تشكلت وحدة الشعوب الأوربية كرد فعل على الحروب التي خربت القارة خلال القرن العشرين. وردا على مخاطر السقوط تحت نير أنظمة استبدادية. والمفارقة أن رجال السياسة الذين ساهموا بشكل كبير في ميلاد هذه الوحدة، هم ألد أعداء هذه الشعوب: هتلر وستالين. فالخلافات القومية لم يتم تجاوزها إلا بفضل المخاطر التي كانت ترين على القارة: عودة الحرب، فرض نظام شيوعي. ومن وجهة النظر هاته فإن تشكل أوربا سياسية موحدة يعد نجاحا. استحالة قيام الحرب بين الدول الاوربية خلقت وهما سلبيا وهو الاعتقاد الاوتوماتيكي بالأمان. وهو ما سيمتد للعالم خارج أوربا أيضا. ويشهد على ذلك تواضع الميزانيات العسكرية لمعظم الدول التي تقع في القارة الاوربية. والواقع أن الاوربيين قد اختاورا حلا آخر وهو إيلاء الدفاع الكوني الى حليفهم المخلص. الولاياتالمتحدة. غير أن هذا الترتيب ليس بدون عواقب. فبتفويضهما لمهمة الدفاع. تنازلت الشعوب الاوربية عن أي رقابة على الوسائل المستخدمة لهذه الغاية. إذ لم يعد بإمكانهم أبدا الاحتجاج ضد بعض هذه الاساليب. فإذا كانوا يرونها غير ملائمة لماذا لا يتكفلون هم أنفسهم بمهمة دفاعهم؟ فمن الأفضل إذن أن تتولى الدول الاوربية نفسها تأمين دفاعاتها بوسائلها الخاصة بإقامة توازن أفضل بين النجاعة والشرعية. والإفلات بالتالي من إغراء المبالغة. وهو نفس التصرف المعتدل الذي من شأنه الحفاظ على تساكن العديد من المبادئ الموجهة، وتحولها الى علامة مميزة للاتحاد الأوربي في مجالات الحياة العمومية الأخرى. فالعلاقات بين السلطات السياسية والاقتصادية في البلدان الشمولية على النمط السوفياتي. والمطالب الاقتصادية كانت خاضعة للاستبداد السياسي مما أعطى النتيجة المعروفة: متاجر فارغة دوما ونقص دائم وسكان يستخدمون كنوز تحايلهم لسد حاجياتهم. غير أنه في العالم المعاصر والاقتصاد الكوني ظهر خطر مخالف: فقد تحرر الاقتصاد من كل تبعية للسياسي. بل أصبح يرنو الى تحويل السياسة لخدمته. وبذلك فإن لفظة ديمقراطية تصبح فارغة المحتوى إذ لم يعد الشعب هو من يملك السلطة بل الشركات متعددة الجنسيات، وبالتالي فإن مالكي السلطة يصبحون أفرادا أقوياء لأنهم أغنياء وهم من يقررون مصير الشعوب. مبدئيا فإن للاتحاد الاوربي القدرة على اقتراح بل فرض علاقة أكثر توازنا بين مختلف السلط. بشكل لا يؤدي فيه البحث عن النجاعة الاقتصادية الى تخريب الحماية الاجتماعية والقضاء على الرقابة القانونية. من أجل النجاح في المهام التي فشلت فيها الدول الفردانية، فإن على الاتحاد الأوربي أن يدعم وحدته. هذا التطور ينبغي أن يكون مرفوقا بديمقرطة تقتضي تحويلا للسلطة من مجلس الوزراء الذي يجمع رؤساء الدول الاعضاء الى البرلمان الاوربي حيث يجلس ممثلو الشعوب أنفسهم. فإلى البرلمان ينبغي أن تعود مهمة انتخاب هيأته التنفيذية. اللجنة التي يكون رئيسها هو رئيس الاتحاد الاوربي. وهي المهمة الموزعة حاليا بشكل غريب بين العديد من الهيئات. هذا التطور المرجو للمؤسسات الاوربية يواجه في الوقت الراهن عائقا كبيرا. موقف النخب السياسية في كل بلد من البلدان الاوربية، وهي النخب التي تخشى فقدان الامتيازات التي تتمتع بها داخل بلدانها. كيف يمكن إقناعهم بالتنازل عن السلطة التي يتمتعون بها؟ المهمة ليست مستحيلة ربما. فنيلسون مانديلا مثلا قد أفلح في إقناع الحكومة الجنوب افريقية بالتنازل له سلميا عن السلطة. في انتظار هذا اليوم السعيد، فإن كل ما يمكن أن يقوي البرلمان الاوربي يعد خطورة في الاتجاه الصحيح. فكلما كانت المشاركة في الانتخابات الاوربية أعلى، كلما ازدادت شرعية البرلمان الاوربي. عن جريدة لوموند الفرنسية 9 ماي 2014