الحب يحفظ الكون من الانهيار، والمرأة هي مرح الحب مع نفسه، ولذلك ينبغي للمرأة أن تكون مرآة لجمهوريتها، لحقيقتها وإلا لن تفقد حياتها الجوهرية فحسب، بل ستجد نفسها في الضياع، حين تنزع الروح عن نفسها ثياب الأوهام. لأن المرأة التي أحدثت الجرح هي نفسها التي تداويه بعاطفة العشق، والحق أن العشق هو الطعم المطلوب لإثارة الرغبة لدى الرجل في العض واختراق النشوة والوجد من أجل بلوغ مرتبة الحماس المشتعل، لأنه في جو أزرق ساحر يلمع برج الأفكار والخيالات والحكايات الرائعة عن العشق لأبطال تحولوا إلى ذكريات يتلاعب بها الزمان، أو مجرد شعاع من النور يربطها بالسماء في أسمى مقامات هذه الكوشوفات شهدنا ما شهدناه في جمهورية النساء، ولما امتلأت الرؤيا قمنا بتفجيرها في هذا النص اللذيذ الذي يقع بين برزخ السماء والأرض، بين الحب والكراهية، بين السعادة والشقاء. بإمكانه أن يصبح احتفالا بالضياع في شاعرية الحب، باعتباره مرحا مع نفسه، هذا الحاضر في الزمان والغائب في الوجود؛ مجرد مرض نرجيسي بلغة لاكان إنه المتعة الكبرى في الحياة يبعد الإنسان عن الألم لأن النفس شيء غريب في هذه الأرض. يا له من قدر ممتع ينتظرنا هناك في هذه الجمهورية حيث الحقيقة اختفت والحرية تزوجت بالاستبداد، والرجال تحولوا إلى حراس هذه الجمهورية، فهل تشبه هذه الجمهورية مدينة السعادة أم مدينة الحرية؟، وكيف يمكن الحصول على تأشيرة الدخول إليها؟، وكيف هي أوضاع الفلاسفة فيها هل تختلف عن أوضاع العشاق الذين يحلمون في واضحة النهار؟، وما الذي يجعل الروح تنعم بمتعة هولامية وبقدسية مبهمة. تلقي بها في هوة الضياع؟ العشق والضياع أيهما أحلى؟. سنهاجم كتابات الوعظ والخطابة المقدسة والأحاديث الإنشائية التي مارست الوصية المطلقة على النساء إذ تعتبرهم مجرد مادة أولى يتم تصنيعها بواسطة الآراء الدوغمائية في الأخلاق والسيرة المتشددة، ولعل كتبات الشعراوي وغيره لخير دليل على هذا الاتجاه الجنائزي الذي يحول مرح النساء إلى احتفال جنائزي شكسبيري ينتشي بالمأساة والموت، ولذلك سنمنع ها الرجل وأمثاله من الدخول إلى جمهورية النساء لكي لا يتسرب الاكتئاب إليها، وترخي الأحزان ظلالها. النساء والمعرفة نعمة للفانين، نزلا إلى الأرض خطأ، فلابد للمتعة أن تنبثق منها؛ فأي خطاب يدعو إلى المأساة سيحول بهجة الحياة إلى قدر حزين يحدث هزة عنيفة في سماء العشق المرصعة بنجوم البراءة، لأن شراسة الخطابة تقضي على الحياة في الأرض والسماء، وبخاصة وأن الوعاظ يتحدثون بلغة ميتة يعرفها من يستمع مسبقا. هكذا يتحول كلامهم إلى سجن للأرواح التي تفترس الأجساد في جنح الظلام. وتقضي على الأحلام ونعمة الخلود. لا شك أن جمهورية النساء كتاب قلق لعصر مضطرب ورائع كالبحر، إذ ليس له نظير يتحرك في سماء البراءة من أجل القضاء على ما يجعل المأساة ممكنة ويشعل نار الفرح والسرور، لكن إلى أين سيقودنا هذا النص الملهب؟ هل سنبحث عن خاتم الزواج؟ أم أننا سنتزوج بالأبدية لننعم بالطمأنينة والدعة كما وقع للحكيم؟ وما هو السر الميتافيزيقي لخاتم الزواج؟. خاتم الزواج والأبدية هما نفس الشيء إنهما مجرد دائرة الدوائر حيث يصبح الانتهاء عودة إلى الابتداء، ولذلك أن الحكيم عندما عجز عن تفجير حبه في امرأة يريدها أما لأبنائه، اتجه نحو المرأة التي يحبها: «أحبك أيتها الأبدية». فإلى أين يقودنا هذا الانزياح الصامت في المعنى؟، وما معنى التخلي عن المرأة وعشق الأبدية؟ن هل أسكنه ليل الجنون نعمته؟ وهل استحوذت الأبدية ببريق عينيها الساهدتين على أعمق ما في قدر الحكيم؟. لا يمكن أن نتوسل للأبدية إلا بالمرأة، لأنها هي نفسها امرأة يتبعها الحكيم: «حتى إلى المآزق التي لا يعرف لها منفذا»، لأنه يخشاها قريبة ويحبها بعيدة، والحال أنه معذبة بها، حيث يقول: «وأي عذاب لا أتحمله من أجلك، وأنت المحرقة ببردك، الساحرة بكيدك، الجذابة بادبارك، المحيرة بسخريتك، أي إنسان لا يكرهك أيتها الغامرة الساحرة التي لا يفوتها مقصد تتجه إليه، ومن لا يحبك وأنت البريئة الرعناء المسارعة إلى المعصية والإثم وفي عينيك لفتات الأطفال، إلى أين تقودينني الآن؟. لنترك زارادشت يتمتع بعذابه، ونبحث عن خاتم الزواج في جمهورية النساء التي اخترناها مقاما سعيدا للروح، لكن أيتعين علي أن أكون الوحيد الذي يعاني من أجل بناء هذه الجمهورية؟.