على ورقة بيضاء يخطّ قائد كتيبة للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة آخر خطوط العملية العسكرية المقرر شنّها ضد قوات من الجيش الإسرائيلي المتمركز على الحدود التي تفصل القطاع عن الأراضي المحتلة عام 1948. ويلتف عناصر كتيبة المقاومة (مجهولة الهوية) على بعضهم البعض، لوضع اللمسات الأخيرة لتلك العملية، وللاتفاق على مراحلها وتحديد طبيعة دور كل عنصر فيها. وحسب المقاومين، فإن المرحلة الأولى تتمثل في تسلل بعضهم نحو موقع تمركز الجيش الإسرائيلي على الحدود »في الداخل المحتل«، عبر نفقٍ أرضيّ، استمرت عميلة حفره عدة شهور، لتتلوها مرحلة عملية استهداف ناقلة جند إسرائيلية ب«عبوةٍ ناسفة«. وما إن بدأت ملامح العملية العسكرية تكتمل، حتى قطعها صوتٌ حاد ينادي: «كت» (قطع)، ليتوقف المقاومون عن التخطيط، ليصغوا لصاحب ذلك الصوت، وهو مخرج المسلسل الدرامي «الروح»، والذي طلب منهم إعادة ذات المشهد ب«أداءٍ أفضل». تلك المشاهد من كواليس المسلسل الدراميّ »الروح«، والذي يتم تصويره في مناطق مختلفة من قطاع غزة. كما يعدّ »الروح« الأول من نوعه »فلسطينياً« في غزة، من حيث الإنتاج والإخراج والأداء، في ظل ضعف الإمكانيات المتاحة في القطاع، كما قال المخرج عمّار التلاوي. وأضاف أن «هذا العمل أصفه بالثقب في جدار الصمت الدرامي في القطاع، وهو بداية الانتاج الدرامي في غزة، خاصة وأنه إنتاج ضخم بإمكانيات بسيطة جداً». ويعتبر مسلسل «الروح»، المقرر عرضه في شهر رمضان المقبل على الشاشات المحلية، أول مسلسل فلسطيني يتميز باتساع كل من «حجم إنتاجه، ومدة حلقاته»، إذ يصل مدة العرض الزمني للحلقة الواحدة (30) دقيقة ويبلغ عدد الحلقات 30 حلقة. ويتحدث مسلسل «الروح» عن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزةوالضفة الغربية، كما يوثّق العمليات العسكرية للمقاومة التي حدثت منذ نشأتها. وقال التلاوي إن «هذه الأعمال الفنية، سواء كانت الدرامية أو السينمائية، هي وليدة السنوات الأخيرة التي عاشها الشعب الفلسطيني». وأضاف «نجسّد معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة للعام الثامن على التوالي، كما نجسد معاناته في الضفة الغربية». وعن مضمون المسلسل، مضى التلاوي «نتحدث عن قضية الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، ومعاناتهم بسبب انتهاكات إدارة مصلحة السجون، كما نسلّط الضوء على الحواجز الإسرائيلية التي تفصل مدن الضفة عن بعضها، بالإضافة إلى أزمة انقطاع التيار الكهربائي بغزة». وتنبع حاجة الشعب الفلسطيني للأعمال الدرامية، من كونه شعبا يحمل قضية «خالدة» و«عادلة» يحافظ عليها مهما كلّفه الأمر، كما يقول التلاوي، مضيفاً:« الشعب الفلسطيني بحاجة لوسيلة (فنية) لإيصال رسالته للعالم الخارجي». واعتبر التلاوي أن الأعمال الفنية التي يتم إنتاجها حاليا في الأراضي الفلسطينية، دخلت مراحل متقدمة، ضمن إطاريّ، الدراما والسينما. ويشارك في العمل الدرامي «الروح» أكثر من 50 ممثلاً، بالإضافة إلى العشرات من الفنيين والمساعدين. وعن التحديات التي واجهها مسلسل «الروح»، قال التلاوي إن «الأماكن التي خصصت للتصوير، والتي يزيد عددها عن مائة مكان، جميعها أماكن حقيقية، يصعب السيطرة عليها، لاقتناص المشاهد كما هو مطلوب». ومضى قائلا: «نعاني من غياب مدن الإنتاج الإعلامي، مما يدفعنا للتصوير في أماكن حقيقية، وعلى وجه الخصوص في المستشفيات، ومخيمات اللاجئين وفي المناطق الحدودية بين قطاع غزة وإسرائيل». وأوضح التلاوي أن فريق المسلسل تعرّض للخطر أثناء التصوير، نظراً لضرورة أخذ بعض المشاهد القريبة من الحدود الإسرائيلية، مشيراً إلى أن الوضع الأمني يشكّل عائقاً في أداء تلك المشاهد بدقة. من جانبه، قال أحمد كلاب، أحد الممثلين في المسلسل إنه «يشكل (الروح) نقلة نوعية في الأعمال الدرامية على صعيد قطاع غزةوالضفة الغربية، إذ يوثق هذا المسلسل العمليات البطولية للمقاومة الفلسطيني». وذكر أنه رغم الإمكانيات المتواضعة التي تم استغلالها لإنجاز المسلسل، إلا أنها حققت «إنجازاً غير متوقع«. وقال «أجسد دور الصحافي (سعيد) في المسلسل، وأظهر خلال المشاهد أن للجهاز الإعلامي في كتائب المقاومة دورا لا يقل عن تقديم دور سند للمقاومة». ويخلو قطاع غزة من مدن الإنتاج الإعلامي الأمر الذي يشكّل عائقاً أمام ظهور الأعمال الدرامية الفلسطينية بالقطاع التي بدأت بالظهور مؤخراً، كما عاد الإنتاج السينمائي في قطاع غزة عام 2009 بإنتاج فيلم »عماد عقل»، بعد غياب دام أكثر من 25 عاماً. وفرضت إسرائيل حصارا على قطاع غزة منذ العام 2006 عقب فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني ، وشددت الحصار في يونيو 2007 عقب سيطرة حماس على القطاع.