ماتيس في طنجة" رواية للكاتب الجزائري عبد القادر جميعي. وهو روائي في رصيده العديد من الروايات: تخييم، محطة الشمال، الأنف على الزجاج، لحظة نسيان. وهي روايات منشورة عند واحدة من أهم دور النشر الفرنسية. تحكي "ماتيس في طنجة"، وهي من الصنف البيوغرافي، عن زيارة ماتيس لطنجة سنة 1912 رفقة زوجته "إميلي"، تحت وابل من المطر، الذي سبق نور طنجة الذي سيجده ماتيس دون نظير. سيكتشف الفنان العبقري ألوان المدينة ومناظرها وسكانها الذين في أغلبيتهم مغاربة وإسبان ويهود. لكنه سيجد غيابا كبيرا للعنصر الأنثوي الذي يعتبره ضروريا لعمله الفني. وهذا العمل الأدبي هو عبارة عن رسالة طويلة، عنوانها الأصلي "زهرة في الشرفة"، وهو مقتبس عن لوحة لماتيس، وزهرة هي عاهرة في طنجة فرضت نفسها على الخيال الخلّاق... إنه إسباني آخر، ليس من الأقل شأنا، فرانسيسكو غويا، من سيجعلك تكتشف شيئا جوهريا. ففي بداياتك الصعبة في مدرسة الفنون الجميلة بباريس، حيث سترى لوحات في متحف اللوفر وتفهم- الشيء الذي سيحرر قواك الخلاقة- أن الرسم لغة. أستاذك غوستاف مورو، الذي تنبأ بأنك ستبسّط الأمر، لقّنك أن "اللّون يجب أن يكون فكرا، حلما، خيالا". نصحك أيضا بعدم الاكتفاء بالذهاب إلى المتحف والاحتكاك بالشارع بحثا عن المادة التي تغذّي وتعزّز إلهامك. عند مجيئك، دون حذر ولا أحكام مسبقة، إلى بلد المغرب العربي هذا، لم تستطع نسيان أن غوستاف مورو كان أيضا أصل اهتمامك بالفن الإسلامي. وستكون إذن أحد الأوائل الذين حاولوا إنجاز تركيب بين هذا الأخير والفن في الغرب، مانحا بذلك للفن الحديث فضاء أكثر اتساعا وأكثر غنى في أشكاله ومضامينه. بعد شهر من وصولك إلى هذه المدينة المعتادة على فصول جدُّ مميزة، الطقس السيئ- السكان، وهم مندهشون أكثر منك، لم يسبق "أن رأوا ذلك"، تكتب إلى "ماركيت"- تبخر أخيرا. هذه المرة، فوق رأسك، السماء زرقاء زرقة صافية وسامية. الضوء الذي يعود الآن، قاس أو حنون، كثيف أو حريري، يجرح عينيك أقل مما يفعل أرقك المتكرر. نحن الآن في فاتح مارس من سنة 1912 وأنت تشعر من جديد بالانتعاش أمام مشهد طبيعة تملأ بسخاء حدقتاك. لامعة ومشعة من الجمال، لم تعد، وراء الأسوار القديمة وفي هذه المدينة حيث الأدراج والشرفات تنتشر مثل مروحة، مثل حقل شاسع ملطّخ بالأصفر، والأحمر، والبنفسجي، والبني، والأخضر. كثيرا ما يُستعمل في الزخرفات، هذا الأخير هو أيضا لون الأمل والنجمة التي تزين الأعلام والرايات الحريرية أو المخمل لهذا الشعب الذي يحب الملاحم، حليب الماعز وشجرة الأركان، الشجرة المقدسة التي تعطي زيتا بتولا له لمعان الذهب. هناك أسطورة أخرى تحكي أن طنجة هي أول أرض مكتشفة، بعد الطوفان، من طرف نوح، سيدنا نوح. ولوجوده قرب مغارة هرقل، يرى السنونو الذي بعثه للاستطلاع يعود ملطخا بالوحل، سيقول متعجبا باللغة العربية، بصوت ما زال شابا وواضحا في تسع مائة عام: تين جا. الأرض هنا. وهكذا، يقول الرواة في ساحات سوق المدينة، ظهر اسم طنجة. شبيها بسفر داخلي، المرتان اللتان أقمت فيهما بالمغرب- عدت إلى هنا في 8 أكتوبر 1912- ساعداك على إنجاز التحول الضروري. ستسمحان لك، كما تعترف ل"تيرياد"، وهو أحد ناشريك، بإيجاد تواصل أكثر التصاقا بالطبيعة الذي لم يستطع إنجازه " تطبيق نظرية حية لكن محدودة إلى حد ما، هي التوحشية". هذه الحركة الطليعية الكبرى في القرن العشرين التي كنت قائدها ورئيسها، دخلت إلى تارخ الفن، تقريبا بواسطة التحطيم، بفضل لوحتيك "امرأة تضع قبعة"، "هدر الألوان" في معرض ربيع 1905.