* مواصلة السعي باستمرار وبصفة صاخبة، من جانب الرجعية الحاكمة قصد ابتذال الشعارات الثورية للجماهير، وإبلائها وخلق الالتباس والتردد في النفوس ورفع صفات الجبن والتملق والشلل الفكري إلى مرتبة الفضائل كل ذلك من أجل استئصال روح النضال عند الجماهير المغربية وتأييد استغلالها واستعبادها» . ينقسم هذا التقرير إلى ثلاثة أقسام : * القسم الأول وضع له عنوان هو «الأهداف الأفقية : كيف نحدد لنضالنا أهدافا مطابقة لتيار التاريخ» وركز بالخصوص على المغرب العربي، حيث اعتبره التقرير وطنا واحدا و طرح مجموعة من الأسئلة حاول التقرير الإجابة عنها و أهمها: «ما هو الوضع المضبوط الذي ينبغي أن ننطلق منه لنرتفع إلى مستوى الأفاق الجديدة؟ ماهي وسائل تحقيق وحدة المغرب العربي؟ وماهي العراقيل الحقيقية أو المحتملة التي يجب التغلب عليها؟ « . * القسم الثاني عنونه التقرير ب «الأهداف الحالية» وهو القسم الذي تم تخصيصه للمغرب وانبنى على العناصر التالية : «أولا: اقتصاد يقوم على استغلال وتسخير الجماهير الشعبية . ثانيا: القوات الاجتماعية المتقابلة . ثالثا: أسلوب في الحكم عتيق» . * القسم الثالث: تمحور حول القواعد الأساسية للعمل وتم التركيز فيه على الاختيارات الأساسية للحزب باعتباره حركة جماهيرية، وقد ركزت هذه الاختيارات بشكل خاص على الجانب الاقتصادي المتعلق بالتعبير عن الموقف ضد النظام الرأسمالي والدعوة إلى الإصلاح الفلاحي، وضرورة وجود اقتصاد ينهض بالجماهير المغربية وحكومة في خدمة الشعب وسياسة خارجية في مستوى أهداف المغرب. - الخاتمة: تعبر عن قناعات التقرير، وهي أن ما قدمه هذا الأخير هو ليس مجموعة عقائد بل أسلوبا في التفكير وتوجيها وآفاقا مستقبلية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية. ويصل عبد الله ابراهيم فيها إلى نقطة أساسية هي: «أنه لا سياسة جديدة ممكنة للتخطيط الاقتصادي ولا الإصلاح الفلاحي من غير إصلاح سياسي»، ويضيف التقرير في الختام: «وفي غضون تحليلاتنا قد سبق أن أوضحنا إيضاحا تاما أن تحويل مجتمع متخلف يهيمن عليه الواقع الاستعماري مهما بلغ النزاع بين المصالح فيه، لا يتحقق نتيجة للصراع بين طبقاته الاجتماعية المتعارضة بل يكون ثمرة لنضال ذي طابع دولي بين الدول المتخلفة ودولة أو مجموعة من الدول الأجنبية وهذا يظهر لنا بالضبط مقدار تضامن الأمة العربية كلها تقريبا . هذا التضامن الذي تقوم عليه في الوقت الراهن جميع حظوظ النجاح في معركتنا». وتنتهي الخاتمة كذلك بدعوة المناضلين والعناصر الواعية في الشعب على اختلاف اتجاهاتها أن ترتفع الى مستوى المهام الضخمة التي تنوبها من الآن وذلك في انطلاق ثوري يفيض أخوة و تفاؤلا . خلال النقاش الذي دار بين مؤتمري الحزب وأشرفت عليه لجنة مناقشة التقرير المذهبي، لوحظ بأن الكثير من المتدخلين أخذوا على التقرير طابعه العام والأدبي وخلوه من أي تحليل سياسي أو إيديولوجي واضح وركوبه على الألفاظ القوية. وفي الجلسة الصباحية لليوم الثاني للمؤتمر أسندت رئاسته لعبد الرحمن اليوسفي حيث تولى عبد الرحيم بوعبيد تقديم تقرير النشاط الحزبي أو التقرير السياسي الذي أعده كل من اليوسفي ومحمد عابد الجابري، وقد اعتبر الكثيرون هذا التقرير بمثابة بديل للتقرير المذهبي لأنه تناول بصراحة ووضوح قضية الديمقراطية والطابع المطلق للحكم في المغرب وقضية الاشتراكية، وقد تكونت لجنة لمناقشة التقرير السياسي وسميت باللجنة الثانية . أما الجلسة المسائية لليوم الثاني للمؤتمر ترأسها محمد البصري والتي خصصت للاستماع إلى تقارير اللجان. فقدم المهدي بن بركة نتائج أعمال اللجنة الثالثة التي كلفت بمناقشة التقرير التنظيمي، كما عرض عبد الرحيم نتائج مناقشات اللجنة الثانية، بينما تقدم المحجوب بن الصديق بنتائج مناقشات اللجنة الأولى التي أنيطت بها مهمة مناقشة التقرير المذهبي، ثم قدم المهدي بن بركة لائحة أعضاء الهيآت الحزبية المسؤولة التي جاءت مناصفة بين الجهاز النقابي والمناضلين الاتحاديين وقد ضمت الكتابة العامة الأسماء التالية : محمد البصري وعبد الله إبراهيم والمهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد والمحجوب بن الصديق وعبد الرحمان اليوسفي والمعطي بوعبيد والتهامي عمار ومحمد عبد الرزاق ومحمد منصور. أما باقي الأجهزة الحزبية الأخرى: اللجنة الإدارية الوطنية واللجنة المركزية والمجلس الوطني فقد عين أعضاؤها أيضا مناصفة بين الجناح النقابي والجناح السياسي. توصل المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى قرارين أساسيين: * القرار المذهبي: «إن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ينبذ الاختيار الرأسمالي المعاكس لمصالح الجماهير الشعبية، والعاجز عن إخراج البلاد من التبعية والتخلف وأن تطور المغرب في نطاق النظام الرأسمالي سيؤدي إلى بقاء القطاع الرأسمالي الاستعماري مزدهرا في دائرة مغلقة لا يسمح بالنمو إلا للبورجوازية التجارية الكبرى بصفتها خادمة الاحتكارات الأجنبية ، ويؤكد أن اشتراكية وسائل الإنتاج هي وحدها التي تسمح بالتحرر من التبعية ومن التخلف بتحقيق تصميم حقيقي للاقتصاد، وتطبيق إصلاح زراعي جذري وبناء مجتمع عادل مزدهر متخلص من كل أنواع الاستغلال . يعلن أن هذا الاختيار الاشتراكي يستوجب إلزاما: أولا: إصلاح زراعي على أساس المبادئ الآتية: أ- الأرض لمن يحرثها. ب- الأرض تراث وطني لا يمكن أن يستغلها إلا الفلاحون المغاربة. ج- يجب أن يكون الإنتاج الفلاحي مندمجا في سياسة زراعية موجهة قبل كل شيء نحو تلبية الحاجات و هو كذلك يهم المجتمع بأسره... ثانيا : سياسة اقتصادية تتضمن : أ - تحويلا جذريا لهياكل الاقتصاد الوطني بتنسيق منطقي وبإدماج مختلف النشاطات القطاعية طبقا لمقاييس و آفاق تصميم الاقتصاد لصالح الشعب . ب - تحقيق سياسة تخطيطية للتصنيع تضع في المقام الأول إقامة صناعة ثقيلة في نظام اشتراكي تكون قادرة على الإسهام بفعالية في التجهيز الذاتي السريع للبلاد. ج- الاعتماد على الرأسمال البشري وتوظيفه من أجل تحويل الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية . د- المغرب العربي والتعاون الدولي». * القرار السياسي: «بعد أن استعرض المؤتمر الوطني الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية للوضع الذي توجد عليه البلاد في الظروف الراهنة ونتائج السنوات الأولى وخاصة تجربة الحكم الملكي في السنتين الأخيرتين وتتجلى هذه النتائح في: * حكم مشخص تشخيصا فرديا من نوع مطلق قديم. * جهاز إداري متعفن تسوده اللامسؤولية والامتيازات والمحسوبية . * مساس بالمكاسب التي دفعت الجماهير ثمنها غاليا في ميدان الحقوق الديمقراطية والحريات النقابية... * وحيث أن المغرب بفضل منظماته الحية الشعبية ويقظة جماهيره ونضجه يقاوم اليوم بتصميم كل انزلاق نحو الحكم الاستبدادي وهو يتوفر على طاقات تشكل القاعدة الأصلية لتطور ديمقراطي. وحيث ان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ما فتئ يعبر عن سخط الجماهير الشعبية على هذه الأوضاع الفاسدة وينذر بسوء عواقب السياسة المرتجلة المتجاهلة للإرادة الشعبية ويعرض الحلول الناجعة التي تضع المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار مثلما فعل في مذكرته المؤرخة في 14 مارس 1961 : 1 . يؤكد المؤتمر العام أن نظام الحكم بالمغرب في الظروف الراهنة لا يخرج أساسا عن أحد أمرين: إما أن يكون شعبيا تقدميا وإما أن يكون على العكس مبنيا على القوة مدعما من قبل الاستعمار الجديد ومستمدا نفوذه من الخارج . 2 . يفضح المؤامرة المتبعة ضد الشعب المغربي في تحضير دستور يصنع في الخفاء و بتواطؤ مع الاجانب . 3 . يعلن أنه لا سبيل للخروج من المأزق الذي زج فيه المغرب الحكم الملكي المطلق إلا بإقامة حكومة تتمتع بثقة الجماهير الشعبية تسهر على تنظيم انتخابات حرة لمجلس تأسيسي يضع الدستور الذي ينظم الحكم ويلبي مصالح الشعب في الديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية . 4 . يترك لأجهزة الإتحاد المختصة لكي تعمل على تحقيق هذا الهدف المستعجل بالوسائل التي تراها مناسبة . 5 . يعتبر أن نجاح خطة الاتحاد السياسية وتحقيق الأهداف التي يرسمها التقرير المذهبي متوقف على إحكام تنظيم الإتحاد الوطني وتعبئة سائر المنظمات الجماهيرية العمالية والفلاحية والمهنية والطلابية والنسائية والمحافظة على وحدتها ويقظتها وعلى رفع وعيها إلى مستوى المسؤوليات التي يواجهها في الداخل و الخارج . 6 . يوجه النداء إلى سائر المواطنين والمواطنات لكي يتجندوا في انطلاق ثوري يفيض أخوةو تفاؤلا من أجل بناء مغرب متحرر تقدمي رفيع يحترم المثل الإنسانية و السلام» . إجمالا يمكن القول إن المؤتمر كان ناجحا إذا نظرنا إليه من الخارج خصوصا وقد حضرته وفود أجنبية وعربية ذات وزن، أما إذا نظرنا إليه على ضوء المشاكل التنظيمية والقرارات التي كان يجب اتخاذها في تلك الظرفية السياسية فقد كان بعيدا جدا عن تحقيق أهدافه، خاصة أن القرارات التي خرج بها المؤتمر لم تكن تتجاوز القرارات السابقة. ومن جهة أخرى كان المؤتمر مناسبة تفاقم فيها الصراع بين الجناح السياسي والجهاز النقابي فظهر للعلن وبقوة مدى ثقل وحضور هذا الجهاز داخل الحزب وأبانت عدة قضايا داخلية وخارجية مدى تناقض الرؤى بين الجناحين، ويبرز ذلك عبر مقارنة بسيطة بين التقرير المذهبي الذي كتبه عبد الله إبراهيم والاختيار الثوري الذي كتبه المهدي بن بركة . (*) باحث في التاريخ الراهن - جامعة محمد الخامس أكدال