من بعيد تنتصب بلدة افورار مثل فتاة نزقة تتشبث بصدر أبيها خشية السقوط مزهوة ببساتينها وأشجارها الوارفة ومياهها المتدفقة في دلال وسحر منقطعي النظير مثل زربية موشاة بالأعشاب . من يزورها يخالها بلدة تنام وتصحو على إيقاع رفيف أجنحة الملائكة. لكن للأسف، فوق هذه البلدة الجميلة الملائكة لا تحلق .بل ارواح قتلى مغدورين تطالب بالقصاص صباح مساء .وتطرق ادراج ارشيف مكاتب رجال الدرك التى حفطت فيها ملفات اغتيالاتهم وقيدت ضد مجهول لينعم القتلة بسراح مضرج بالدماء . رغم صرخات اهالى الضحايا المكلومين، ورغم هبة الجرائد الوطنية التي راعتها سلسلة جرائم القتل الغامضة والمقيدة ضد مجهول فيما يشبه التواطؤ حيث قامت كل من جريدة الاتحاد الاشتراكي والعلم والاحداث المغربية ملفات تادلة وجرائد محلية اخرى بتسليط الضوء على ملابسات وحيثيات هذه الجرائم محاولة فك طلاسمها مبدية في نفس الوقت استغرابها بل امتعاضها من تلكؤ الجهات المسؤولة في تعميق مجريات البحث والتقصي قصد القبض على مقترفي هذه الجرائم وهو الامر الذي كان وراء متابعة جريدة جهوية - ملفات تادلة- فيما يشبه محاولة لتكميم الافواه ولملمة خيوط وتفاصيل القضايا المرفوعة . وفي هذا الصدد، نعيد نشر مقال للزميل عمر المودن سبق نشره في جريدة الاتحاد الاشتراكي تحت عنوان جرائم كبيرة في بلدة صغيرة . ‹›ثمة جرائم قتل ترتكب هنا وهناك ، بعضها غامض . مقترفوها رائحة القتل فيهم اشد فوحا من البصل. ومع ذلك يفلتون من العقاب لتغييب الأدلة الجنائية ضدهم . او لبراعتهم في التضليل او لنفوذهم وسطوتهم مما يجعل المحققين يضطرون الى حفظها او تقييدها ضد مجهول . واذا كان الحفظ قرارا يعمل به جميع قضاة الدنيا إلا ان اصحاب الدعاوي وذوي الحقوق لايشاطرون القضاة والمحققين هذا الرأي ويتهمون بعضهم بالتقصير او بالتغاضي او باقبار الملفات لسبب من الاسباب ، هي في الغالب في غير صالح المجني عليهم او من يمثلهم من الاطراف . وتأكيدا لوجهة النظر هذه ،نقدم هنا جردا مختصرا لسلسلة من الجرائم او حوادث وفاة غامضة وقعت في زمن متقارب ببلدة افورار (16 الف نسمة من السكان ) بإقليم ازيلال مسرحها فندق معروف ذاع صيته ، حتى ليخال لكل من سمع عن تلك الجرائم المرتبطة باسمه ، عن حق او بدونه، انه ازاء رواية تشويقية من تلك الروايات التي ابدع الفريد هتشكوك في اخراجها الى الشاشة (بسيكوز) وهي تحكي عن جرائم يذهب ضحيتها نزلاء فندق يوجد بمنطقة قفرة شبيه بقلعة من تلك القلاع الانجليزية المسكونة بالرعب والأشباح . إذ ما ان يسدل الليل ستاره حتى يتقمص صاحب الفندق المخبول شخصية امه الميتة منذ زمن طويل ويبدأ في اصطياد ضحاياه وقتلهم بصورة بشعة للغاية ... الحادثة الاولى، جل من يعرفون القتيلة يقولون انها امرأة كانت تتعاطى للدعارة وتتردد باستمرار على فندق معروف هنا . وقد شوهدت به بعد مقتلها اواخر العام الماضي وهي تتناول الخمر مع بعض الاشخاص وبعدها بلحظات وجدت جثتها ملقاة بقناة الري على بعد ستة كيلومترات من افورار ولم يسفر التحقيق عن اي شيء رغم اعتقال مجموعة من الاشخاص الذين قضى بعضهم مدة رهن الاعتقال . وبعدها اطلق سراحهم . الحادثة الثانية، جندي عثر على جثته ليلة زفافه بأحد اودية السقي الرئيسية، وقيدت القضية ضد مجهول بدون تحديد كيف مات . ومن قذف بجثته في تلك الساقية . وهل للأمر علاقة بزواج الضحية ام وقع شجار بينه وبين احدهم أدى الى مقتله. أكيد أن من حملوا جثته كل تلك المسافة حتى ذلك المكان لهم علاقة بارتكاب هذه الجريمة او على الاقل يعرفون من ارتكبها .. لكن التحقيق هنا ايضا لم يفض الى اية نتيجة . الحادثة الثالثة، موظفة توفيت بالفندق اياه - مسقط رأسها من سوق السبت - ذكر انها ماتت بسكتة قلبية ، وان ادوية لعلاج امراض القلب تم العثور عليها من بين متعلقاتها. الحادثة الرابعة، هو شاب في الثالثة والثلاثين من عمره ظل الى غاية يوم 27 فبراير 1997 في منتهى النشاط وكل الذين شاهدوه في ذلك اليوم لم يلاحظوا عليه اي تغيير في سلوكه . وكان قد سلم سيارة اجرة كبيرة مسجلة في اسمه لصديق له لكي يتولى استعمالها مؤقتا في نقل الاشخاص الى ان اخبرت عائلته بموته في ظروف غامضة .... الحادثة الخامسة، استاذ يمارس مهنة التدريس بسوق السبت دخل الى ( العلبة الليلية ) للفندق المذكورفي احد ايام شهر مارس 1997 وخرج من ذلك الفندق وهو جثة هامدة . وقيل انه سقط على رأسه ومات .. بينما تقول رواية اخرى ان حراسا من ذوي العضلات المفتولة(فيدورات ) هم الذين ضربوه بعنف وان الوفاة كانت نتيجة لذلك . هذه الحوادث الخمس القاتلة حسب المرتبطين بها من عائلات الضحايا تفرض السؤال: كيف لم تتمكن اجهزة التحقيق من اعتقال ولو شخص واحد من الجناة الفاعلين وتقديمه للمحاكمة. إن السلبية التي ينتهي اليها البحث في كل جريمة قتل او وفاة غامضة تطرح اكثر من سؤال عن مدى تحمل السلطات المختصة لمسؤوليتها ونحن تقول احدى العائلات لم نعد نطمئن على حياتنا وممتلكاتنا . ومثل هذه الجرائم التي وقعت في الشهور الاخيرة لم يسبق لقريتنا ان عرفت مثلها من قبل . وهو وضع لا يبعث على الارتياح بقدر ما يسبب لنا الكثير من القلق خوفا على انفسنا وعلى ابنائنا .لذلك نرجو ان يبقى التحقيق مفتوحا ويركز على اشخاص معروفين باستعمالهم للعنف اثناء وقوع بعض النزاعات والخصومات ... فعن طريقهم يمكن الوصول الى معرفة من يرتكب بعض هذه الجرائم وعودة الامن والهدوء الى الناحية .