلمين. كان الزّهار يتحدث برويّة وثقة في النفس عن المجموعة المسلّحة الأولى التي أسسها الإخوان المسلمون بفلسطين، على يد الشيخ عزّ الدين القسّام، وهو سوريّ من أصول كرديّة، خاض ّالجهاد" ضدّ البريطانيين والمستعمرات اليهوديّة في سنوات الثلاثينيّات. كانت الجملة الثانية التي تابع بها الزّهار حديثه هي أنّ" عزّ الدين القسّام كان شيخا يرتدي ثيابا دينيّة. وهو خرّيج جامعة الأزهر الإسلامية بالقاهرة رفقة شقيقه". وُلد عزّ الدّين القسام في بلدة جبلة في سورية، كان أبوه من المهتمين بنشر العلم، وقد تعلم القسّام في كتاب البلدة القراءة و الكتابة وتلاوة القرآن." تعرّف في مصر على الاستعمار الغربي وجها لوجه عاد القسام إلى جبلة عام 1906 بعد أن قضى عشر سنوات في دراسة في الأزهر وحصل على شهادة الأهلية. حين دخلت إيطاليا إلى ليبيا، سنة 1911، قام القسام بتجميع مظاهرة كبيرة تأييدا للمسلمين والتطوع لقتال المستعمرين إلا أن السلطات التركية منعته هو ورفاقه . في الوقت الذي عاد فيه القسّام إلى سوريا لتدريس القرآن، كانت هذه الأخيرة مُستعمرة من طرف الفرنسيين منذ سنة 1920. ومباشرة بعد الثورة التي يُطلق عليها "ثورة العلويين" (التي انطلقتْ لمقاومة الاستعمار الفرنسي، على يد الشيخ صالح العلي الذي رفض عرض الفرنسيين بإقامة الدولة العلوية، وأصدروا في حقّه حكم بالإقامة الجبرية، وقامت فرنسا بعد استشارات مع مجموعة من المتحالفين معها في الجبل بترغيب أخيه الأصغر سنا الشيخ محمود لتجعل منه بديلاً سياسياً عن الشيخ، إلا أنّ الأخ محمود رفض ذلك، وعلى أثر ذلك تم تعريضه للتعذيب. هذه المُعارضة المسلّحة سوْف تدْفع الفرنسيّين بإعْطاء الأقليّة العلوية منْطقة ترابيّة سنة 1922، والتي تمتدّ من الحُدود اللبنانيّة إلى الحدود الترْكية، والتي ستُدمج في سوريا في دجنبر 1936. لمّا دخلتْ فرنسا سورية سنة 1920، بدَأ القسّام برفْع رايةِ المُقاومة ضدّ المستعمرين، فباعَ بيْته وكلّ ما يملك واشترى 24 بندقية فبدَأ الاسْتعمار بمُطاردته فذهب إلى حيفا هو وأعوانه .وقد عمل القسّام على تأْسيس جمْعية الشباب المسلمين حيث عن طريقها عمل على بث الوعْي الديني الإسْلاميّ وأهميّة قراءة القرآن ولفت الأنظار إلى خطورة أطْماع بريطانيا في فلسطين . يُعتبر القسّام صاحب دعْوة دينية وأسلوب خاصّ في المقاومة يقوم على أساس الفكر الجهادي، لذلك عمل على تأسيس حركة جهاديّة يمكن اعتبارها حركة رائدة سبقتْ جميع الاتجاهات في ميدان الجهاد المعاصر في فلسطين والعالم العربي، وهي "الكتائب"، التي ستُصبح فيما بعد "كتائب عزّ الدين القسّام". تمثل كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس وقدْ أثارتْ عملياتها الاسْتشهادية في السابق جدلاً دوْلياً واسعا انعكس سلْبا على الداخل الفلسطيني، وكان يثير الكثير من المخاوف لدى الجانب الغسرائيلس، وظلّ اتباع نهج العمليات الاسْتشهادية حتى وقْت قريب إذْ بدأت كتائب القسام في تطوير نفسها وزيادة كفاءتها من حيث السلاح والتدريب فامتلكت صواريخ القسام التي سقط الكثير منها داخل الأراضي المحتلة إبّان حرب غزة سنة 2008 والتي دفعت بالجيش الإسرائيلي إلى تلك الحرب وقد قامت بالعديد من العمليات العسكرية الناجحة ضد جيش الاحتلال وكبّدته خسائر فادحة في المعدات والأرواح أدّت التي تراجع الجيش الاحتلال وخروجه من غزة وبقائها تحت سلطة حماس. يمثل العمل العسكري لدى حركة حماس توجها إستراتيجيا كما تقول لمواجهة "المشروع الصهيوني في ظل غياب المشروع التحرري الإسلامي والعربي الشامل"، وتؤمن بأن هذا العمل وسيلة للحيلولة دون التمدد "الصهيوني التوسعي في العالمين العربي والإسلامي". ويعتبر خلاف حماس مع اليهود أنهم يحتلون فلسطين ويرفضون عودة من هجروهم إبان بداية الاحتلال. وتتجلى حقيقة انتساب حماس إلى الجذور الإخوانية في فلسطين واضحة في بيانها رقم 6 الصادر في 11 فبراير 1988 حيث أكد »أن حركة المقاومة الاسلامية تعتبر الساعد القويّ لجماعة الغخوان المسلمين التي قدمت إمامها الأول شهيداً في مثل هذا الوقت من سنة 1949«. وكرر البيان رقم 15 المعنى نفسه، وأكد ميثاق الحركة الصادر في 18 غشت 1988 والمادة الثانية منه أن حماس جناح من أجنحة الإخوان المسلمين في فلسطين.وهذا الانتماء يجعلنا نضع اليدَ على جذور حماس التي تمتد إلى الثلاثينيات من القرن العشرين عندما أوفدت جماعة الإخوان المسلمين عبد الرحمن الساعاتي ومحمد أسعد الحكيم لزيارة فلسطينوسوريا ولبنان لنشر الدعوة هناك، وقد أسسا شُعب الاخوان في القدس وجميع أنحاء فلسطين قبل النكبة.