مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية بفرنسا يوم 23 مارس في دورها الأول بدأ الحديث عن نتائج هذه الانتخابات يتوقع أكثر من متتبع أنها ستكون لصالح المعارضة اليمينية، وذلك نتيجة الصعوبات التي تعرفها الحكومة في تجاوز الازمة الاقتصادية ونتائجها. الحديث عن هذه الانتخاب يطرح أيضا قضية مشاركة الأقليات، خاصة من أصل مغربي ومغاربي في هذه الاستحقاقات سواء كناخبين أو مرشحين لتحمل المسؤولية، حيث يلاحظ ضعف فرنسا وتخلفها في هذا المجال مقارنة مع بلدان أوربية أخرى مثل بلجيكا وهولندا. وأسباب هذا التخلف الفرنسي يمكن إعطاؤه عدة تفسيرات، منها التاريخ الاستعماري ونظرة الفرنسيين إلى المغاربيين والأفارقة من جنوب الصحراء ، إما نظرة استعلاء أو نظرة الأبوية ( الاغلبية الساحقة بين المهاجرين بفرنسا من المستعمرات السابقة ). ورفض حق التصويت للأجانب الذي وعد به اليسار منذ ثلاثة عقود دون أن يفي بوعده وهو ما يجعل جزءا كبيرا من هؤلاء الناخبين من أصول أجنبية غاضبون على اليسار بعد أن صوتوا بأغلبية ساحقة لصالح الرئيس الحالي فرنسوا هولند الذي وعد هو الآخر بتحقيق هذا المطلب دون أن يفي بذلك. الأقليات في فرنسا غير ممثلة في المؤسسات الفرنسية سواء التشريعية أو التنفيذية. هذه الأقليات التي لا يعترف بها القانون الفرنسي، وتطلق عليها نعوت متعددة مثل التنوع، وذوي الأصول المهاجرة أو مسلمي فرنسا أو الأقليات البارزة. هذا التعدد في التسميات والنعوت يعكس تجاهل النظام السياسي بفرنسا لمفهوم الأقليات كما هو سائد في بلدان أوربية أخرى مثل بريطانيا، بلجيكا وهولندا .ورغم هذا التجاهل الظاهري ،فإن الأحزاب السياسية تسعى إلى استقطاب هذه الفئات من أصول أجنبية لوضعها بلوائحها الانتخابية، هذه الأقليات الفرنسية تعود إلى جنسيات متعددة من آسيا وأفريقيا، لكن هذه الأقلية يغلب عليها المغاربة والجزائريون .وتسعى المعارضة الى استقطاب الفرنسيين من أصول مغاربية والذين صوتوا بنسبة 90 في المائة لصالح مرشح اليسار في الانتخابات الرئاسية، فرنسوا هولند، وهو تصويت كان حاسما في فوز مرشح اليسار بهذه لانتخابات. وتسعى المعارضة اليمينية إلى استقطاب هذا التصويت خاصة حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية ورئيسه جون فرنسوا كوبي الذي يتمتع بسمعة سيئة وسط المغاربيين والمسلمين بفرنسا، نظرا لتصريحاته السابقة والمسيئة لهم وذات الايحاءات العنصرية. هذا الحزب، حاليا، يسير على خط باتريك بيسون (وهو أحد منظري اليمين المتطرف بفرنسا وكان مستشارا لرئيس نيكولا ساركوزي ولحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية .)والمفارقة أن نيكولا ساكوزي عندما كان رئيسا هو الذي دفع بعدد كبير من ممثلي الأقليات الى سدة الحكم وفي مراكز مهمة مثل رشيدة داتي كوزيرة العدل.لكن الرئيس السابق دفع بأفراد ولم يخلق مؤسسات لتغيير وضعية الأقليات غير الأوربية وتمكينها من حقها في ولوج المؤسسات. كل مراكز الدراسات بفرنسا تجمع على أن الأقليات غير ممثلة بشكل كافي سواء على المستوى الوطني أو على المستوى المحلي، وفي الانتخابات البلدية الأخيرة حصل تقدم في عدد المنتخبين بالمجالس البلدية من أصول غير أوربية، ففي المدن التي يتجاوز عدد سكانها 9000 نسمة مر عددهم من 1069 منتخبا إلى 2343 منتخبا بالمجالس البلدية، حسب دراسة قام بها المجلس الأعلى للاندماج. ولا يمثلون إلا 6.68 في المائة من مجموع المنتخبين، وعدد قليل منهم فقط كان عمدة مدينة ،9 فقط بفرنسا دون احتساب الجزر ،أي ما يشكل 0.4 في المائة ، منهم محمد حمومو بمدينة «فولفيك»، ورفيقة رزقي بمدينة «شيلي مزران» ودجودي مرابط بمدينة ايلبوف. اليوم أهم المرشحين هم رازي حمادي بمدينة مونتروي، وكذلك مونيا ديبروي كمستقلة، عز الدين يمدين بمدينة ستان ومونيا دحو بمدينة يليس، والساطوري بمدينة لميرو باسم حزب الخضر الأوربيين، وعبد النبي زاهير بمدينة ديزيرتين. هذه الوضعية هي في تطور حسب السوسيولوجي المختص في الأقليات البارزة كما تسمى بفرنسا اريك كيسلاسي، ومر عدد البرلمانيين من هذه الأقليات مر من 0.8 في المائة الى 2 المائة، وهو رقم تضاعف من انتخابات تشريعية إلى أخرى. لكن المشكل أن هذا التطور مس اليسار فقط دون اليمين. وحسب نفس الباحث، فإن المشكل ليس في الفرنسيين، بل في الطبقة السياسية التي تحكم بفرنسا، التي تعتبر الطبقة الأكثر شيخوخة بأوربا. ففي البرلمان الفرنسي معدل السن هو (55 سنة) سنة 2007 .وغياب ممثلي الأقليات حسب نفس الباحث يعود للمنافسة الشرسة بين هذه الطبقة السياسية المحافظة، وكذلك لانتشار ظاهرة تعدد مسؤوليات السياسيين وهي ظاهرة فرنسية، أيضا، تحول دون فتح الباب للقادمين الجدد. اليوم عدد كبير من أبناء المهاجرين المغاربة مرشحون في الانتخابات البلدية بفرنسا. وفي هذا الملف حاورنا بعضهم وهم من مختلف الأحزاب سواء اليمين أو اليسار أو الوسط أو حزب الخضر والحزب الشيوعي، ومنهم عدد من الاتحاديين وأعضاء الكتابة الإقليمية على مستوى فرنسا، خاصة عبد النبي زاهير وهو يقود لائحة الحزب الاشتراكي بديزيرتين. كما أعطينا الكلمة في هذا العدد، أيضا، لاتجاهات سياسية أخرى من اليمين والوسط مثل أحمد لمشرفي، محمد الجرماوي ومحمد العلوي البرنوصي. تصويت المغاربيين أو الأقليات البارزة، كما تسمى بفرنسا في الانتخابات المحلية، لن يستفيد منه اليسار لوحده، كما كان يحدث في السابق، فعدد كبير منهم يؤاخذ على الأغلبية الحاكمة الحالية عدم تقديم مشروع قانون تصويت الأجانب إلى البرلمان أو إلى الاستتفتاء، كما وعد بذلك الرئيس الحالي في الانتخابات الاخيرة. وعدد منهم عبر لي عن سخطه أثناء إنجاز هذا الملف بمن فيهم أعضاء وقيادون بحزب الرئيس .لكن فيما يخص أرقام وعدد المرشحين من الأقليات البارزة سوف نرى ما ستسفر عنه النتائج الانتخابات البلدية سواء من حيث عدد المستشارين أو عدد رؤساء المدن.