منذ نهاية القرن التاسع عشر، بدأ الاهتمام بأحوال المغرب السياسية، هو المنفلت إلى حدود تلك الحقبة من براثن الاستعمار، يعم الأسبوعيات الفرنسية المصورة الموجهة إلى أوساط واسعة من القراء. وقد تزامن هذا الاهتمام مع أطماع الدول العظمى، ومن بينها فرنسا، في اقتسام الكعكة المغربية التي كانت تبدو حينها، لتلك القوى، قابلة للهيمنة والسيطرة. في هذه السلسلة التي نقترحها على قراء «الاتحاد الأسبوعي»، سنقدم كل سبت ترجمة طبق مختار من مقالات تلك الأسبوعيات والملاحق المصورة لأكثر الجرائد الفرنسية انتشارا أيامها، علما أن هذه العناوين كانت تفصح بكل جلاء عن ميولاتها الاستعمارية، وتدافع عن أن تكون الكعكة المغربية من نصيب باريس. ملحق لوبوتي باريزيان المصور ( 17 يناير 1892 - العدد: 154) اندلاع مواجهات في نواحي طنجة اندلعت انتفاضة في المغرب. فعلا، لقد أثار ابتزاز السلطات غضب الساكنة التي حملت السلاح في عدة مناطق من البلاد، ويُخشى أن تنعكس الفوضى المستفحلة في الجوار سلبا على أمن طنجة والأجانب الموجودين بها. ولقد اندلعت معارك بجوار هذه المدينة. ومنذ شرارات القلاقل الأولى، تمترس عامل طنجة، سيدي محمد، داخل القلعة ومعه الجنود، تاركا المدينة بدون قوة دفاعية. كان يخشى أن تتملك إنجلترا الرغبة في احتلال المدينة بذريعة إعادة الأمن فيها، ونحن نعرف، انطلاقا مما تعيشه مصر، أن الإنجليز يعمرون طويلا حيثما استقروا. إن احتلال طنجة من طرف سادة جبل طارق تهديد لفرنسا. ذلك أن سيطرتهم على ضفتي المضيق ستوفر لهم أفضل الشروط لمنع التواصل بين مكوني أسطولنا البحري. كما سيصبح من السهل عليهم إثارة القلاقل في الجزائر أو على الحدود الجزائرية، وتقديم الدعم لأعدائنا. لكن احتلال المدينة اليوم من طرف إنجلترا لم يعد واردا، لأن جميع الدول ذات مصالح في المغرب أرسلت بوارج حربية إلى هناك قصد حماية مواطنيها. وهكذا، فقد أصدرت الحكومة الفرنسية أوامرها إلى مدرعتين للتوجه إلى السواحل المغربية. وفي هذه الظروف، وفي حالة ضرورة إنزال القوات برا لحماية الأمن في طنجة، فإن الإنجليز لن يفعلوا ذلك بمفردهم، بل سيتم الإنزال وفق قرار جماعي، مع مشاركة جميع قوات بواخر مختلف الدول في العملية. ملحق لوبوتي جورنال المصور (27 غشت 1892 - العدد: 92) زعماء القبائل يقدمون آيات الولاء والطاعة للسلطان (الحسن الأول) يتقن الإنجليز فنون الخبث؛ لكنه يحدث لهم بين الفينة والأخرى، لسوء حظهم، أن تكون مناورة أحد رجالهم سيئة الحبكة فيفتضح أمره. وهذا ما حصل مؤخرا. كانت الخدعة بسيطة للغاية: أصدقاؤنا الطيبون يسيطرون على جبل طارق، وهم بذلك حراس بوابة البحر الأبيض المتوسط، وبناء عليه، فعبورها صعب بدون إذنهم. هذا في حد ذاته جيد، أليس كذلك؟ لكنه لا يكفيهم، إذ يريدون أيضا الحصول على موطئ قدم في الضفة الأخرى للمضيق ليصبحوا بذلك أكثر تحكما في الوضع. اللجوء مباشرة للقوة لبلوغ هدفهم حل لا يخطر ببالهم إطلاقا، فهذا خيار لا يتوافق كثيرا مع عاداتهم، أضف إلى ذلك أننا لم نكن لنتركهم يقدمون عليه. الحل الوحيد المتبقي لهم هو الخداع إذن. وبالفعل، فهم يتوفرون على دبلوماسي وارى ببراعة سلطان زنجبار، السير إيوان سميث (1) الذي بعثوه إلى سلطان المغرب. لكن الخدعة كانت هذه المرة من العيار الثقيل والنجاح في تمريرها أصعب، علما أنها باءت بالفشل. وفد الإنجليزي إلى المغرب مبشرا بالحضارة والتجارة، ووعد بالجنة على الأرض: سينظم المغرب ماديا على شاكلة أكثر البلدان الأوربية رفاهية ليتوفر فيه كل شيء: مكاتب البريد، أجهزة التلغراف، خطوط السكة الحديدية والترام، القطارات السلكية، القنوات والموانئ، الخ، الخ. فما الذي يطلبونه مقابل هذا؟ لا شيء أيها السادة، لا شيء على الإطلاق. لكن، ونظرا لكون المغاربة قد يصابون بجروح في حالة تشغيلهم لدواليب هذه الآلات العملاقة لأنهم غير متعودين عليها، فإن بريطانيين، فضلاء ونزيهين، مستعدون للمجيء إلى عين المكان قصد تشغيلها. وبما أنه من اللازم توفير سكن لرسل الخير المطلق هؤلاء، فسيقوم السلطان بالتنازل عن جزء من البلد ويمنحه لإنجلترا ليصبح تحت سيادتها. (...) غير أن السلطان مولاي الحسن ليس سهل الانخداع، بل إنه بعكس ذلك، وهو ما أظهره بجلاء. وإذا كان الإنجليز قد قدموا له مشروع معاهدة، فإنه اقترح مشروعا بديلا مختلفا بصورة ملحوظة عن مشروعهم. استوعب الدبلوماسي الإنجليزي أن أمره افتضح، وأن محاوره فطن لمناورته فأدبر غاضبا. منذ ذاك وإنجلترا لا تشعر بالسرور البتة، أجل، هي غير مسرورة! وها هي جرائد لندن - يا للصدفة الغريبة - تعج بالتفاصيل حول الانتفاضات في المغرب. (...) ولحسن الحظ، فمولاي الحسن قوي، ومحاط بقبائل وفية وشجاعة أصر زعماؤها على المثول بين يديه للالتحام حوله. وسيتغلب بمفرده على الصعوبات التي يتم تضخيمها، أما في حالة شعوره بالحاجة إلى بعض المساعدة، فأنا أعتقد جازما أن العديدين من الناس الشرفاء عبر العالم سيقدمونها له، وبتكلفة أقل من تلك التي يطلبها الإنجليز. * * * - 1 : كان السير تشارلز إيوان سميث نائبا لبريطانيا في فاس بين أبريل ويوليوز 1892، وقد أسفرت مهمته على دخول العلاقات المغربية البريطانية مرحلة الأزمة بعد تعنته خلال المفاوضات حول إبرام معاهدة تجارية جديدة بين البلدين. ملحق لوبوتي باريزيان المصور (11 شتنبر 1892 - العدد 188) : خيالة السلطان يعودون برؤوس المنتفضين المقطوعة لا يكف المغرب، منذ مدة، عن شغل بال أوربا؛ بسبب مناورات إنجلترا أولا التي تسعى لبسط سيطرتها على هذا البلد مثلما فعلت في مصر؛ وبسبب الانتفاضة التي اندلعت فيه من جهة ثانية. والحال أن هذه الانتفاضة قد دبرت، إذا ما صدقنا شخصيات جد مطلعة، من طرف جواسيس الحكومة البريطانية، لتشكل مبررا، افتعله الإنجليز، للسيطرة على المغرب. أجل، سيزعمون أن الأخطار تحدق بأمن الأوربيين هناك، ويهرولون إلى إرسال بوارج وقوات عسكرية إلى عين المكان، مدعين أنها ستتكلف بضمان النظام. لكننا نعلم علم اليقين أن إنجلترا تستقر طويلا حيثما حلت، وذلك إذا لم تعمر إلى الأبد. لقد كان مؤلف الحكايات الأسطورية يقصدها لما أنشد: أترك لهم موطئ قدم في بيتك/ فلن يتأخروا في الاستقرار فيه بأربعة أقدام. لكن مناورات إنجلترا أحبطت هذه المرة، بفضل إرسال باقي القوى العظمى لبواخر حربية، هي الأخرى وفي نفس التوقيت، إلى المياه الإقليمية المغربية. وبناء عليه، وفي حالة صار التدخل العسكري حتميا، فإن إنجلترا لن تقوم به بمفردها، بل ستشاركها فيه جميع القوى المعنية. ويعمل السلطان، في انتظار ذلك، كل ما في وسعه لإخماد انتفاضة رعاياه. لقد تحرك خيالته، وبعدهم قوات المدفعية، إلى مناطق المنتفضين، حيث اشتبكوا معهم في معارك عديدة. كما أحرق الجيش المخزني عدة قرى(...). ولقد فر أهالي أنجرة المنتفضين في اتجاه الساحل، مطارَدين من قبل جيوش السلطان؛ وهناك استقلوا قوارب صيد ليمخروا عباب البحر. أما العدد القليل من رجال أنجرة الذين قاوموا، فإنهم فعلوا ذلك ببسالة. وقد تعرض كثيرون منهم للأسر، فصفاهم المغاربة وحملوا رؤوسهم مقطوعة إلى طنجة. ورغم انتصار الجيش النظامي، فإن الخسائر في صفوفه كانت جسيمة. وبالفعل، فقد وقعت كتيبة من الخيالة في كمين، ففقدت مائتي جندي بين قتيل وجريح، والكثير من الخيل، كما أن حوالي مائة من الجنود المشاة قضوا، ومعهم ضباط من الخيالة. ولا يقترف المنتفضون النهب برا فقط، بل إن بعض المعلومات تشير إلى هجومهم على باخرة إيطالية (إيكورسي) على بعد ستة أميال من رأس بوجدور، (...) لينهبوها ويقتادوا معهم صاحبها وستة بحارة، بالإضافة إلى راكب وزوجته وأطفاله الثلاثة. وبفضل مساعدة طاقم باخرة فونغانزا، استطاع صاحب إيكوسوري وخمسة بحارة الفرار، وإنقاذ سفينتهم من الغرق، والإبحار مستعملين الأشرعة تحت وابل من طلقات المنتفضين النارية. ولا يعرف أحد إلى حد الآن مصير الأسرى الباقين، لكنه يعتقد أنهم موجودون قرب المركز الإنجليزي برأس جوبي (طرفاية). أسبوعية لوموند إيلوستري، 1892 انتفاضة قبيلة أنجرة، تظاهرها بالاستسلام وتقديمها الولاء لجيش المخزن الحسني في عددها المؤرخ في يوم الأحد 3 شتنبر 1892، شرعت أسبوعية "لوموند إيلوستري" في نشر سلسلة من المقالات حول المغرب كانت تستمد معطياتها من مراسلها في إمبراطورية الحسن الأول، موريس رومبيرغ. وبما أن الرجل كان يتمتع أيضا بملكة فنية ممتازة جعلت منه رساما تشخيصيا جيدا، فإنه كان يمنح قراء مجلته، بالإضافة للمعلومات الميدانية، لوحات معبرة تضيء الكتابة الصحفية وتغنيها. وقد ورد في مقال عدد 3 شتنبر من الأسبوعية: "يوم 10 غشت (1892)، توغلت كتيبة من مائتي خيال مغربي في أراضي أنجرة للاستطلاع، وكانت رؤيتها متاحة انطلاقا من طنجة. وعلى بعد مسافة ميلين اثنين، شوهدت وهي تقع في كمين نصبه لها رجال أنجرة الذين هاجموها وقتلوا قائدها. "بدأت أغلبية قوات الخيالة والمدفعية المغربية في الزحف ضد المنتفضين ابتداء من الساعة الحادية عشرة، ليتبادل الطرفان إطلاق النار بغزارة. وقد أجبر جيش السلطان على التراجع خائبا، بينما انسحب محاربو القبيلة رويدا رويدا. "في الساعة الواحدة، أعادت قوات المخزن الكرة، ليبلغ الخيالة، مدعومين بسلاح المدفعية، قمة التل. وبعدها بساعة، أحرقوا قرية دار نوينيش. "ونظرا لاضطرار قوات السلطان للتراجع مجددا، فقد ساندها الخيالة ليستمر القتال إلى حدود الساعة الرابعة. عقب ذلك، عاد الجيش المغربي إلى معسكره وقد تكبد خسارات تصل إلى مائة رجل بين قتيل وجريح. "هذا هو موضوع رسم مراسلنا، السيد رومبيرغ، المنشور ضمن هذا العدد. ومن اللازم إضافة أن قوات السلطان تمكنت من الانتقام لنفسها يومين بعد المعركة الأولى، وهي الآن مرابطة، حسب قصاصات الأخبار، في معسكرها بطنجة الذي رجعت إليه بعد إحراق قرى ومنازل واقعة في تل أنجرة، أمام المدينة. ولم يتم ربط أي اتصال بالمنتفضين الذي يبدو أنهم لاذوا بالفرار، كما أن خيالة السلطان أطلقوا، في طريق العودة إلى المعسكر، البارود في الهواء احتفالا بظفرهم. "ونغتنم فرصة الكتابة حول أحداث المغرب لنشر بورتريه شريف وزان الذي كثر الحديث عنه مؤخرا." عادت المجلة المصورة في عدد الأسبوع اللاحق (10 شتنبر 1892) إلى نفس الموضوع، مزينة إياه أيضا بلوحة تشخيصية لمراسلها: "رسم مراسلنا في المغرب، السيد رومبيرغ، المنشور ضمن هذا العدد، يتعلق بالانتفاضة الحديثة لرجال قبيلة أنجرة الجبليين، الانتفاضة التي أثرناها في الأسبوع السالف، ونشرنا، برفقة المقال المخصص لها، بورتريها لشريف وزان. "ويشخص رسامنا في لوحته الجديدة كمينا منصوبا لقوات السلطان، وهي تتقدم مضرمة النار في كل ما تصادفه في طريقها. "لا يعدم مقاتلو أنجرة الجبليين الأسلحة، وهم يتوفرون في معظمهم على بنادق متعددة الطلقات وسيوف عتيقة يسمى الواحد منها مشملا، كما يستعملون عموما كعمامة غمد بنادقهم الطويلة المزودة بقداحة، وهو غمد منسوج من القماش الأحمر. "قريبا سيتم بدون شك إجبار رجال أنجرة الجبليين على العودة إلى جادة الصواب، علما أن انتفاضتهم ليست ذات أهمية كبرى، وأن ما جعلها تحظى ببعض الأهمية يكمن فقط في اندلاعها على مشارف طنجة، المدينة التي تعج بالأوربيين والتي يتمخض عن قربها من أوربا اهتمام عالمي خاص بها. "ومن جهة أخرى، فالسلطان عاقد العزم على قمع الانتفاضة بشراسة، وسيدفع أهل أنجرة، في الأفق المنظور، ليس ثمن فعلتهم فحسب، بل كذلك ثمن كل الدسائس التي اتخذت من انتفاضتهم ذريعة لها." عقب سحق المخزن لانتفاضة أنجرة، تناولت الأسبوعية من جديد تطورات الموقف في عددها الصادر يوم فاتح أكتوبر 1892، مزينة مقالها برسم جديد لمراسلها في المغرب وكاتبة فيه: "خصصنا في أعدادنا السابقة صفحات مثيرة لانتفاضة رجال قبيلة أنجرة، الانتفاضة التي كان مراسلنا في المغرب، السيد موريس رومبيرغ، قد زودنا بتفاصيل فصل غريب من فصولها. وبمقدورنا اليوم، بفضل أحد رسومه، أن نكشف لقرائنا مشهدا جديدا من هذه الأحداث، وهو يشخص قوات السلطان، التي هزمت المنتفضين، الماضية في طريقها لتقديم رؤوس القتلى من الخصوم للعاهل. "وحسب آخر الأخبار، فإن أعيان قبيلة أنجرة مثلوا بين يدي السلطان، وتضيف ذات المصادر أن الأخير كان جد كريم معهم وأهداهم جميعا ملابس رائعة، كما عين القائد خنجة عاملا على أنجرة محل القائد عم كيشن. لكن حمان، زعيم الانتفاضة، لن يرضى بهذا الاتفاق، ولن يستسلم جراء ذلك. وبالفعل، فقد أقدم حمان هذا قبل سنة، حين كان على رأس أنجرة، على اعتقال خنجة والزج به في السجن. وكيفما كان الحال، فالجميع يعتقد أن الحرب انتهت، نظرا للأوامر التي تضمنها إعلان إمبراطوري يقضي بتوقيف العمليات العسكرية ضد أنجرة." بقدر ما اجتهد مراسل "لوموند إيلوستري" في المغرب في متابعة اندلاع وإخماد انتفاضة قبيلة أنجرة، بقدر ما ثابر أيضا على إرفاق معلوماته المستقاة من عين المكان برسوم تشخص الأحداث. ولذا، فقد أدرجت الأسبوعية رسما جديدا له في عددها الصادر يوم 8 أكتوبر 1892، يمثل استسلام المنتفضين، موضحة إياه بالمقال التالي: "أعلنا في العدد السابق عن نهاية انتفاضة أهل أنجرة. وإذا ما صدقنا آخر الأخبار الواردة علينا من قبل مراسلنا، فإن استسلامهم مجرد تظاهر وافتعال. "وإذا كان السلطان لم يصدر أوامره بشن هجوم جديد ضد أنجرة، يكتب مراسلنا الذي بعث إلينا أيضا بصورة (أنظر الصورة)، فالسبب يكمن في كون المخزن ينتظر وفود سكان الجبل هؤلاء، بكل ثقة، إلى سوق طنجة، وفق عادتهم السابقة، لمباغتتهم والانقضاض عليهم. "ومن المؤكد أن رجال أنجرة لن يخضعوا أبدا للسلطان، فهم برابرة مثل سكان الريف، ولذا فإنهم سيواجهون باستمرار القوات الشريفة. "ويمثل رسمنا وفدا من أعيان أنجرة، مصحوبين براية جامعهم، وهم يحضرون ثورا صغيرا أمام خيمة قائد قوات المخزن. وقد قطع عباس الشرگي عرقوبي الثور الخلفيين، وحين انهار الحيوان أرضا، تم نحره بواسطة سكين. " حينها، تقدم شيخ الوفد نحو قائد السلطان وقد خلع بلغتيه عربونا على الاستسلام".