لم نكن نعتقد أن كل هؤلاء المتابعين من عائلة واحدة، بل يسكنون ذات العنوان بإحدى الجماعات القروية ، كما أن رجال الدرك الذين اشتغلوا على القضية أو القضاء الذي حقق فيها او بت فيها سيحتاج إلى مترجمين يترجمون امازيغية هؤلاء البسطاء الذين قادتهم ظروف ما إلى المثول أمام محكمة الجنايات . وهل كان المتهم الأول أو المتهمات الست يعلمون ان هذا الفعل الذي سيقومون به سيقود لقضاء سنوات طويلة خلف القضبان. لقد اعتادت العائلات التي تقطن العالم القروي التعايش فيما بينها ، والتي تصل احيانا إلى حد المصاهرة، إلا ان عامل الأرض يقود احيانا الى ارتكاب افعال جنائية. كانت القرية هادئة ذلك الصباح وكان جوها صحوا، حيث الرجال يعملون في الحقول أو رعي البهائم، في حين كانت النسوة يقمن بأشغال البيت. وكان لايكسر هذا الصمت سوى نباح كلاب القرية التي هي الأخرى، كانت حريصة على تصفية الحسابات، كما أن الدوار كان بين الفينة والأخرى، يعرف بعض المناوشات. وبحكم أن جل العائلات كانت تظل مجتمعة رغم زواج أفرادها، فإن عائلة المتهم الأول كانت منذ مدة قد دخلت في نقاش مع عائلة على حفرة قادت إلى قطع كل قنوات التواصل وكانت كل واحدة منها تتحين الفرصة لتصفية الحساب مع الأخرى. ولم يكن ذلك إلا في عز فصل الصيف عندما توصل رجال الدرك بإخبارية مفادها وقوع مشاجرة نتجت عنها وفاة ضحية امرأة، وبعد اتخاذ الإجراءات، توجهت سيارة الدرك مصحوبة بسيارة إسعاف لإجراء المعاينات والقيام ببحث في عين المكان، ومباشرة بعد نقل الضحية إلى مستودع الأموات، تم الاستماع إلى زوج الضحية الذي أفاد أنه كان يرعى الغنم بالقرب من الحقول المجاورة للدوار فسمع صراخا عاد على اثره بسرعة الى المنزل ليفاجأ بأن زوجته قد فارقت الحياة جراء طعنة سكين. وبعد أن أرجعت ابنته الاغنام، كانت نسوة الدوار يصرخن ليخبرنها أن الجاني ينتمي لعائلة مجاورة و الذي هاجم أفرادها المنزل لوجود عداوة بينه وبين أفراد من العائلة المشتبه اقترافها هذا الجرم بسبب نزاع حول ارض كونه احد افراد عائلتها. فتم الاستماع الى شاهدين كانا يعملان لدى زوج الضحية ، حيث أكدا واقعة المشاجرة وتعرفا على الضحية وفتاتين أخريين شاركتا فيها. أما المتهمة، فأفادت أن الضحية مرت وبرفقتها إحدى الجارات بالقرب من منزلهم وقامت بإتلاف كمية من القمح وبعد تبادل السب وقع عراك مابين كلاب الطرفين. دفاعا عن والدته يطعن نديتها وبعد ان ظهر للمتهم انتصار عائلة الضحية على عائلته، طعن الأم بسكين من الخلف، فأخذت تنزف دما .وقام المتهم بنزع السكين التي كانت منغرسة في ظهر والدتهن وفر رفقة أمه وصديقتها وأخته واخيه . وافادت إبنة الضحية ان شجارا كان قائما بالدوار أدى الى تعرض والدتها الى طعنة سكين أردتها قتيلة حالا من قبل المتهم، نافية ان تكون قد شاركت في الشجار، وهو ما أكدته شاهدتان. في حين افادت كل من المتهمات الست انهن تشاجرن مع الهالكة وبناتها. المشتبه فيه الأول الذي كان آخر واحد سلم نفسه لرجال الدرك، كان مازال تحت تأثير الصدمة، لم تكن له نية قتل الضحية قريبته وجارته منذ سنوات، كل ما في الامر أن الضحية وبناتها كِلْن لوالدته الضرب والرفس ولأخذ ثأر والدته قام بطعن الضحية وفر بعد موتها. نفي نية القتل أمام التحقيق وبعد استكمال البحث، أحيل الملف على المدعي العام الذي احاله بدوره على التحقيق الذي استنطق المتهم الأول الوحيد الذي تمت متابعته في حالة اعتقال ابتدائيا وتفصيليا، فأفاد أنه حضر المشاجرة التي وقعت مابين والدته والباقيات، فوجد الضحية وبناتها يعتدين على والدته فعمد الى طعن الضحية، وانه لم يكن يقصد قتلها. فيما اكد الباقي تصريحاته امام التحقيق والمدلى بها امام الدرك. فتم إصدار امر بالاحالة على غرفة الجنايات التي مثل امامها المتهم في حالة اعتقال والباقي في حالة سراح. وبعد أن تم تعيين مترجم من اللغة الامازيغية الى العربية لفائدة بعض المتهمين الذين لا يتكلمون العربية، تأكد الرئيس من هوية المتهمين واشعر كل واحد منهم بالمنسوب اليه ، حيث اجاب المتهم انه فعلا قام بطعن الضحية، الا أن ذلك تم بعد أن اخرج سكينا كان يريد تخويف الضحية به ، الا ان إحدى بناتها دفعته فأصابها وأن لاغاية له في قتل الضحية. المتهم يؤكد واقعة الاعتداء، والمتهمات ينفين الحضور إحدى المتهمات اكدت أن سبب النزاع الذي قاد الى وفاة الضحية نزاع بسبب كلاب الطرفين، وتطور الى شجار بينهما، اما باقي المتهمات فقد انكرن المنسوب اليهن ونفين حضورهن واقعة المشاجرة. الشاهدان وبعد ادائهما اليمين القانونية، اكدا انهما كان يشتغلان عند زوج الضحية في البناء وقد سمعا صوت الاستغاثة والصراخ فتوجها الى عين المكان، حيث وجدا الهالكة ساقطة وبناتها يتبادلن الرشق بالحجارة، وكان المتهم وطفل آخر يبلغ حوالي 16 سنة ، والمتهمات يتبادلن الضرب بالحجارة مع بنات الضحية وبعض الجيران ، وأنه لم يعاينا طعن الضحية لكونهما لم يحضرا الا بعد ان سقطت أرضا. المطالب بالحق المدني اكد تصريحاته، في حين أدلى دفاعه بمذكرة المطالب المدنية، مرفقة ما يفيد اداءه الرسم الجزافي ، ملتمسا تعويضا قدره (500000 درهم) في مواجهة المتهم الأول . ممثل الحق العام التمس الادانة، بينما دفاع المتهمين اوضح ان الطرفين من عائلة واحدة وبينهما نزاعات مدنية وان الاول وجد الهالكة متشابكة مع والدته بعدما اسقطتها وجاء من الخلف يحاول جرها فقامت إحدى بنات الضحية بدفعه من الخلف فوقع السكين الذي كان بحوزته، مؤكدا على عنصر الاستفزاز وان موكله لم تكن له نية القتل. والتمس اقصى ظروف التخفيف والبراءة بالنسبة لباقي المتهمات. 14 سنة سجنا نافذا من أجل الضرب المفضي إلى القتل وبعد ان كان المتهمون آخر من تكلم، انسحبت الهيئة للمداولة وعادت بعدها لتصدر القرار التالي إن غرفة الجنايات تصرح علنيا حضوريا وابتدائيا، في الدعوى العمومية ، بمؤاخذة المتهم الأول من أجل الضرب والجرح المفضي الى الموت دون نية إحداثه ومعاقبته بأربع عشرة سنة (14) سجنا نافذا ومؤاخذة المتهمات الست من أجل المساهمة في مشاجرة ومعاقبة كل واحدة منهن بستة اشهر حبسا موقوفة التنفيذ وغرامة نافذة قدرها (500 درهم) مع الصائر والإجبار في الادنى. في الدعوى المدنية التابعة، قبولها شكلا وموضوعا بأداء المتهم الأول لفائدة زوج الهالكة تعويضا مدنيا قدره (60000 درهم) ولكل واحدة من بناتها الست تعويضا إجماليا قدره (30000 درهم) والصائر بنسبة المبلغ المحكوم له وإعفاء المطالبين بالحق المدني من صائر باقي طلباتهم غير المحكوم بها وتحديد الإكراه البدني في الأدنى.