المدير العام لمنظمة العمل الدولية يشيد باعتماد المغرب قانون الإضراب وإقراره من قبل المحكمة الدستورية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    مصرع جنديين مغربيين خلال مطاردة مهربي المخدرات    أمين الراضي يقدم أكبر عرض كوميدي له بالدار البيضاء    "تهديدات تثير القلق".. قضية مارين لوبان تفجر نقاشا سياسيا ساخنا حول القضاء في فرنسا    كأس الكونفدرالية.. نهضة بركان يواجه أسيك ميموزا اليوم الأربعاء بقميص خالٍ من خريطة المغرب    بسبب تأجج عطائه …اشرف حكيمي مرشح لنيل جائزة مارك فيفيان فوي    بعد إعادة انتخاب مكتب جديد انتخاب لحسن بلاج عن الاتحاد الاشتراكي رئيسا لمجموعة الجماعات الترابية التضامن السوسية بالإجماع    إطلاق خط جوي مباشر بين أكادير وأمستردام    وزارة الشباب والثقافة والتواصل واليونسكو تطلقان برنامج "مختبرات الشباب"    مجزرة جديدة في مخيم جباليا.. إسرائيل تستهدف عيادة "للأونروا" ومناطق أخرى في غزة    ثورة العقل النقدي العربي.. بقلم // محمد بوفتاس    التنسيق الوطني لقطاع التعليم يتضامن مع الفئات المقصية من مباريات تكوين المفتشين    الشركة الجهوية متعددة الخدمات تطلق 33 محطة لتحلية المياه    مالي تنفي مزاعم الجزائر بشأن إسقاط مسيّرة مسلحة    المغاربة يطالبون بالعودة إلى توقيت غرينيتش والعدول عن الساعة الإضافية    سفير مصر يسهّل دخول جمهور الجيش    مؤشر عالمي جديد يؤكد مكانة المغرب كنموذج للاستقرار في شمال إفريقيا    بعد يومين من اتصال ماكرون وتبون.. صنصال يستأنف الحكم ومحاميه يطالب ب"بادرة إنسانية"    إسرائيل توسع الهجوم في قطاع غزة    بن غفير يقتحم مجددا المسجد الأقصى    دراسة تشكك في قدرة الحكومة على تقليص البطالة بحلول 2030    بورصة البيضاء تفتتح التداول بارتفاع    خبراء الصحة ينفون وجود متحور جديد لفيروس "بوحمرون" في المغرب    دراسة تحذر من ارتفاع استخدام المضادات الحيوية في الإنتاج الحيواني    صلاح الدين بنعريم يستهل رحلة طويلة بالدراجة على طول 24 ألف كيلومتر من أوشوايا إلى ألاسكا        وزارة الشؤون الداخلية للدول    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    طلبة طب الأسنان بالدار البيضاء يواصلون الإضراب احتجاجاً على تدهور ظروف التكوين والعلاج    47,5 مليار درهم من التمويلات للمقاولات الصغيرة والمتوسطة عبر "تمويلكم" في 2024    إليوت بنشيتريت ويونس العلمي لعروسي يغادران جائزة الحسن الثاني للتنس مبكرا    نائل العيناوي يختار اللعب لفائدة المنتخب المغربي بدلا عن الفرنسي    إفران تحتضن الدورة السابعة من مهرجان الأخوين للفيلم القصير    قناة فرنسية تسلط الضوء على تحولات طنجة التي حولتها لوجهة عالمية    وفاة أيقونة هوليوود فال كيلمر عن عمر يناهر 65 عاماً    كأس ملك إسبانيا .. إياب حارق في دور نصف النهائي    المغرب يسجل تباطؤا في نموه الاقتصادي في الربع الأخير من 2024 مقارنة مع 2023    هشام جيراندو.. خيانة مفضوحة للملكية في الواقع ووطنية مزعومة في المواقع    الصين: "هواوي" تسجل ارتفاعا في إيرادات المبيعات في 2024    إسبانيا تخطو نحو تنفيذ نفق الربط القاري مع المغرب وسط رهانات مونديال 2030    واقعة تعنيف إطار صحي بقلعة السراغنة تتكرر بأكادير..    مهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي يفتتح دورته الأولى: "شاشة كبيرة لمدينة صغيرة"    إشكاليات سوق إمزورن الأسبوعي تدفع امغار إلى مساءلة وزير الداخلية    اختتام فعاليات دوريي أراغي والمرحوم إبراهيم مزياني ببني بوعياش    تدريبات تعزز انسجام "منتخب U17"    القنصلية العامة في دوسلدورف تكرّم أئمة المساجد والمرشدين الدينيين    الولايات المتحدة ترسل حاملة طائرات ثانية إلى الشرق الأوسط    بلجيكا تشدد إجراءات الوقاية بعد رصد سلالة حصبة مغربية ببروكسيل    السلطات البلجيكية تشدد تدابير الوقاية بسبب سلالة "بوحمرون" مغربية ببروكسيل    أجواء من الفرح والسرور ببرنامج راديو الناس احتفالا بعيد الفطر رفقة مجموعتي نجوم سلا والسرور (فيديو)    أغنية تربط الماضي بالحاضر.. عندما يلتقي صوت الحسن الثاني بإيقاعات العصر    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    القهوة في خطر.. هل نشرب مشروبًا آخر دون أن ندري؟    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بأصوات متعددة .. أحمد دحبور.. «سلة عبث الهواء بها»
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 10 - 04 - 2017

كان ذلك في خريف سنة 1984، بشارع للا الياقوت بالدارالبيضاء. كان المسرح البلدي لا يزال شامخا هناك، ومقهى «لاكوميدي» لا تزال عنوانا للإبداع المغربي وأسمائه الوازنة. كان المطر خفيفا، وريح خريف تهب تكنس أوراق الشجر على ضفاف الأرصفة. وإلى البعيد يصل صوتهم هادرا، بالشعارات الوطنية والتقدمية الغاضبة. كنا عشرات المئات من الشبيبة المغربية والعمال والطلبة، تداعوا ذلك المساء، والساعة قاربت الخامسة، إلى موعد عاشق مع الشعر. كان البرنامج متضمنا لأمسيتين شعريتين، الأولى للشاعر أحمد دحبور، بينما الثانية التي تم تغيير مكان لقائها بعد ذلك بيومين، إلى مسرح قاعة المكتبة الجامعية بشارع الجيش الملكي، كانت مخصصة للشاعر محمود درويش.
كان المسرح البلدي قد امتلأ عن آخره، وضاقت جدرانه، وليس فقط مقاعده، بالحضور، بينما بقي في الخارج ضعف العدد الذي كان بداخل المسرح. كان الشعار واحدا: «الصحراء مغربية وفلسطين عربية»/ «هما فين هما فين ولاد الشعب المخطوفين»/ «قتلوهم عذبوهم ولاد الشعب يخلفوهم»/ «نعم سنموت ولكننا سنقتلع القمع عن شعبنا».. إلى آخر الأناشيد والشعارات الطلابية والشبيبية والعمالية للزمن الساخن لمرجل السياسة بالمغرب، حين كانت الحركة الإتحادية والحركة اليسارية، عبر المنظمة الطلابية الوازنة والقوية «الأوطم»، تدوزن معاني الفعل في الشارع العام المغربي. وحين أطل الشاعر على الشارع الهادر بالحناجر الملتهبة، بكى قصيدتين، ورفع شارة النصر من بعيد. كانت القصائد قد بدأت تملأ جنبات المسرح، والصمت سيد، حيث الجميع يصيخ السمع للشعر، حين وصل صراخ وأنين المصابين بالخارج، حين تدخلت جحافل كبيرة من قوات الأمن، من مختلف الأسلاك، بعنف لوقف النشيد الطلابي الذي كان يرقص في شارع للا الياقوت، وبدأت الأجساد تسقط هناك وهناك، وعملية كر وفر، تتواصل في الأزقة المجاورة، فيما توجهت أكبر مجموعة من الطلبة صوب شارع إدريس الحريزي نزولا صوب شارع محمد الخامس والسوق المركزي.
كان تاريخ آخر يكتب هناك في تلك الأرصفة، عنوان حيوية وطنية وسياسية مغربية. وحين بلغ أنين المصابين، وأنين الشعارات الغاضبة، إلى سمع الشاعر (وقلبه)، قرر أن يوقف قراءة القصائد، معلنا تضامنه مع الجماهير المقموعة. وتم إخراجه بصعوبة من داخل بناية المسرح البلدي، والليل قد أرخى سدوله على الدنيا.
كان الشاعر هو أحمد دحبور، إبن مدينة حيفا الفلسطينية، الذي توفي منذ يومين بمدينة رام الله بفلسطين، ليدفن غير بعيد عن رفيقه في الشعر وفي النضال الفلسطيني، الذي كان معه ذلك الخريف بالدارالبيضاء، محمود درويش. كان الشعر حينها يجمع الناس إليه بالآلاف، وكانت دواوين الشعراء توزن بميزان الذهب. وكان دحبور، عنوانا مستقلا في ذاكرة الشعر الفلسطيني والعربي، كونه من الأوائل الذين أدركوا أهمية المزاوجة بين القصيدة والأغنية، من خلال أعماله الرائدة التي خص بها مجموعة «فرقة أغاني العاشقين» الفلسطينية. تلك التي صارت أغانيها معنى فنيا لأجيال من الشبيبة العربية والمغربية، خاصة أغنية: «شوارع المخيم»/ «يا شعبي يا عود الند»/ «والله لأزرعك بالدار»/ «إشهد يا عالم»… بينما ركبت قصائد رفيقه وصديقه محمود درويش أفقا آخر للغناء والنشيد من خلال تجربة الفنان اللبناني مارسيل خليفة (أشهرها «أحمد العربي»). وحين صمت الشاعر دحبور، في الزمن الذي اختلطت فيه دروب المعركة على المناضل الوطني التحرري الفلسطيني، رجع إلى قصيدته وحيدا، يخاصم قبح العالم ويوبخ الأيام، تلك التي صدقت فيها نبوءته، حين صاح في العالمين في إحدى قصائده الخالدة: «ضبطت الصيرفي العجوز/ يرسم رأسا لجوادي/ فصحت بالفقراء/ أن احذروا/ إن بالموائد سما»… لأنه، ها قد فاض السم الزعاف بالمشرق العربي، حتى صارت الطفولة فيه تباد بالأسلحة الكيماوية، ويتفرق دم طفولتها وبراءتها بين المصالح. وصار العربي الأعزل هناك، مضغوطا بين جزمة الديكتاتور وبرامله المتفجرة، وبين منجل الذبح الأسود للحركات الدينية المتطرفة. وصار لا خيار أمامه سوى بين الموت هنا أو الموت هناك.
أحمد دحبور، الذي أغمض عينيه عن قبح العالم هناك، ولد في حيفا سنة 1946، لكنه كبر في حمص السورية، غير بعيد عن أمكنة الإبادة الجديدة للحياة في أعين الطفولة السورية. ولأنه صاعد من تراب الوجع، في مخيمات اللاجئين والمهجرين، بين بيروت والجنوب اللبناني وحمص السورية، فإنه انتصر باكرا للفكرة اليسارية، وركب مغامرة الكتابة نثرا وشعرا، من خلال العديد من الدواوين والمقالات. حيث أصدر أكثر من 12 ديوان شعر (أشهرها: «بغير هذا جئت» / «واحد وعشرون بحرا»/ «حكاية الولد الفلسطيني»)، وترأس مجلة «اللوتس» لأكثر من 15 سنة، التي كانت صنوا آخر لمجلة «الكرمل» التي أصدرها رفيقه في القصيدة والشعر والأدب والموقف الوطني، الشاعر محمود درويش. مع ميل أكثر لدحبور صوب الموقف الجدري لليسار.
في قصيدته «قمر الظهيرة»، كما لو أنه يخاطب جنون العالم مرة أخرى،، كما لو أنه يودع العالمين، حين يقول:
على أني وحيد
والعزاء معلَّق في سلة عبث الهواء بها
فلا أعلو إليها وهي لا تدنو إلي
لعل فاكهةً هناك
لعل أعنابًا وأبوابًا ستفتح لي
فأمسك ذيل أمي
وهي تضحك حين أخبرها
بأني ألمس الوحي
كأني أدخل الدنيا
كأني لم أكن فيها
وأدرك أنني لا أملك الإقناع
أمي أمس من ماتت
وها أنا لم أمت إلا قليلاً
وانبعثت
فكيف أني بي أعزِّيها؟!
إذن أين الطريق؟
وهل أعود من الكهولة
أهتدي بدمي الذي ينمو مع الثمر؟
لماذا ليس لي عينان كالبشر؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.