حدثنا ابنُ العدلاء ، عن شيخنا أبي الفضل النجداني، قال: استيقظ الطاغية مرة من نومه، وذلك في جوز الليل، وسكان القصر نائمون، فدعا صاحبَ الشرطة وقال له: - لقد رأيتُ حلما ينبغي تأويله في أقرب الآجال ، فجئني حالا بوزيرنا في الأحلام. قال الشيخ أبو الفضل النجداني: فلم تمض ساعة حتى جيء بالشيخ أبي محمد السلافي الألباني ، الملقب بليث الشرى ، وقد داخله الرعب، وهو يجهل سبب استقدامه في ذلك الوقت من الليل. فلما رآه الطاغية، قال له: - هو حلم غريب رأيته الليلة، أيها الشيخ الوزير ، وأنتظر منك تأويله... فقد رأيتُني وحيدا في قفار يَحارُ بها القَطا، ثم ظهرَ لي شخص لا أعرفه، وأشار إليّ بأن أتبعه ، فتبعته مشيا على القدمين، فيما هو يركب ناقة عُمانية . ثم صعدْنا ربوة عالية، وهو لا يلتفت إليّ ، حتى بلغنا ماءً خلف الربوة، وقد أجهدتُ ونال مني التعب، وداهمَني عطش شديد، فعندئذ نزلَ واستل سيفه ، وأنا أعزَل لا سلاح لي، وحالَ بيني وبين الماء، ثم نظرَ إليّ طويلا وقال لي:" يا صاحب نجدان، ألم تعرفني؟ إني أنا القائل: سأفصلُ يوماً بين هامٍ و أبدانِ = و أدخل منصوراً إلى قصر نجدان فلما سمع الوزيرُ ليثُ الشرى حلمَ الطاغية، قال له: - يا مولانا المستبد بالله، لا يمكن تأويل الحلم إلا بعد معرفة قائل هذا البيت. فأمر صاحبُ نجدان بإحضار وزير الشعر، فجيء به في الحين، فلما مثل بين يديه سأله عن قائل البيت المذكور، فبهت الشيخ ولم ينطق بجواب. ثم جيء بعد ذلك بشيوخ اللغة والأدب، فما من أحد منهم عرف القائل، ولم يزل الأمر كذلك إلى أن جيء بوزير الجن، وهو الشيخ الحسن المنديلي، المعروف بقلب اللوزة، فقال للطاغية: - يا مولانا المستبد باله، هذا البيت لشاعر من الجن، يدعى برقان بن سليط، وهو جنّي خبيث، من بني الشيصبان، يسكن المزابل، ويملي الأشعار على الإنس. وهو الذي أملى على ابن الدمينة قصيدتَه التي يقول فيها: هلِ للهُ عافٍ عنْ ذُنوبٍ تسلّفَتْ أمِ للهُ إنْ لم يَعْفُ عنها يُعيدُها و على اللص أبي النشناش النهشلي قوله: فمُتْ معدما أو عشْ كريماً فإنني أرى الموتَ لا ينجو من الموت هاربُهْ و على أسماء بن خارجة قوله: إني لَسائلُ كلّ ذي طبِّ ماذا دواءُ صبابة الصبِّ ؟ و على عليّ بن أبي كثير قوله : فرُحْتُ أجوبُ الأرضَ ، أرْكَلُ مَتْنَها = إذا هي مالتْ بي فيَعْدلُها رَكْلي قال الطاغية: - قاتل لله هذا الجني، ما أشعره! ثم التفتَ بعد ذلك إلى والي سجن الكثيب وسأله: - أخبرني أيها الشيخ، أليس في سجن الكثيب جناح للجنّ؟ قال الوالي: - بلى أيها الطاغية . فنظر إليه الطاغية نظرة ازدراء وقال له: - فما بال هذا الجني الخبيث ينعم بالحرية في بلاد نجدان؟ إني آمرك باعتقاله فورا وبوضعه مع أفراد قبيلته من بني الشيصبان، المحكومين بالأشغال الشاقة ! وإياك ثم إياك أن تتركه يتسلل مرة أخرى إلى أحلامي! قال الشيخ أبو الفضل النجداني: فلما انتهى المستبد بالله من كلامه أشار إلينا بالانصراف، فقمنا وغادرنا القصر ونحن نعجب من طاغية لا يكتفي ببَسْط سلطانه على الجن، ولكنه يريد أن يمنعهم حتى من النفاذ إلى الأحلام!