أرقام وخلاصات صادمة تلك التي قرأها علينا ادريس جطو وهو يتلو على مسامع أعضاء مجلسي البرلمان التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات، أرقام تكشف بالملموس عورة القطاعات الاجتماعية في التدبير الحكومي وتدق ناقوس الخطر المهول بخصوص مستوى الدين الخارجي الذي يتهدد ويرهن مستقبل الأجيال القادمة لأبناء هذا الوطن. وبين أسطر هذا التقرير يصدم المتتبع لتدبير الشأن العام والوضع السياسي ببلادنا بمفارقات وحقائق تطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى احترام المؤسسات التمثيلية ومدى مصداقية الأرقام التي يطلع عليها البرلمان والرأي العام الوطني من طرف الحكومة. فلنرجع بكم إلى جلسة المساءلة الشهرية ليوم الثلاثاء 28 يناير 2014 بمجلس النواب، ولنتذكر بالحرف الكلمة التي أكد فيها رئيس الحكومة في رده على انتقادات وملاحظات المعارضة، على أن الحكومة لا تلجأ للاستدانة إلا عند عجزها عن تغطية نفقاتها بمواردها الخاصة، و بالخصوص نفقات الاستثمار، من بنيات تحتية و أوراش إصلاحية، كما تحرص ألا تتجاوز المديونية سقفا معينا، ويتم اللجوء إلى الدين الخارجي لتخفيف الضغط على السوق المالية الداخلية، ويعزى ارتفاع مؤشر المديونية الخارجية خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى تزايد حاجيات التمويل الناتج عن ارتفاع عجز الميزانية بفعل التزام الحكومة بالاستجابة إلى المطالب الاجتماعية والزيادة في أجور الموظفين والزيادة في الترقية، ويسترسل رئيس الحكومة ليؤكد أن مؤشر المديونية الخارجية في متم 2013 قد بلغ 14.6 % من الناتج الداخلي الخام، أي 129 مليار درهم، مسجلا ارتفاعا وصفه بنكيران «بالطفيف» يعادل نصف نقطة مقارنة مع متم سنة 2012، و2.1 نقطة مقارنة مع متم سنة 2011، أما المديونية الداخلية فقد بلغت 425 مليار درهم أي 47.9 من الناتج الداخلي الخام، وحتى تكون الأمور واضحة، يقول رئيس الحكومة، فانه رغم ارتفاع مؤشر المديونية الخارجية للخزينة خلال السنوات الثلاث الأخيرة يبقى هذا المؤشر متحكما فيه، وبعيدا عن مستوياته المسجلة خلال فترات التقويم الهيكلي بداية الثمانينات، حيث وصل معدل المديونية الخارجية آنذاك إلى 51.4 % من الناتج الداخلي الخام، أما نحن فلم نتجاوز سقف 14.6 %، وبشروط تفضيلية وتكلفة متدنية على الأمد المتوسط والبعيد، أوليس هناك من يتذكر هذه الأرقام؟؟؟ بهذا الاستغراب الذي يقارب الشجب أنهى السيد بنكيران رده على المعارضة داعيا إياها إلى التدقيق في الأرقام وعدم مغالطة المواطنين والمواطنات. كلام السيد رئيس الحكومة هذا فيه الكثير من المعطيات والكلام المردود عليه، فتأكيده على أن السبب في الالتجاء إلى الاستدانة الخارجية هو تغطية المطالب الاجتماعية، ينفيه ماقام به في نهاية سنة 2013، حيث أقدم على إصدار مرسوم يحذف بموجبه 15 مليار درهم من ميزانية الاستثمارات العمومية، لتأتي بعده دورية السيد رئيس الحكومة لتقلص من نفس ميزانية الاستثمارات العمومية وبكيفية غير شفافة حوالي 10 ملايير درهم. لن نعود للنقاش الذي أحدثته فجائية القرار وتأثيره السلبي على الاقتصاد الوطني، لكن يكفي أن نخص بالذكر قطاع الصحة العمومية كأهم قطاع اجتماعي حيث لم تنفذ من مليارين من الاعتمادات التي رصدت لها في السنة المالية المنصرمة سوى 300 مليون درهم، وهو ما أدى إلى ترحيل 1.7 مليار وتم تقليص الميزانية المرصودة لوزارة الصحة بالقانون المالي 2013 بحوالي 700 مليون درهم بعدما كانت تتجاوز 2 مليار درهم. فاستهداف قطاعات اجتماعية حساسة مثل الصحة ، بتجميد استثماراتها، أيا يكن حجم الاقتطاع، يشكل ضربة موجعة للشرائح الهشة التي تدعي الحكومة أنها جاءت للدفاع عنها، كما يكشف عن غياب الحكامة الجيدة ووضوح الرؤية لتنفيذ ميزانيات تعتمد عليها المشاريع التي يتوقف عليها الاقتصاد الوطني للبلاد، وترهن آلاف مناصب الشغل. أما الملاحظة الأساسية الثانية في دفوعات بنكيران حول المستوى الحساس والمهول الذي بلغه حجم الدين الخارجي، فهي اعتماده المقارنة مع المستويات التي آلت إليها المالية العمومية والدين الخارجي خلال سنوات التقويم الهيكلي، فكيف لرئيس الحكومة المغربية أن يقفز على مرحلة أساسية من تدبير الشأن العام بالمغرب، ولم يستطع ولو من باب النزاهة الفكرية أن يقول للشعب المغربي ماذا فعل الاتحاد الاشتراكي أثناء قيادته لتجربة التناوب بخصوص المديونية الداخلية والخارجية. ألم يضح في موضوع التوازنات الماكرو-اقتصادية بمصلحة الحزب لفائدة مصلحة البلاد؟)، ألم تخلص إرادة حكومة التناوب البلاد من هاجس تحكم المؤسسات البنكية الدولية بخفض الدين الخارجي من 24 مليار دولار إلى 9 ملايير دولار؟؟ لكن الرد اليوم جاء قويا وصادما، ومن طرف إدريس جطو وهو يطلعنا على حال المالية العمومية ببلادنا، وحتى لا نغوص فيما كشفه تقرير المجلس الأعلى للحسابات من اختلالات كبيرة في ما يخص القطاعات الاجتماعية التي برر بها رئيس الحكومة لجوء حكومته للاستدانة الخارجية، لنقتصر على الأرقام التي سردها التقرير في ما يخص مستويات المديونية الخارجية للمغرب ولكم أن تقارنوها مع الأرقام التي صرح بها رئيس الحكومة والتي نقلناها بكل أمانة. يؤكد رئيس المجلس الأعلى للحسابات أن الدين العمومي عرف ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغ دين الخزينة لوحده في متم سنة 2013 ما مجموعه 554 مليار درهم، أي بنسبة 62.5 % من الناتج الداخلي الخام. أما مجموع الدين العمومي فقد ارتفع حجمه إلى 678 مليار درهم، أي بنسبة تفوق 76 % من الناتج الداخلي الخام. أما خدمة الدين فقد بلغت خلال نفس الفترة ما قدره 151 مليار درهم، بما يشكل 17 % من الناتج الداخلي الخام. ومن أهم الملاحظات التي أسفرت عنها مهمة مراقبة تدبير الدين العمومي التي قام بها المجلس الأعلى للحسابات ضعف الآليات المعتمدة لتحديد المستوى الملائم للمديونية، إذ لوحظ غياب مقتضيات قانونية تمكن من تأطير الاختيارات في ما يخص المديونية على المدى المتوسط والبعيد. هذه هي الأرقام التي سردها تقرير ادريس جطو، ونقلنا قبلها أرقام السيد رئيس الحكومة ولو أننا مقتنعون أن مسألة المديونية ليست مسألة جدل سياسي، بقدر ماهي مسألة مرتبطة بالأجيال، لأن الأمر سيرهن البلاد وقراراتها وسمعتها ومستقبلها، لكن في قراءتنا للفرق والتناقض الصارخ بين هذه الأرقام وتلك، وما سبقها من اتهام أطراف حكومية للمندوبية السامية للتخطيط بمعاكسة توجهات الحكومة وأرقامها، وما وصف به رئيس الحكومة المعارضة بالتشويش وعدم تدقيق أرقامها ومغالطة الرأي العام أثناء انتقاده للمستوى الذي بلغه الدين الخارجي منذ تولي الحكومة الحالية لتدبير الشأن العام، تتساءل بأي خطاب ستجيب حكومة بنكيران على هذا التقرير وما تضمنه من إشارة إلى بطء وتيرة الإصلاحات وغيرها من الاختلالات؟؟ بنكيران ... مؤشر المديونية الخارجية في متم 2013 قد بلغ 14.6 % من الناتج الداخلي الخام، أي 129 مليار درهما ادريس جطو..... الدين العمومي عرف ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغ دين الخزينة لوحده في متم سنة 2013 ما مجموعه 554 مليار درهم، أي بنسبة 62.5 % من الناتج الداخلي الخام. أما مجموع الدين العمومي فقد ارتفع حجمه إلى 678 مليار درهم، أي بنسبة تفوق 76 % من الناتج الداخلي الخام.