قامت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» يوم الثلاثاء 13 ماي 2014 بزيارة ميدانية إلى نقطة «الجنان الغاتر»، المعروفة بالقاعدة الأمريكية، والتابعة ترابيا للجماعة القروية تندرارة بإقليم فجيج على الطريق الوطنية رقم 17 بين عين بني مطهر وتندرارة، منطقة حولتها قساوة الطبيعة وسنوات الجفاف إلى شبه صحراء معزولة، إلا أنها لم تثن من يقطنها عن الاستمرار في العيش والتشبث بالحياة رغم انعدام أبسط شروط العيش الكريم. ساكنة بساطتها تكمن في حبها وتعلقها بالمكان رغم الخطر الذي يتهدد صحتها وصحة أبنائها، بحسب العديد من الشهادات الحية التي استقتها الجريدة، حيث تحولت حياتهم منذ سنة 2008 وانقلبت رأسا على عقب في اليوم الذي تم فيه تحويل وجهة تخزين المبيدات المستعملة في محاربة الجراد من المنجم القديم ببوعرفة إلى نقطة الجنان، ضدا على إرادة الساكنة والدواوير المجاورة لها ، والتي تمثل كلا من أولاد فارس، أولاد بلحسن، لعلاونة، أولاد علي بلحسن والشرفاء أولاد عزي. مواد سامة داخل براميل بلاستيكية وأخرى حديدية تم تخزينها بمجموعة من السكنيات القديمة التي كانت تستغلها ساكنة الجنان، التي تعيش على الكسب ، في انعدام أية مؤشرات لتنمية حقيقية شاملة، في تخزين الكلأ والأعلاف لماشيتها لأزيد من 20 سنة، وذلك بعد إرغامهم على إفراغها بتكسير أقفال الأبواب دون إعلام من يستغلونها وتبديل الأقفال بالرغم من وجود المعدات والأعلاف بداخلها، بحسب ما ورد في شكاية وجهتها جمعية «جنان للتنمية المحلية»، مرفقة بعريضة تحمل توقيعات المتضررين، إلى السلطات المحلية والإقليمية من أجل رفع الضرر عنهم، ضرر تفاقم بعدما أصبحت تلك المبيدات تشع وتتسرب عبر الشقوق والجدران، الأمر الذي يشكل خطرا على نقطة الماء الرئيسية التي تعتبر شريان حياة للساكنة وللدواوير المجاورة لها، وأيضا على صحة المواطنين وخصوصا الأطفال الذين يدرسون في فرعية مدرسية غير بعيدة عن مستودعات التخزين. وبدلا من أخذ مخاوف الساكنة بعين الاعتبار، جاء رد المدير الإقليمي للفلاحة ببوعرفة على شكاية الجمعية استفزازيا، حسب المتضررين ، حيث هدد الساكنة باتخاذ الإجراءات اللازمة في حقهم إذا لم يقوموا بإفراغ السكنيات، مع العلم أن هذه الأخيرة تابعة للأملاك المخزنية، وأشار في مراسلته أيضا إلى أن الأفراد الموقعين على العريضة ستتولى السلطات التحقق من هويتهم. وهو ما اعتبرته الجمعية المذكورة «هروبا من تحمل المسؤولية في إزالة الخطر القائم، وأسلوبا لا يليق بمؤسسة عمومية وضعت لحل مشاكل المواطن والإنصات إلى انتظاراته في إطار المقاربة التشاركية التي أسس لها ملك البلاد». وأشار المدير الإقليمي للفلاحة ببوعرفة في رده على الجمعية أيضا، إلى « أن إدارته احترمت النقط السبع الواردة في محضر المعاينة، الذي قامت به لجنة تقنية في 13 فبراير 1998 بعد معاينتها للمنطقة، والذي جاء فيه: أن هذه الأماكن يمكن أن تخزن فيها المواد السامة شريطة إصلاحها وتهويتها وتقوية الأبواب والنوافذ، بناء سور يحيط بالسكنيات التي تحوي هذه المواد السامة مع تدعيمه بسياج حديدي، إقامة لوحات إنذارية تشير إلى خطورة هذه المواد السامة، توفير أعوان الحراسة والمراقبة، تحليل مياه نقطة الماء بصفة دورية، استعمال الوسائل الوقائية إجباري خلال كل عملية تفريغ أو استعمال لهذه المواد السامة من طرف المستخدمين، إمكانية إنشاء نقطة ماء جديدة لساكنة المنطقة درءا لكل خطر»، و«كلها نقاط لم يتم الالتزام بها باستثناء توفير مستخدمين اثنين يعملان في ظروف كارثية» يقول المشتكون . الزيارة الميدانية التي قامت بها جريدة «لاتحاد الاشتراكي» إلى نقطة الجنان، تزامنت مع حلول لجنة تقنية ترأسها رئيس دائرة تندرارة وقائد ملحقتها وعناصر الدرك الملكي (الشرطة البيئية) والمديرية الإقليمية للفلاحة ببوعرفة، والتي تم تشكيلها بأمر من عامل إقليم فجيج بوعرفة بعد الشكاية التي رفعتها جمعية «الجنان للتنمية المحلية» إلى السلطات الإقليمية وإلى رئيس الجماعة القروية تندرارة. اللجنة قامت بزيارة الدور التي تم تخزين المبيدات فيها والتي بلغت حوالي 6 مخازن بعضها يقع على مقربة من التجمعات السكنية، واطلعت على طريقة تخزينها والتي لا تتوفر على الشروط البيئية والصحية بحسب تقارير منظمة الأغذية والزراعة FAO وكذا منظمة الصحة العالمية OMS التي صنفت مبيدات الجراد من خطيرة جدا إلى أقل خطورة ، معتبرة أن DDT (ثنائي كلورو ثنائي فنيل ثلاثي كلوريو ايتان) تدخل ضمن مكونات هذه المبيدات، حيث قدمت بشأنها (الفاو) معلومات دقيقة حول كيفية استعمالها ونقلها من مكان إلى آخر بالحفاظ عليها من الاهتزاز وعدم ملامستها سطح الأرض حتى لا تتسرب إلى الأرض وبالتالي إلى المياه الجوفية، والحرص على تغطيتها بأغطية واقية مع ضرورة المتابعة الصحية للأشخاص العاملين في هذا المجال. إن ما تعانيه ساكنة الجنان بالجماعة القروية تندرارة، خاصة مع ظهور حالات إصابة ببعض الأمراض المعدية، والتي تُعزيها إلى المواد السامة المخزنة بينهم، يجعلها تعيش الأمرين بين مطرقة الإهمال الصارخ الذي يطال جميع المرافق الإدارية المنعدمة، وسندان الطبيعة مع جفاف يضرب المنطقة منذ سنوات. وفي انتظار ما ستخرج به اللجنة التقنية، التي زارت المنطقة يوم 13 ماي 2014، من نتائج تنتصر لمطالب السكان برفع الضرر عنهم، تبقى نقطة «الجنان الغاتر» خارج الزمن الحكومي تدق ناقوس الخطر علها تجد آذانا صاغية تقطع مع خطر لا يد للساكنة فيه، تتعايش معه على أمل إزالته في أقرب وقت ممكن، لأنه يؤثر على صحتها ويهدد وجودها.