بعد سفر إبداعي طويل في جسد المادة، وبخاصة مسحوق الجوز والحبر الصيني الأسود، وتجربة السواد والبياض، أو سلسلة الأعمال المسمّاة »بصمات« المنجزة خلال الفترة الممتدة ما بين 1995 و1998، إلى جانب الخدوشات الرمادية وتجربة الاشتغال على الطبيعة والجبال والأعالي التي عقبت ذلك، يعرض الفنان التشكيلي المغربي بوشعيب هبولي- المولود بأزمور عام 1945 - تجربة تصويرية تميّز فيها بإنجاز سلسلة من البورتريهات الآدمية أطلق عليها عنوان »وجوه - FIGURES«، وذلك بفيلا الفنون بالرباط. في بداية انخراطه في هذه الجمالية التصويرية، والتصويرية الجمالية، انمحت ملامح الوجوه المرسومة لتلبس هوية أخرى، وكأن بوشعيب هبولي يمارس نوعاً من السيمولاكر من خلال اشتغاله على صور فوتوغرافية كبيرة (بوستير) كان يختارها وفقاً لمعايير لا يعرفها ولا يدرك سرائرها إلا هو، الأمر الذي يشعل فينا نار الفضول: معرفة من يكون هؤلاء الذين يختارهم الفنان ليعيد تركيب وجوههم وفقاً لمزاجه؛ ساسة؟ فنانون؟ نجوم في الرياضة، هو؟ لا يهم! ما يهم هو المحصلة الفنية، فهو يتقن لعبة الإمحاء والإخفاء بالخدش والحكّ وكل أساليب إنتاج البصمة والأثر الفني، وذلك من أجل إنتاج صور أخرى انسجاماً مع رؤاه وتصوّراته كمبدع، تماماً كما يفعل المقنعون في المسرح الذين يظهرون فوق الركح بأجساد غير أجسادهم. يجود هذا المعرض بورقيات تظهر فيها الوجوه بملامح غير مقروءة بفعل أساليب الإمحاء والتشطيب اللوني التي ينهجها الفنان اعتماداً على وسائط ومواد كيميائية ذات مفعول مرئي كشكل تعبيري آخر يكشف مرة ثانية عن افتتانه بجمالية البصمة والأثر الناتجين عن تصادم المواد وتحولاتها البصرية فوق السند. كما يقدّم الفنان هبولي في هذه التجربة- التي ضمّت لوحات ذات مقاسات متوسطة- أعمالاً مصورة بحيوية عابثة برزت في شكل وجوه مبجّعة، قلقة، مسلوخة وممزقة تثير التقزز والاشمئزاز، وكأنه بها يشاطر رأي فرانسيس بيكون: »عندما أراك الآن لا أرى خطوط وجهك فقط، بل أشاهد إشعاعات وإيحاءات وانبعاثات، وهذا ما أحاول أن أضعه في لوحاتي. إني أريد أن أصل الغموض المظهر، أما طبيعة المظهر، فهذا دور الكاميرا«. الوجه، هو مركز العمل الفني لدى الفنان، وهو مظهر القدرة الإلهية في خلق وتشكل الإنسان، وعنوان الحسن والجمال والفتنة والغواية. من ثم صار للوجه مكانة رئيسة داخل تضاريس الجسد الآدمي، وهو بوابة النفس وأسرار القلب والوجدان. وهو أيضاً مِنوار يعكس الأعراض وحالات الفرح والحزن والكآبة واليأس والقلق والانقباض والحلم والدهشة والرضا والسخط.. الوجه علامة الجسد الأولى، ونافذة النفس وباب مسكنها الهش. إنه المنفذ الذي يسمح بتأملها كما عبر كوة مفتوحة والتي يمكن أن تنبثق عبره الأهواء وتجد باباً لها، كما تذكر منى فياض في »فخ الجسد«. وفي مركز الوجه تنبت العينان، والعين هي بؤبؤة الجسد بتوصيف شعب اليوروبا في بنين ونيجيريا. فالذي لا يدخل من العيون لا يصلح للروح، كما يقول الإسبان. ورغم أن الوجه هو »صورة الكائن وموطن هوية الفردية وتميزه الفيزيقي«، فإنه في لوحات الفنان هبولي يتخذ منحى غروتيسكيا يتجسد في »التشوّهات« وملامح القبح التي ترتسم على الوجوه المصورة. لكنه قبح جمالي (مقبول) يتخذه الفنان مادة للإبداع الصباغي، رغم إدراكه المسبق بأن »الوجه كالمرآة، يفشي ماهية الشخص، أكثر من أي جزء آخر من الجسد. عندما يختفي كائن إنساني في الموت يفقد وجهه في الوقت نفسه الذي يفقد فيه الحياة«، كما يقول الناقد طلال معلا.