أهم ملاحظة في هذا الشأن هي عدم وجود مؤسسة رسمية أو أكاديمية تُعنى بجرد كل ما يكتب عن المغرب سواء باللغة الإنجليزية أو بغيرها وتعمل على تحديد الأولويات وترجمة أجود الكتابات وأكثرها إفادة يعمل المؤرخ والمترجم محمد أعفيف أستاذا للتاريخ الحديث والمعاصر بجامعة محمد الخامس بالرباط. حاصل على دكتوراه الدولة في التاريخ من نفس الجامعة وماستر الفلسفة في الأنتروبولوجيا من جامعة نيويورك. مختص في تاريخ الشرق الأقصى والمغرب والدراسات المقارنة. له اهتمام خاص بالتحديث في اليابان والعالم العربية. حصلت ترجمته لكتاب «الاحتجاج والمقاومة في مغرب ما قبل الاستعمار» (1860-1912) لإدموند بورك بجائزة المغرب للكتاب، فرع الترجمة. بمناسبة هذا التتويج يحاور «الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي» الأستاذ محمد أعفيف. { لماذا ترجمة كتاب «إدموند بورك»: الاحتجاج والمقاومة» في هذه الفترة بالضبط؟ بداية أود أن أعبر عن شكري وامتناني لكم شخصيا ولجريدة الاتحاد الاشتراكي التي دأبت على العناية بالثقافة رغم زخم الأحداث السياسية. إنه سؤال وجيه بالفعل؛ ما الداعي إلى ترجمة كتاب مضى على نشره في لغته الأصلية زهاء أربعة عقود؟ يمكن تلخيص الإجابة فيما يلي: أولا: هناك مؤلفات وأعمال لا تتقادم ولا تفقد قيمتها مع مرور الزمن، يمكن الاصطلاح عليها بالكتابات المرجعية أو التأسيسية. ومؤلف إدموند بورك يستحق التصنيف في خانة هذا الضرب من الكتابة حيث انتقل من مرجع إلى مصدر؛ فقد ظل حاضرا إلى اليوم في جل الكتابات عن المغرب سواء باللغة الإنجليزية أو بغيرها. ثانيا: طبيعة الموضوع الذي يتناول فترة حرجة من تاريخ المغرب؛ فترة تعرض فيها للضغوط الأوربية التي أفرزت ردود فعل شعبية ورسمية اتسمت بالمواجهة والاحتجاج والمقاومة العنيفة أحيانا. ذلك أن المؤلف يرصد التغيرات والأحداث التي نجمت عن الهجمة الإمبريالية في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين التي أنهكت المغرب التقليدي وفككت مؤسساته. وعلى الرغم من أن هذه الفترة قريبة منا زمنيا، إلا أن الغموض مازال يلفها ولم تتضح حقيقتها التاريخية بما فيه الكفاية. ثالثا: النظرة الحيادية التي التزم بها الكاتب، سواء في هذا التأليف أو في المقالات ذات الصلة التي وضعها قبل نشر الكتاب وبعده. وعموما ينتقد المؤلف النزعة الكولونيالية التي اتسمت بها الكتابات الفرنسية قبل استقلال المغرب ويفند الخلاصات التي انتهت إليها. رابعا: طبيعة المصادر التي اعتمدها؛ فإدموند يورك يمتلك ناصية ثلاث لغات أوربية مكنته من الاطلاع المباشر على محتويات الأرشيفات الفرنسية والبريطانية والألمانية، إذ يتضح من هوامش التأليف مدى تتبعه الدقيق لكل ما يخص موضوعه. وفي اعتقادي أنه يتعذر على الباحثين المغاربة الشباب، اعتبارا لإمكانياتهم المادية والموضوعية المحدودة، الوصول إلى تلك المصادر بيسر. وعلى أي حال، فإن التأليف موثق توثيقا جيدا يجعل من السهل على الباحث التأكد من مصادره والرجوع إليها. { من خلال تجربتكم في ترجمة دراسات وأبحاث من اللغة الإنجليزية، ما هو رأيكم حول ما يترجم في مجال التاريخ بشكل خاص؟ ما ترجم لحد الآن من المؤلفات الموضوعة باللغة الإنجليزية قليل مقارنة مع ما كتب وما يكتب. ولعل أهم ملاحظة في هذا الشأن هي عدم وجود مؤسسة رسمية أو أكاديمية تُعنى بجرد كل ما يكتب عن المغرب سواء باللغة الإنجليزية أو بغيرها وتعمل على تحديد الأولويات وترجمة أجود الكتابات وأكثرها إفادة. فكل ما ترجم لحد الآن جاء بمبادرات فردية ناجمة عن اختيار شخصي بالأساس. وعموما فإن هذا القليل جيد ومفيد في مجمله. وكيفما كان الأمر، فإن الكتابات التاريخية الموضوعة باللغة الإنجليزية عن المغرب قليلة مقارنة مع ما وُضع عنه في مجالات أخري خاصة الأنثربولوجيا والعلوم السياسية. { ما هي المشاكل التي تعترض المترجم في العلوم الإنسانية، خصوصا في قضايا المصطلح؟ المشاكل كثيرة ومتنوعة لا تنحصر في مشكل المصطلح وحده. فمن تجربتي الشخصية في مجال الترجمة، لا تقتصر الصعوبة على استعمال المصطلح العربي الملائم بل تتعداه إلى نقل الحمولة والدلالات التي اكتسبها المصطلح الأجنبي خلال عقود من الاستعمال. فحين يستعمل المؤلف الأمريكي مصطلحا فهو يحيلك بالضرورة على الحمولة المساوقة له في المجال المستعمل فيه. هناك أيضا مشكل يواجه كل المترجمين وهو مراعاة مقتضيات اللغة العربية خاصة البلاغية منها، إضافة إلى مراعاة جمهور القراء العرب؛ إذ يكون من العسير الحفاظ على روح النص الأصلي حين نقله إلى لغة عربية سليمة يستسيغها القاريء. ولعل نجاح المترجم يكمن في حل هذه المعادلة الصعبة. شخصيا أحرص في الترجمة على أمرين: التعاون مع المؤلف لإدخال بعض التعديلات التي لا تمس المعنى الأصلي؛ ثانيا ترجمة الأعمال التي تدخل في مجال اختصاصي أو قريبة منه. { كيف تنظر إلى إسهامات بورك في البحث في تاريخ المغرب؟ أعتقد أني أجبت عن هذا السؤال. وفي نظري تعتبر مساهمته إيجابية في دراسة تاريخ المغرب ومفيدة بالنسبة للباحثين المغاربة الشباب الذين يقبلون على دراسة تاريخ المغرب المعاصر والراهن وأيضا بالنسبة لعموم الراغبين في معرفة فترة حرجة من تاريخ المغرب. { ما هي إسهامات المدرسة الأمريكية بشكل خاص حول تاريخ المغرب مقارنة بالدراسات الفرنسية؟ لا أميل إلى الأحكام العامة أو وضع كل البيض في سلة واحدة كما يقال. فكل الكتابات سواء باللغتين الفرنسية والإنجليزية أو اللغة العربيه تحوي الغث والسمين والجيد والضعيف وما بينهما. لذا فإن المقارنة بصورة إجمالية بين الكتابات الفرنسية والكتابات الأمريكية لن تكون موضوعية. فلا يمكن نكران المساهمات التي قام بها بعض الباحثين الفرنسيين سواء في الحقبة الاستعمارية أو اليوم؛ فلا أحد يجادل في أهمية كتابات ميشو بلير وروبير مونطاني وليفي بروفنصال وجاك بيرك ودانيال ريفي وغيرهم ممن أغنوا الدراسات المغربية بأعمال لا تزال مرجعا ومصدرا إلى اليوم. أما الكتابات الأمريكية، حتى وإن كانت أقل كما من نظيرتها الفرنسية، إلا أنها تتميز في مجملها بالتحرر من العلاقة الاستعمارية وروح الاستعلاء التي طبعت جل أعمال الفرنسيين. وفيما يخص إدموند بورك، فإنه من هؤلاء الذين حاربوا نظرة الاستعلاء الاستعمارية. إذ لم يقتصر منحاه هذا على ما كتبه عن المغرب، بل شمل كتاباته عن مناطق أخرى حيث عمل ضمن فريق من المؤرخين يعملون على إعادة كتابة تاريخ العالم بنظرة موضوعية وحيادية. { ماهي مشاريع الأستاذ أعفيف في مجال التاريخ، علما أنك أنجزت كتابا هاما حول اليابان؟ الواقع أن الكتابة عن اليابان وتجربته في التحديث1 تطلبت جهدا وطاقة استنفذت ردحا غير قصير من عمري الأكاديمي والطبيعي. وللإشارة، فإني اضطررت لحذف ما يزيد عن مائتي صفحة من العمل الأصلي مراعاة لحيثيات النشر. وأنوي إعداد مؤلف أكاديمي موجه إلى طلبة تاريخ اليابان والشرق الأقصى عموما. إذ اتضح لي من تجربتي في تدريس هذا الموضوع أن المكتبة العربية يعتريها نقص حاد في هذا المجال. فما هو متوافر لا يراعي شروط التأليف الأكاديمي. حاليا أتابع أعمال الترجمة. فقد صدرت لي أخيرا ترجمة لكتاب ألفه العالم الباكستاني الشهير فضل الرحمن مالك تحت عنوان «المسائل الكبرى في القرآن الكريم»2. وأنا الآن بصدد إعداد ترجمة أخرى ستصدر قريبا إن شاء الله. هوامش: 1 - محمد أعفيف، أصول التحديث في اليابان 1568-1868، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2010. 2 - فضل الرحمن مالك، المسائل الكبرى في القرآن الكريم، نقله إلى العربية محمد أعفيف، دار جداول، بيروت 2013.