عرفت الدورة العادية للمجلس الإقليمي لبنسليمان المنعقدة يوم الخميس 29 مايو الأخير بمقر عمالة الإقليم نقاشا قويا و ساخنا حول الاختلالات و سوء التدبير بالمديرية الإقليمية للفلاحة ببنسليمان. فمباشرة بعد تقديم عرض حول الموسم الفلاحي الحالي من طرف المدير الإقليمي للفلاحة، انتفض كل الأعضاء للكشف عن مجموعة من الخروقات و الاختلالات التي تعرفها الإعانات الفلاحية و برامج مخطط المغرب الأخضر، حيث أجمعت جل التدخلات على تفاقم الأوضاع و المشاكل بقطاع الفلاحة على مستوى الإقليم. و اتهم بعضهم بوجود لوبي ، هيمن على تدبير شؤون القطاع الفلاحي. و كان من نتائجه التلاعب في الإعانات الفلاحية و في مشاريع مخطط المغرب الأخضر. و من بين الخروقات الخطيرة التي كشف عنها أعضاء المجلس الإقليمي، الإعانات الممنوحة للإسطبلات التي تضاعفت مؤخرا بشكل كبير، علما بأن البعض من هذه الإسطبلات يشير أحد الأعضاء ، لا يتوفر على رخص البناء، مما يحيل إلى أن السلطات المحلية لا علم لها بهذه البنيات أو أن هذه الإسطبلات قديمة و تم تقديمها على أساس أنها بنايات جديدة قصد الاستفادة من الدعم الفلاحي. و هو ما يطرح أكثر من علامات الاستفهام حول دور لجان المراقبة و التتبع في مواكبة المشاريع الفلاحية المدعمة؟ إضافة إلى التلاعب الذي وقع في الاستفادة من بعض مشاريع سلاسل الإنتاج الفلاحية حيث أن مشروع تربية الماعز الحلوب، حسب ما راج في دورة المجلس الإقليمي لا يوجد إلا في الأوراق، و أن مواصفات هذا الماعز المستورد ليست هي تلك المتواجدة في ما تم توزيعه على التعاونيات الفلاحية. و ذكرت بعض المصادر في هذا الإطار أن الثمن الذي تم تحديده يتجاوز 2000 درهم لكل ماعزة، في حين أن الثمن الحقيقي يقل بكثير عن ذلك. و كان من المفروض حسب نفس المصادر، أن يستفيد الإقليم من حوالي 600 رأس من الماعز لكن لحد الآن تم توزيع فقط 200 رأس. و هذا ما يؤكد ما أشار إليه أحد أعضاء المجلس الإقليمي كون رؤوس الماعز الحلوب يعاد بيعها في الأسواق الأسبوعية. نفس الخروقات عرفتها عملية توزيع المعدات الفلاحية و سيارات توزيع الحليب (بيكوب) في إطار سلسلة إنتاج الحليب حيث شابتها عدة اختلالات مسطرية مقارنة مع توجيهات الوزارة الوصية على القطاع خاصة في الجانب المتعلق بتكوين لجان استقبال المعدات و الآليات الفلاحية و مراقبة مدى تطابقها لدفتر التحملات و كذا اللجنة المكلفة و المشرفة على عملية توزيعها على التعاونيات الفلاحية، حيث أن عمل اللجان لم يكن في المستوى المطلوب و أن عملية تحديد معايير موضوعية قصد الاستفادة من هذه المعدات الفلاحية و من مشاريع مخطط المغرب الأخضر لم تحترم. مما جعل بعض التعاونيات الفلاحية المحظوظة التي يعتبر رؤساؤها من المقربين للمسؤولين بقطاع الفلاحة تحظى بحصة الأسد من المشاريع المدعمة من طرف الدولة و تستفيد أكثر من مرة عن طريق الزبونية و المحسوبية من بعض مشاريع سلاسل إنتاج الحليب، و من مشاريع تربية المواشي و تربية النحل، و من المعدات الفلاحية، وكذا من سيارات نقل الحليب (بيكوب) التي شوهدت و هي تستعمل لقضاء أغراض و مصالح شخصية عوض القيام بالمهمة التي منحت من أجلها. و في المقابل حسب ما أشارت إليه تدخلات أعضاء المجلس الإقليمي، تم إقصاء مجموعة من التعاونيات الفلاحية و تهميش مشاريعها الطموحة و الجادة من طرف المديرية الإقليمية للفلاحة ببنسليمان و على رأسها التعاونيات الفلاحية المنظمة في إطار اتحاد«تامسنا» للتعاونيات الفلاحية الذي قدم عدة مشاريع في مختلف السلاسل و المجالات الفلاحية التي تهدف إلى تنمية و تحسين وضعية الفلاح الصغير و محاربة الفقر بالعالم القروي، و جلها مشاريع تدخل في إطار الفلاحة التضامنية التي ترتكز عليها الدعامة الثانية لمخطط المغرب الأخضر و التي تستهدف الفلاح الصغير و المتوسط و تتماشى مع خصوصية المنطقة. لكنها و عوض أن تستجيب المديرية الإقليمية للفلاحة لهاته المشاريع الطموحة اقترحت مشاريع أخرى لا تتلاءم و خصوصية الإقليم كمشروع إنتاج الصبار. مما اعتبره الفلاحون تهميشا و إقصاء لمشاريعهم و محاولة ذكية للتخلص من مطالبهم. نفس الشيء عرفه مشروع إنتاج و تكثيف الحبوب الذي يشمل خمس جماعات بالإقليم (مليلة، الردادنة اولاد مالك، جماعة موالين الواد، اولاد علي الطوالع و جماعة أحلاف) و الذي يحاول المسؤولون بالمديرية الإقليمية تمريره لأحد الفلاحين الكبار و هو ما يخالف توجهات مخطط المغرب الأخضر في دعامته الثانية التي تهدف إلى النهوض بأوضاع الفلاح الصغير في إطار الفلاحة التضامنية. علما بأن هذا المشروع سبق أن تقدمت به مجموعة من الجمعيات و التعاونيات الفلاحية المنظمة في إطار فدرالية الجمعيات المنتجة للحبوب، لكن دون جدوى. كما أن مشروع غرس أشجار الزيتون بجماعتي سيدي بطاش و بئر النصر على مساحة 1500 هكتار و الذي انطلق سنة 2010 في إطار مخطط المغرب الأخضر كانت نتائجه دون المستوى المطلوب حيث لم تتجاوز نسبة نجاحه 30% علما أنه رصدت له أموال طائلة لشراء الجرارات و صهاريج السقي و أيضا صهاريج مجهزة بمضخات لرش المغروسات بالمبيدات. التسيب وسوء تدبير مشاريع و برامج المخطط الأخضر من طرف المديرية الإقليمية للفلاحة فوت فرصة ذهبية على الإقليم من أجل إنجاز مشاريع هامة و جيدة لتحقيق التنمية الفلاحية به. التلاعبات في الإعانات شملت كذلك مجال السقي و خاصة في ما يتعلق بحفر الآبار و الثقوب و تجهيز الضيعات الفلاحية بمعدات السقي، و تساءل بعض المتدخلين في هذا الإطار حول دور لجان المراقبة في تتبع و مواكبة كل مراحل المشاريع المدعمة إلى أن تبلغ أهدافها سواء على مستوى الإنتاج أو على مستوى التسويق.و ذلك تماشيا مع توجهات و مرامي مخطط المغرب الأخضر الذي يهدف إلى النهوض بقطاع الفلاحة. مناقشات و تدخلات أعضاء المجلس الإقليمي أجمعت كلها على أن هناك سوء التدبير في مجال مشاريع مخطط المغرب الأخضر و الإعانات الفلاحية التي حسب بعضهم تستفيد منها قلة قليلة من الفلاحين دون غيرهم، مقابل انعدام التتبع و المواكبة لهاته المشاريع، مما يعتبر هدرا للمال العام. و هو ما دفع بالمسؤول الأول بالإقليم إلى المطالبة بتزويد المجلس الإقليمي بكل البرامج و المشاريع المدعمة من طرف الدولة لمتابعتها على أرض الواقع و تحديد المسؤوليات في التجاوزات المرتكبة في إطارها. لكن المتتبع للشأن الفلاحي بالإقليم سيجد نفسه مذهولا و مستغربا لهذه الانتفاضة الجماعية القوية و المتأخرة تجاه اختلالات التسيير بالمديرية الإقليمية للفلاحة ببنسليمان. فالمشاكل الكبيرة و المستمرة للقطاع الفلاحي بالإقليم ليست وليدة اليوم و إن كانت حدة تفاقمها عرفتها الفترة التي تولى فيها المدير الإقليمي الحالي مهام تدبير القطاع بالإقليم، و الذي همش الكفاءات و الأطر و استعان بالبعض ممن يطاوعونه في تنفيذ مخططاته و التي أبانت الأيام عن فشلها، حيث سبق لعدة جمعيات و تعاونيات فلاحية أن دقت ناقوس الخطر الذي يتهدد المشاريع الفلاحية المدعمة من طرف الدولة في عدة مناسبات و في فترات تزيد عن السنة، من خلال توجيه عد شكايات و مراسلات في الموضوع إلى وزارة الفلاحة و إلى المديرية الجهوية و المديرية الإقليمية للفلاحة و إلى السلطات الإقليمية لكن دون جدوى. فما الذي تغير حتى جعل الجميع ينتفض( منتخبون و مسؤولون ) في اللحظة الأخيرة لتشريح الواقع المتردي للقطاع الفلاحي بالإقليم، رغم علمهم المسبق و منذ مدة بهذا التدهور؟ و كيف نفسر صمتهم الطويل تجاه هذا الوضع في الدورات السابقة للمجلس الإقليمي، و تحول بعضهم السريع من مناصرة و الدفاع عن لوبي الفساد إلى المطالبة بالكشف عنه و محاسبة كل المخلين؟ فهل انتفاضة أعضاء المجلس الإقليمي نابعة من مسؤوليتهم في الدفاع عن مصالح الفلاحين، أم أنها تمت بإيعاز و توجيه من البعض ، حسب ما ذهبت إليه بعض المصادر، مستندة في ذلك إلى بعض الرسائل التي وجهها المسؤولون و لم تعرها المديرية الإقليمية للفلاحة أي اعتبار؟ فالمشاكل العديدة التي يعاني منها قطاع الفلاحة بالإقليم سبق لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» أن تطرقت إليها منذ ما يزيد عن سنة و نصف في عدة مقالات و التي على إثرها تعرض مراسل الجريدة لعدة مضايقات من خلال تقديم عدة شكايات و فبركة ملفات قضائية ضده و كان يأمل الفاعلون و المهتمون للشأن الفلاحي في أن يفتح تحقيق آنذاك في موضوع الاختلالات لتدارك الوضع و تفادي تفاقم الأوضاع الفلاحية بالإقليم، و رغم ذلك نأمل أن يتم تطبيق قرارات المسؤولين التي تم اتخاذها في المجلس الإقليمي في شأن القطاع الفلاحي على أرض الواقع للضرب على أيدي المتلاعبين بالمشاريع الفلاحية المدعمة من طرف الدولة.