أضحت العلاقة بين الإبداعي والمعرفي بعد التطورات التي مست الإبداع الأدبي، كتابة وتلقيا، مثار نقاش كبير. وقد أفرزت عملية تأمل هذه العلاقة منظورات متباينة ومتعددة؛ بالنظر إلى تنوع المنطلقات والمرجعيات، وباختلاف الأجيال والحساسيات. ولم تشذ القصيدة المغربية عن هذا المنحى؛ إذ غدت إشكالية المعرفي والإبداعي من أسئلتها الراهنة والملحة. فما العلاقة بين الإبداعي والمعرفي في القصيدة المغربية؟ كيف يتعاطى الشاعر المغربي مع المعرفي في ممارسته الإبداعية؟ ما مدى قصدية القصيدة في تكوين معرفة ما؟ ما أشكال المعرفة التي تقدمها القصيدة المغربية؟ ما العلاقة بين المعرفة الجمالية و باقي أشكال المعرفة؟ بهذه الأسئلة استهل الأستاذ محمد أعزيز ملتقى أبركان للقصيد في دورته الثالثة التي احتضنتها قاعة العروض التابعة لبلدية أبركان، يوم الأحد 26 مارس 2017، بمشاركة ثلاثة باحثين في الجلسة النقدية الصباحية التي تناولوا خلالها محور القصيدة المغربية والمعرفة.. ففي المداخلة العلمية الأولى، خاض الدكتور عبد السلام بوحجر في موضوع «المعرفة الجمالية في القصيدة»؛ مبرزا أن هذه المعرفة تصدر عن مجموعة من المقومات؛ لعل من أبرزها أن يتمتع الشاعر بالموهبة باعتبارها المصدر الأهم في العملية الإبداعية، وأن يكون زاده من المعرفة العامة والخاصة ثريا، فضلا عن الارتقاء بهذه المعرفة من مجال الحقيقة إلى مقام المجاز. وفي المداخلة الثانية الموسومة بعنوان: «مباهج القصيدة المغربية المعاصرة»، كشف الدكتور منور بوبكر عما ينبض به الخطاب الشعري من بعد معرفي، هو مزيج بين الألوان والأشياء والأحاسيس، وهو اتصال روحي نوراني بين القصيدة وباريها ومتلقيها. واختبر الدارس هذا البعد في التجربة الشعرية للشاعر المغربي حسن الأمراني بين ثنايا قصيدة «احتفال»، بوصفها حمالة معان ودلالات، وتتسم بغناها، ومحوريتها على صعيد الانفتاح المعرفي، ومنطبعة بتعدد المناهل الحضارية التي تمتح منها. وفي المداخلة الثالثة، تناول الدكتور فريد أمعضشو «الحضور المعرفي في القصيدة المغربية المعاصرة بين الإنتاج والتلقي»؛ مستثمرا تجربة الشاعر المغربي محمد علي الرباوي على مستوى التناص في مختاراته الشعرية: «من أشعار الرباوي»؛ اعتبارا للروافد التي تنهل منها نصوصه في تأكيد المعنى، وتعميق الموقف، وتوليد الدلالات المتتالية في تعالقها مع نصوص أخرى من القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، والتراث العربي القديم. وفي الفترة المسائية، تحولت أنظار متتبعي الملتقى نحو جلسة قراءات شعرية ذات صلة بشعار الملتقى، شارك فيها ثمانية وعشرون شاعرا وشاعرة بقصائد من الفصيح وأخرى من الزجل؛ ويتعلق الأمر ب: جمال خلادي، عبد العزيز أبو شيار، محمد لقاح، ثريا أحناش، حسن إمامي، رشيد سوسان، عبد الله فراجي، أحمد اليعقوبي، بوعلام دخيسي، إدريس الزايدي، سعيد هادف، لوبنى بومعزة، خالد بدوي، الحسن درويش، عبد القادر لقاح، نعيمة غرافي، علي العلوي، السعدية فاضلي، عادل لطفي، لطيفة تقني، عبد الحق الحسني، أحمد السامحي، محمد يويو، عبد الإله مهداد. والجدير بالذكر، أن فعاليات الملتقى الثالث للقصيد بأبركان، أقيمت بموازاة مع معرض للكتاب، أشرف عليه الزجال والباحث جمال خلادي، ويخص الأعمال الإبداعية والنقدية في مجال الشعر، قصد تعريف القراء بالإصدارات الأخيرة، واكتشاف أصوات شعرية جديدة تثري الحراك الثقافي، وإتاحة فرص أمام الشعراء الشباب للتعبير عن أصواتهم من خلال الالتحام بنخبة من المبدعين.