باعتبارها بؤرة لرهانات مهمة ومجالا لصراعات سياسية واجتماعية، أضحت قضية المرأة موضوعا مؤطرا أو مهيكلا للحقل الايديولوجي والسياسي والثقافي بالمغرب، ولذلك أصبحت قضية ادماج النوع شعارا يرفعه كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين.. وذلك لعدة اعتبارات أبرزها أن التنمية المستدامة لا يمكن أن تتحقق دون مقاربة النوع، لاسيما وأن انعكاس ذلك أصبح واضحا في مشاركة النساء في الهيئات المنتخبة كالبرلمان والجماعات المحلية. والاعتبار الثاني هو الفرق الشاسع بين النصوص والممارسة اليومية . والاعتبار الثالث كون هذه الوضعية تبقى ايجابية بالنسبة للنساء في الأحزاب السياسية أكثر منها في التنظيمات النقابية. وانطلاقا من هذا العنصر الأخير لابد من اثارة 3 ملاحظات، أولها أننا نشهد مسلسلا متواصلا وهائلا للاندماج النساء في مجال العمل المأجور، مع ما يصاحب ذلك من فوارق واختلالات في سوق الشغل. وثانيها التراجع الواضح لتأثير النقابات وإمكانية إحياء العمل النقابي من خلال تشجيع النساء على الانخراط في النقابات، والملاحظة الثالثة تتعلق بالعدد القليل للنساء في مراكز القرار داخل التنظيمات النقابية في تناقض صارخ مع ما يفترض أن يحمله المجال النقابي من قيم المساواة والعدالة والتضامن، وبالتالي يصبح من الضروري مساءلة هذه الفوارق والتناقضات البارزة داخل الكيانات النقابية، مع ملاحظة خصوصيات العمل النقابي الذي يتميز بالضغط، الكبير والالتزامات المتعددة وتداخل وكثرة المهام التي يتطلبها العمل النضالي النقابي مع ما يولده في غالب الأحيان من توتر وضبابية. إذا كانت المطالب المتعلقة بظروف عمل النساء مطروحة على مستوى المذكرات المطلبية، فإن حاجيات وخصوصيات المرأة العاملة مغيبة أو مهمشة سواء في المقاولة أو داخل التنظيمات النقابية. وبالرغم من كل ذلك يلاحظ من خلال المؤتمرات الاخيرة لعدة مركزيات نقابية رغبة واضحة لتطبيق تمييز ايجابي من خلال المحاصصة، لكن الواقع أدنى من هذه الانتظارات والنوابا الحسنة بحكم أن عالم النقابة بشكل عام يبقى عالما منظما ومحكوما بنظرة ذكورية، والنتيجة أن «عدد النساء في مراكز المسؤولية يبقى مناقضا نسبيا لأهمية المناصب، بمعنى أنه كلما كانت مناصب المسؤولية مهمة كلما كان ولوجها صعبا أمام النساء». ماهي أسباب هذه الوضعية؟ ما الذي يمنع النساء من الوصول إلى مراكز القرار رغم الخطابات الايجابية؟ لماذا تبقى النقابات معقلا ذكوريا؟ وتحاول هذه الدراسة المساهمة في تقديم وإعطاء بعض الأجوبة من خلال محاولة تحديد العراقيل والمعيقات أمام وصول النساء لمناصب القرار داخل النقابات وتحديد طرق العمل بشكل تشاركي بهدف وضع مخطط عمل فعال. I - مرتكزات أساسية بالرغم من بعض التقدم المسجل (تقدم نشاط النساء، ارتفاع مستوى حصول النساء على ديبلومات عليا وصول النساء إلى المناصب العليا)... هناك استمرار للفوارق بين المرأة والرجل، فعلى مستوى انتاج النصوص التشريعية نلاحظ وجود تقدم مهم خاصة دستور 2011، وخاصة المقتضيات التي تقر بالمساواة بين الجنسين في الحقوق والتأكيد على اجراءات ايجابية لتنفيذ واقرار المساواة ومنع التمييز والاقرار بسمو المعاهدات الدولية وضرورة ملاءمة القوانين الوطنية معها، وهناك أيضا مدونة الأسرة وما نصت عليه من المسؤولية المشتركة للزوجين في الأسرة، واخضاع الطلاق للنسطرة القضائية ووضع شروط صارمة تحعل تعدد الزواج صعبا، والمساواة في الحقوق والواجبات بالنسبة للزوجين.. ومدونة الشغل التي تضمنت عدة مقتضيات ترمي إلى تحسين الوصول إلى هذه المساواة... والاجراءات الايجابية المتعلقة بالمشاركة السياسية للنساء (اللائحة الوطنية للنساء) 30 امرأة في برلمان تم 60 امرأة في 2011، وقانون الانتخابات الذي أقر نسبة 12% للنساء اضافية. إلا أن منطق الممارسة يشهد على وجود فرق شاسع مع ما تتضمنه النصوص، وهو ما تبرزه ردود فعل المجتمع المدني من خلال المذكرات المرفوعة والتي تركز على ضرورة اقرار اجراءات تضمن المناصفة التمثيلية في جميع الهيئات المنتخبة، تنفيذ القانون التنظيمي الخاص بالتعيين في المناصب العليا ورغم إقراره بالمناصفة، إلا أن الواقع يثبت أننا لم نصل حتى إلى الثلث... إلا أن مظاهر الحيف الفاضحة تبرز من خلال الأرقام المتعلقة بالإدماج الاقتصادي للنساء، إذ تؤكد الأرقام أن نسبة مشاركة النساء في سوق الشغل انتقلت من 30% سنة 1999 إلى 25% سنة 2012، وفي الوسط الحضري، النساء معرضات للبطالة مرتين أكثر من الرجال (21% للنساء مقابل 11% للرجال)، كما أن مدة العطالة لدى النساء أطول منها لدى الرجال (75%) من النساء يعشن العطالة، أكثر من 12 شهراً مقابل 60% لدى الرجال)، كما أن نسبة النساء في الوظيفة العمومية المدنية تصل إلى 31% سنة 2012، وهذا الرقم لم يتغير كثيراً، لأنه كان يمثل 29% سنة 2003. وانطلاقاً من هذه الأرقام، يمكن أن نلاحظ أن المرأة تبقى محصورة في أنشطة اقتصادية متدنية من حيث القيمة في سوق الشغل وهي أيضاً عرضة لتمييز على مستوى الأجر، والمرأة المتعلمة أكثر عرضة للبطالة، كما أن المقاولات الخاصة لا تحترم التزامات مدونة الشغل المتعلقة بالنساء، كما أن نسبة النساء في الوظيفة العمومية تبقى ضعيفة ووصول النساء لمناصب القرار فيها جد محدودة. أمام هذه المعطيات، لابد من الإشارة إلى النقط التالية: الدور الملتبس لوضعية سوق الشغل الذي هو عامل مشجع للانخراط النقابي، وفي نفس الوقت، عائق أمام انخراط النساء في العمل النقابي، نظراً لطبيعة العمل الذي تضطلع به النساء (الخدمات)، والذي يعرف نسبة ضعيفة من التأطير النقابي. وهناك أيضاً تنامي العمل الموسمي أو المؤقت الذي لا يشجع على الانخراط في العمل النقابي، وأخيراً الثقافة النقابية (الذكورية) ونمط الاشتغال الداخلي للنقابات تلعب دوراً سلبياً في ولوج النساء للعمل النقابي، ومن ثم لمراكز القرار داخل النقابات. II - التأطير المفاهيمي لهذه الدراسة يتمحور التأطير المفاهيمي لهذه الدراسة على أربعة مجالات استراتيجية: مقاربة النوع، والقدرة الذاتية، والحواجز غير المرئية أو المصطنعة التي تمنع المرأة من الوصول إلى المسؤوليات العليا، وأخيراً الأحكام الجاهزة... والملاحظ أن النقابات لا تعطي أو لا تتوفر على معطيات كمية، وهو ما يعتبر مؤشراً على عدم الاهتمام الواضح حول موضوع النوع، ورغم المجهود الذي بذلته النقابات في هذا المجال، فإن معطياتها تبقى تقريبية تتطابق في مجملها مع المعطيات التي أمكن الحصول عليها من العينة المستهدفة. ويظهر من خلال تصور النساء اللواتي تم استجوابهن أن هناك إحساساً بالإحباط. فالعمل النقابي بالنسبة لهن يعتبر سباقاً للحواجز، حيث قواعد اللعب غامضة وعناصر اللعبة مخدومة منذ البداية، وهذا الإحساس نابع من الفرق بين الأسباب الأولى التي تحفزهن على الانخراط في العمل النقابي، والمسار المليء بالمطبات والطموحات المجهضة والآمال المحبطة والآفاق المظلمة. فالمرأة النقابية بغض النظر عن تموقعها الحالي، تتحرك وتتطور في مسلسل ووفق ديناميكية تتشكل من رهانات وعراقيل يكون داخلها الفاعلون وخاصة الرجال في تنافس قوي من أجل الوصول إلى مراكز القرار باستعمال كل الوسائل المتاحة. وحسب النتائج التي تم الوصول إليها، يكمن رهان السلطة في الحقل النقابي في المستوى المحلي والجهوي والمركزي. ولذلك، فالممارسة النقابية تفرز عراقيل تمييزية تجاه المرأة النقابية بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذه العراقيل التي تمنع وصول النساء إلى مراكز القرار في مختلف الهيئات النقابية تجد جزئياً تفسيرها في المقولة المتداولة «أن تفكر نقابياً، أن تفكر ذكورياً«. III المحفزات المرتبطة بمفهوم «النقابة» والصورة المثالية للمرأة النقابية ومن أجل تفكيك هذه العراقيل وتوضيحها بشكل موضوعي قصد فهمها وتمكين الفاعلين والفاعلات في الحقل النقابي من إمكانيات معالجتها والتعامل معها بشكل إيجابي، وذلك من خلال إعادة رسم التصورات وتمثلات النساء لمعيشهن النقابي والقيم التي يحملونها والآمال والإحباطات والعراقيل التي تحبط رغبتهن في لعب دور نقابي متساوي مع الرجل. وانطلاقاً من المسار النقابي، أثارت العينة المستجوبة من النساء النقابيات الأسباب والدوافع التي قادتهن إلى الانخراط في النقابة وتشمل عوامل متعددة ومختلفة منها التجربة السياسية السابقة، الوسط العائلي، القناعات الشخصية، الاختيار المباشر أو المميزات الذاتية للمعنية التي تصنف كنموذج ملائم للمناضل النقابي المثالي أو المطالب والمشاكل على مستوى العمل... أو الإحباط من النضال السياسي تجاه قضية المرأة، وبشكل عام الدافع الأولى للانخراط في النقابة لدى المستجوبات كان يتمثل في قيم التضامن والعدالة والدفاع عن حق الجميع وتحقيق تصور مجتمعي مثالي. ومجمل هذه القيم بعد اصطدامها بواقع الممارسات الذكورية خلق نوعا من الإحباط والمرارة قد تؤدي إلى اجهاض حماس والتزام المناضلات، و هذا الإحباط سيتأكد في تمثلات لفظة «نقابة»، وتحيل هذه التمثلات على صور: المناورة، المطالبة بالحقوق، الحق، النضال، النزاعات، الصراعات، الشعارات، تأكيد الذات، الاعتصامات، المواجهات، الحماية، القرارات، الطبقة العاملة، الحقوق والواجبات، الكرامة، المعارضة، التنظيم داخل قطاعات، المدرسة، المكاسب الاجتماعية، التطور، الدفاع، الفكر السليم.. وكل هذه التعابير تجسد الإحساس المختلط تجاه الممارسات النقابية. فالنقابة هي في نفس الوقت مصدر وخزان أشياء وقيم ايجابية وسلبية. وهذا الإحساس المختلط قد يخلق صراعا بسيكولوجيا داخليا قد تكون له على المدى البعيد زصداء سلبية حول المردود النقابي للمرأة المناضلة. ما هي الصورة المثالية للمرأة النقابية النموذجية؟ من خلال تصورات العينة المستجوبة يمكن: رسم الصورة النموذجية للمناضلة النقابية النموذجية حسب خمس ميزات أساسية: - معرفة ما يجري في المحيط من قوانين ومستجدات تتعلق بالجوانب القانونية والاقتصادية. - حسن التصرف: التمكن من الملف ومعرفة تحليل النزاع... - حسن التعامل، الحماية، الصبر، الإنصات، الثقة في نفس - الميزات المرتبطة بالقيم: المصداقية، الأخلاق، التضحية، السير حتى النهاية، التواضع، التفاني، التضامن، النزاهنة. - الميزات الأفقية: الكفاءة، الفعالية، الاستمرارية، حسن الوحدة والتضحية والتفاني والدقة في العمل المهني والعمل النقابي، الثقة في النفس، القدرة على رفع التحديات، القدرة على التوفيق بين الحياة العائلية والمهنية والنقابية... وتكتمل هذه الصورة النموذجية التي ترسمها النساء المستجوبات بالصورة التي يرسمها الرجال عن المرأة النقابية النموذجية، وتتمثل في أن تكون «قريبة من القاعدة وتحسن التواصل والتواجد الميداني اليومي واحترام المجتمع مع القدرة على مواجهة الأفكار التي لا تتماشى مع توجهاتها، والقدرة على التحكم والتمكن من الملفات والجرأة مع التمكن بالديمقراطية، وألا تكون طيعة تحت رحمة الزعماء. وهذه الصور تلتقي فيما بينها لوصف «المرأة الخارقة»: القوية، المتواجدة، القادرة على مواجهة أي وضع، وهي الصورة التي لا تترك لها أدنى حظ لأنها مستحيلة، وفوق قدرتك لاتلام كما يقال. فصورة المرأة المتمكنة والكفؤة تشكل اعتقادا يتقاسمه الرجال والنساء، بالمقابل لهذه الصورة عواقب سلبية على المرأة النقابية لكونها تتهمها وتزيد من احساسها بالضعف تجاه نفسها. كما أن هذه الصورة، المثالية للمرأة النقابية يستعملها الرجال للتحايل وتجاوز المحاصصة بالإدعاء والقول «لم نجد النساء المؤهلات أو عندما سنجد النساء الكفوءات ستعطيهن مناصب المسؤولية...» والمناضلات اللواتي فتحن الطريق بالوصول إلى أعلى مناصب المسؤولية داخل النقابات تتقمصن نموذج المناضل الرجل المتميز باستعداده وتفانيه الكامل للتنظيم. وهذا التصور التضحياتي يشكل عائقا لا يعترف به الفاعل النقابي سواء كان رجلا أو إمرأة. المرأة النقابية في مواجهة العراقيل كلمة «استثنائية» وخارقة تتردد باستمرار على لسان كل أطياف العينة المستجوبة سواء من الرجال أو النساء. وهو توصيف يلخص مجموعة من الظروف والسياقات تبدأ بالتضحية بالحياة الخاصة والترقية في الحياة العملية الى التضحية بالحياة الأسرية... ويمكن أن نوجز هذه العراقيل كالتالي. - سلسلة أولى من العراقيل تتمحور حول التوفيق الصعب بين ثلاثية: العائلة، العمل، النقابة. - سلسلة ثانية تتعلق بالأحكام الجاهزة، سواء أحكام جاهزة اجتماعية تتعلق ، المحيط، النشاط النقابي، أو أحكام جاهزة داخل النقابة، أي تصور الرجال للعمل النقابي للمرأة. - أحكام جاهزة أخرى تدفع الى اعتبار نوع من العمل يلائم الرجال أكثر مما يلائم النساء والعكس صحيح. عراقيل بسيكولوجية أو موقف الدفاع الذاتي للمرأة من أجل حماية نفسها والرقابة الذاتية للنساء في مواجهة فرص العمل النقابي عراقيل ثقافية، وهي عراقيل مرتبطة بالأدوار الموكولة اجتماعياً للرجال والنساء، والتي يستوعبها الفاعلون بشكل لا واعي في منح وقبول المهام والأنشطة النقابية، والمرجعية الأساسية للأنشطة الثقافية للمرأة محكومة وفق الأدوار الموكولة اجتماعياً للمرأة. وهناك عراقيل مرتبطة بالمشروع النموذجي وعلاقته بالإكراهات الخارقة التي تفرض على المرأة من أجل بلوغ مناصب المسؤولية، وكلما تقدمت المرأة في التراتبية النقابية، كلما زاد حجم العمل والكفاءة المطلوب توفرها في المرأة، وبالتالي يصبح هذا الشرط حاجزاً لدى المرأة أكثر منه لدى الرجل. وحتى عندما تثبت المرأة كفاءتها وتؤكد جدارتها في ولوج هذه الدائرة الضيقة، فإنه يتم حصرها في أدوار موكولة اجتماعياً للنساء. وهناك عراقيل مرتبطة برهانات السلطة والصراعات المحتدة بخصوص مراكز القرار.. وهناك أيضاً عراقيل تتعلق بالصراعات والخلافات بين المناضلات أنفسهن... إضافة إلى عراقيل ناجمة عن التحرش الجنسي رغم تباين الآراء بين الجانبين حول هذه النقطة، وفي كل الأحوال، هناك اتفاق عام على أنه حيثما كان هناك اختلاط، هناك الإغراء، سواء بالنسبة للرجل أو بالنسبة للمرأة. تحليل آليات اشتغال العراقيل يظهر تحليل ودراسة هذه العراقيل التي تعطل ترقي النساء داخل تراتبية تنظيماتهن النقابية وجود تداخل عدة عوامل وتعقيدات صنعت «حاجز الزجاج» وتثبت أن هذا الحاجز أو «السقف الزجاجي» حقيقة موجودة. والسؤال هو محاولة فهم هذا العائق أمام تقدم المرأة العاملة رغم أنها تساوي أو تفوق الرجل في الكفاءة. ومن خلال تحليل أجوبة العينات المستجوبة تبرز 9 عوائق أساسية (صعوبة التوفيق بين حياة نقابية نشيطة وناجحة والمسؤوليات المرتبطة بالعائلة، الممارسات التدبيرية للنقابات التي لا تأخذ في الاعتبار الحياة الخاصة والعائلية للنساء، الصور النمطية التي تؤطر مكانة النساء والرجال اجتماعياً، الصور التي تكونها المرأة عن نفسها، الثقافة الذكورية تقليدياً داخل النقابات، رهانات السلطة التي تكون في الغالب على حساب المرأة، والخلافات بين النساء أنفسهن مع ما يعنيه ذلك من صراعات هامشية، ذاتية وغير منتجة وأيضاً التحرش الجنسي... وكل هذه العوائق تبرز نتيجتين أساسيتين: المرأة تصل بصعوبة إلى المناصب الاستراتيجية أو السياسية للنقابة، وتقتصر على مسارات تقنية :(أمانة المال، التكوين، التواصل) أو متخصصة:(الاستقبال، مسؤولية ملفات حول مواضيع محددة)، وهو ما يشكل سقف الزجاج. وحتى المرأة التي تتمكن من الترقي تبقى محصورة في أنشطة ومهام ثانوية (تحرير البيانات والتقارير والتمثيل البروتوكولي وتنظيم الاستقبالات... أي مهام ومناصب غير أساسية وغير استراتيجية داخل النقابة. ما هي عناصر تفسير هذه الوضعية؟ قبل الجواب، لابد من وضع الإشكالية في سياق النقاش الحالي. فقد أبرزت الأشغال وجود عناصر خارجية: هناك واقع ضعف تمثيلية النساء في الحقل النقابي، ومميزات عمل المرأة (الهشاشة) وصعوبة دخول النقابات في القطاعات النسوية، وخاصة في قطاع الخدمات. وهناك عوامل تعود إلى صعوبة توفيق المرأة نفسها بين تنظيم العمل وتنظيم الأسرة، وهي عوامل موجودة في الواقع تساهم في حجب العوامل المرتبطة بالعمل النقابي نفسه. ومع الإقرار بوجود هذه الحقائق وضرورة زيادة عدد النساء المنخرطات في النقابة، نؤكد ضرورة القيام بإجراءات إيجابية وتحركات ترمي إلى تحرير النساء أكثر من المهام المنزلية والعائلية وتحمل الرجال لجزء منها. ولكن من غير الأكيد، أن ذلك سيحل إشكالية المساواة والإنصاف في تقاسم المسؤوليات النقابية. يضاف إلى ذلك، عدد مهم من المتغيرات يتعين أخذها في الاعتبار في هذا المجال... بالمقابل، نعتبر أن مساءلة طريقة اشتغال وتدبير العمل النقابي نفسه أكثر أهمية لفهم وتفسير أسباب هذه العراقيل أمام ترقي المرأة وتحملها مناصب المسؤولية داخل النقابات، واتخاذ اجراءات مستعجلة من أجل رفع هذا الحيف بين الرجال والنساء في تحمل المسؤوليات النقابية. وفي هذا الصدد، يمكن إبراز أربعة عناصر متداخلة فيما بينها لفهم مجموع العراقيل المذكورة أعلاه أهمها: مسار وتاريخ الحركة النقابية بالمغرب، والتي كانت بداياتها أرضية لصراعات مريرة ونضالات قوية وعنيفة لرجال أشداء ومستعدين لكل شيء، وكان العمل النقابي آنذاك متمركزاً في معاقل ذكورية (عمال الموانىء، عمال السكك الحديدية، عمال مناجم الفوسفاط وعمال الكوزيمار... وما رافق ذلك من قمع شرس وإضرابات مدوية، كان لها أثرها في المجتمع، خاصة في المدن، وما رسمه كل ذلك من صور وقيم صارمة لمناضلين وقياديين أقوياء متفانين زاهدين وشجعان... وبالتالي قيم محاربين لم يكن للنساء باستثناءات قليلة مجال فيها ومازال العمل النقابي إلى اليوم مؤطراً ومنظماً حول هذه القيم الذكورية لا مكان فيها للمرأة. وقد حافظ المشهد الحالي للعمل النقابي على هذه المرجعيات رغم التغييرات التي اخترقت إلى اليوم النقابات بشكل خاص والمجتمع المغربي بشكل عام، وهذا الميلاد التاريخي للذات النقابية سيتفاعل مع النمط الأبيسي للثقافة والمجتمع المغربي الذي يحكم تمثلات وعلاقات كل الأطراف والمهام المنوطة بكل طرف. فالرجل بحكم دوره كضامن للحياة الاقتصادية للأسرة منذور للمجال العمومي والمرأة منذورة للبيت وما يرتبط به من مهام، والتزام.. هذا التوزيع هو مصدر نظام المجتمع ومحل تقدير واعتبار من الطرفين. وبالنظر إلى هذه التمثلات والتصورات في المجتمع بشكل عام، فإن النقابات تعيد إنتاج التمثلات التقليدية لأدوار الجنسين تؤثر على التصرفات النقابية وتؤطر أنشطتها وفقاً لهذا التقسيم بين أدوار الرجل والمرأة. وبالتالي، فإن البعد التقريري والاستراتيجي يبقى حكراً على الرجل، بينما المرأة تبقى محصورة في نماذج نقابية يصعب عليها التأقلم معها... كما أن النشاط النقابي يتميز بخاصيات تختلف عن النشاط المهني التقليدي، فالنقابي يتميز بعدم الوضوح والدقة ويدمج مهام غير منظمة ومهام لا حدود لها، مما يعني بذل مجهود مضاعف يستنزف الطاقات يوميا. وكون العمل النقابي في جوهره محكوم بانخراط إداري وقناعة شخصية، لكنه لا يوفر رؤية واضحة فيما يخص مسار الترقي داخل التنظيم النقابي، وهو ما يعرض النساء النقابات لضغط كبير. وبالمقارنة مع مسارات أخرى، فإن المسار النقابي «غير جذاب»، وحدوده غير واضحة، وغالبا ما يؤدي إلى بذل مجهود مضاعف. وهو ما يفسر إحساس الإحباط لدى النساء بهذا الخصوص. كما أن الأهداف المطلبية للنقابات تركز أساسا على قضايا الشغل والقدرة الشرائية والدفاع عن المكاسب الاجتماعية.. ويبقى إدماج النساء في العمل النقابي يطرح اشكاليات لكون النقابات لاتزال تجد صعوبة في الإهتمام والتكفل بالمطالب الخاصة بالنساء. ولتجاوز وتكسير حاجز الزجاج، يطرح نوعان من المقترحات الصادرة عن النساء أنفسهن، والمقترحات التي يمكن تلمسها من خلال نتائج هذه الدراسة. ويمكن توصيف المقترحات الرامية إلى تجاوز المعيقات المطروحة أمام وصول المرأة لمراكز القرار في التالي: التكوين والمصاحبة وإقرار أنشطة تجاه النساء (خلق نوادي ودور حضانة...) والعمل تجاه الرجال، وأنشطة تنظيمية للنساء لتغيير هذه الوضعية، ووضع معايير موضوعية في الاختيار وتعديل النصوص النقابية (التناوب، اجبارية المحاصصة...) ورغم ما أظهرته نتائج هذا العمل من إكراهات خاصة تجاه المرأة في مختلف درجات العمل النقابي، فإن السبب الأساسي لهذه العراقيل يكمن في صعوبة التوفيق بين الأعباء العائلية ومتطلبات الانخراط والتنظيم النقابي المبني تقليديا على نموذج ذكوري يلغي الحياة الخاصة وحتى النساء اللواتي استطعن الوصول إلى مناصب القرار داخل النقابات وجدن أنفسهن في مواجهة وضعية تعقد أكثر مهمتهن للمطالب المتزايدة والمستمر بالكفاءة، وأعباء العمل التي تتزايد مع تنامي تراتبيتها في هرم النقابة. وأمام غياب المرأة عن مراكز القرار يمكن تصور عدة حلول تترجم من خلال أعمال التكوين وتعزيز الإجراءات الإيجابية والإدارية لفائدة المرأة (المحاصصة) والمناصب الخاصة. ولكن هل كل هذا يبقى كافيا؟ بالنظر لبعض التجارب في عدة دول متقدمة يمكن التركيز على بعض النقط الأساسية. إذا كان من المهم الحرص على تنقيب أوسع وأكبر للمرأة، فإن تواجدهن داخل النقابة لا يضمن بالضرورة تمثيليتهن داخل هيئات القرار. وحتى عند وجود تمثيلية، فإن برامج العمل (المحاصصة والمناصب الخاصة) تتطلب سياسة شمولية للمساواة داخل النقابة وانخراطا سياسيا من طرف المسؤولين النقابيين. ويبقى إقرار سياسة المحاصصة أو المناصب المخصصة للنساء بدون شك الوسيلة الوحيدة لضمان تمثيلية المرأة مع تعزيز إجراءات وآليات أخرى مثل لجان المرأة، وهي إجراءات إدارية لا يمكنها أن تكون سوى انتقالية في انتظار إجراءات هيكلية وبنيوية مبنية على مقاربة النوع. كما أن الهم الأساسي للنقابات اليوم هو قدرتها على ضمان تمثيليتها وزيادة أعداد منخرطيها والحرص على فعاليتها، ويبدو أنه من الضروري استكشاف ما يمكن أن تقدمه مقاربة تدمج النوع في صلب المنطق الاقتصادي والاجتماعي للسياسات.. ومثل هذا التوجه لا يمكن أن يتم إلا إذا استطاعت نقاباتنا طرح على ذاتها أسئلة أخرى أكثر حيوية هدفها الأسمى والنهائي هو إرساء مساواة لا تكون فقط شكلية، ولكن مساواة فعلية بين الرجال والنساء في جميع مجالات المجتمع.