ما هي الدوافع التي تؤدي إلى الدعارة؟ هل هي مرتبطة بالأخلاق والقيم ؟هل بالجهل والتعلم ؟ وهل لها علاقة بالوازع الديني ؟ أو حتى بالوسط الاجتماعي؟ قبل أن ندخل في التفاصيل اسمحوا لي ، بمشاركتكم إحدى الطرائف التي صادفتني ولهاعلاقة جزئيا بالموضوع. كان ذلك مساء يوم الإعلان عن النتائج الانتخابية التشريعية 2011ببلادنا، حيث ركبت ورفيقتي سيارة أجرة من أمام الكلية بالرباط وإذا بالسائق يناقش معنا موضوع الانتخابات وسألنا هل توصلنا بمعلومات عن الحزب الفائز؟أجبناه بحزب العدالة والتنمية رد علينا:» حزب الخوانجية ياك؟ أجبنا بنعم ثم طرح علينا سؤال آخر باستغراب (واش بالصاح هاذ الحزب غادي يسير الحكومة إلا جا هو الأول) أجابناه باستغراب نعم ولما العجب ؟رد علينا بسؤال آخر وبالصاح إلا حكموا البلاد غادي يمنعوا الفساد؟ أجبناه جواب التمني فعلا سوف تمنع الرشوة والمحسوبية وسيتم إصلاح القضاء ومحاسبة ناهبي المال العام ووو... قاطعنا بسؤال آخر «ويقفلوا حتى البيران ويمنعوا الشراب مايتباع؟ أجبناه مازحات، نعم كل شئ محتمل ...رد علينا ساخرا بابتسامة فم خالي من الأسنان كالرضيع «وقلهم يمشوا ينعسوا إلا بغاو حيث هاذ الشي مستحيل... رآه الناس مشين حالهم غير بالحرام ،قاليك يمنع الرشوة والبيران و شفتي حنا ماليين التاكسيات رآه حنا العلبة السوداء ديال البلاد حنا لي خدامين بالنهار والليل وخصوصا بالليل وعارفين شنو طاري... عرفيتي شحال من اسرة ، كتعيش على لحم بناتها؟ ايوا قل لهذوك صحاب بن كيران إلا بغاو يمنعوا الحرام حتى يوجد لهم الحلال باش يخدموا فيه ... بالفعل هناك، أسر تعيش على عائدات الدعارة إما بعلمها بالموضوع و أحيانا باتفاق مع احد أفرادها، آو بغير علمها، وفي هذه الحالة تكون الفتاة قد هاجرت من بيت أهلها في غالب الأحيان من المناطق النائية قصد العمل، واستقطبتها شبكات الفساد ليكون مصدر الأسرة هو هذا المورد. في إطار بحث ميداني حول «أسباب الدعارة وعلاقتها بالفقر» كان لابد لنا من نسج صداقة مع إحداهن وهي طالبة جامعية بالرباط من خلالها سوف نتواصل مع باقي رفيقات المهنة ،ميزتهن الأساسية أنهن صريحات ولهن رغبة كبيرة في نقاش ذلك الواقع مع من يصغي لهن، توحدهن العديد من المعاناة اليومية،كما يوحدهم ذلك الهدف المادي ،تختلف قصصهن وأعمارهن ومستوى تعلمهن. لكن من التقينا بهم دفعهم فعلا الفقر ،بالرغم أننا لا نتفق مع التركيز عليه في العلاقة السببية، خاصة وأن غيرهن اختارت سبلا أخرى شرعية للعيش الكريم في ظروف أصعب، الشيء الذي جعلنا نكتشف من خلال روايتهن أن لكل واحدة بداية ... غياب دور الدولة في تقديم الدعم المادي والضمان الاجتماعي والصحي بسبب فقدان المعيل قد يؤدي أحيانا لامتهان الدعارة. ليلى 25 سنة انقطعت عن دراستها الجامعية السنة الثانية أدب انجليزي بعد وفاة والدها بسكتة قلبية في الفترة التي كانت والدتها مريضة بالفيروس الكبدي, بعد أن كانت وأسرتها تعيش في سكن وظيفي لإحدى المؤسسات الخاصة ,حكم عليهم بالإفراغ بعد وفاة الأب الذي كان عاملا بها ،اشتد الضغط على ليلى من كل الجهات، أم مريضة بلباس الترمل وإخوة صغار يتابعون دراستهم الابتدائية، وكلهم معرضون للمبيت في الشارع قبل اجل محدد ،قررت عدم اجتياز الامتحانات تلك السنة إلى حين ترتيب الأولويات. وهي تبحث عن بيت يكترونه للسكن، لم تعرف أن لقاءها بأحد السماسرة سوف يكلفها هذا التحول الجذري في حياتها، لكن بشكل سلبي للأسف، حيث عرض عليها شقة في غير متناولها في حدود ثلاث ألاف درهم شهريا ، والمعاش الشهري المتبقي للعائلة لا يتعدى ألف وأربع مئة درهم تقريبا ، وهي في محاولة للبحث عن اقل ثمن وقبل موعد الإفراغ، لم تجد سوى عرضه المغري الذي واجهها به،حيث اقترح عليها أن يدفع عنها مبلغا مسبقا لأربعة شهور لصاحب البيت، إلي حين تبحث هي عن شغل يمكنها من دفع سومة الكراء وما أدينت به من عنده ،وربما حينها تجد سكنا في متناولها، ما كان خيارا أخر غير هذا ،والذي جعلها تدخل في التزام معه على ذلك الأساس، سوف يقدم لهم بداية كافة المساعدات وستظن أن الله عوضهم في أباهم الذي توفي في عز حاجتهم إلى وجوده ،لتكتشف أنه مرات يلمح لها باستطاعتها أن تعيش في أرقى المستويات لو استغلت جمالها الأخاذ، لم تكن تفهم الرسالة، وهي تبحث عن عمل هنا وهناك وتترقب المواعيد الصحية لوالدتها وتتبع دراسة إخوتها الخمسة حتى ظروفها الاجتماعية لم تمكنها من إيجاد الوقت المناسب للعمل،الشيء الذي استغله السمسار ليقترح عليها هذا العمل البسيط والمدر للمال الذي هي في حاجة إليه رفضت رفضا تاما بداية ليطالبها بالدين ويظهر لها أن المساعدة لم تكن بدافع الإنسانية ولكن يريد أن يجعل منها إحدى مشاريعه لخدمة زبنائه المتنوعين من رجال المال خاصة الخليجيين منهم. تحكي بألم شديد ذلك اليوم «الكابوسي «إنها قمة الحقارة أن يتغذى الأخر بألمك وبأحزانك ،اليتيم من مات والده دون بيت على الأقل، يوفر له الاطمئنان والأمن فالسكن هو الاستقرار الذي يؤينا على الأقل من بعض الكلاب، إذا كان متوفرا لك بيت ،فلن تغلبك أمعاءك فهي قابلة بأي شيء وستؤدي مهما كان واجبها, فلن نسمع يوما أن أحدا مات بالجوع ،ما عشته أنا عاشته العديد من الأسر التي ابتدأت مأساتها بفقدانها لرب الأسرة، فحتى والدتي مريضة وليس بإمكانها حتى القيام بشغل البيت فما بالك بالاشتغال خارجه ... لم يكن يوما في حسباني أن أتوقف عن الدراسة ، فما بالك بهذا الشكل، لقد اخترت أنا،كي يتابعوا هم دراستهم ، إنهم إخوتي الصغار... خمس أولهم بالثانوي واثنين مستوى إعدادي والآخرون ابتدائي ... إذن كان لابد أن أفعل مجبرة ،ولأوفر لهم سومة الكراء ومصاريف علاج والدتي لقد وجدت نفسي داخل هذا العالم رغما، لان البداية كانت خدعة،صدقت أنني سوف أخرج لأول زبون وهو من كبار رجال الأعمال واحكي له عن ظروفي وسيساعدني وينتهي الكابوس مع بدايته ،لكن هذا ما لم يحصل أبدا،ظللت أعيد في البدايات فقط دون أن أصل للنهاية،حتى أنني في إحدى البدايات خرجت إلى فرنسا بمعية سيدة تشتغل في الوساطة لصالح كبار المال والأعمال من العرب حيث أعجب بي عبر الصور و الحديث... قلت حينها ،هذا هو الأخير ...هذا من سينقذني وعائلتي مما نحن فيه... بالفعل التقينا ، وحكيت له عن كل شيء، وتأثر لروايتي ،فمنحني أربع ألاف أورو مساعدة غير ذلك الذي دفعه ثمنا لمن توسطت لي معه ووعدني بأنه سوف يكلف من يتصل بي في المغرب ويساعدني على إنهاء هذا الكابوس المزعج، و سأودع الفقر و أودع معه الفساد الذي لم يكن تربة أهلي ولا مناخ يناسب بيئتي...لكن هيهات لم أكن أتصور أن هناك مثل هذه الطينة من البشر لقد أخذت مني «الباطرونا» كل شيء حتى جواز سفري كان بحوزتها وأوراقي وكذلك هاتفي النقال بحجة أنها سوف تردهم لنا بالمغرب،نبهتني إحدى الرفيقات ، التي تعرفها جيدا : «تلك السيدة لن ترد لنا سوى الوثائق والقليل من المال وحتى لا نكون عبيدا تحت سلطتها ...لماذا لا نحاول البقاء بفرنسا؟ ونبحث عن ذاتنا من جديد في بلاد الغربة، بعد أن عشنا الاغتراب ببلادنا... لربما نحقق المستحيل هنا، لربما ننهي ذلك المسلسل الدرامي ...الذي عشناه هناك « . وافقت بداية ،لكن بعدها استيقظت على صرخة ضميري، لمن ساترك أمي التي تقضي معظم أوقاتها عند الطبيب؟ من سيراقب إخوتي الصغار؟ ونحن الكبار نخدع ألف مرة...تصورت ألف صورة سيئة في الخيال ...أمي وإخوتي يبكون في الشارع ...صورا أخرى... تبدو فيها أمي بالعناية المركزة وإخوتي متشردين كل واحد منهم في قبضة شبكة استغلال... فقررت العودة بعد رحلة ثلاث أيام فقط وكأنها ثلاث سنين، عدنا إلى المغرب ولم تسلمني «الباطرونا» سوى عشرة ألاف درهم من مجمل الاموال التي ربحنا وجواز سفري, أما النقال فأعطته لي من غير بطاقة جوال لتحتفظ بها ،حتى وان اتصل مبعوث ذلك السيد الكريم لمساعدتي فستعرف هي كيف تحول تلك المساعدة لصالحها خاصة وأننا نقتني أرقام هواتفنا دون عقدة كي نتخلص منها بسهولة عند الحاجة ...و نشتري أخرى بنفس الطريقة ،وساجد نفسي لازلت في نفس الدوامة أحاول الخروج منها لكن أتمنى أن تتحقق تلك المعجزة.... ظروف ليلى عاشتها العديد من الفتيات بسبب فقدان المعيل أو مرضه، فغياب التكافل الاجتماعي أيضا ، والتضامن العائلي، في مثل هذه الحالات يجعل المرأة عرضة لمن ينهش لحمها، فعوض أن يظهر ذلك الرجل النبيل الشهم صاحب المواقف البطولية،و يشاع له في الصحراء «برافاد الوليات» أي من يتكلف بالنساء في وضعية هشة، من العائلة أو الجيران ، لتقديم المال من باب المساعدة الإنسانية،ولا شئ غير ذلك، يأتي الأخر الجبان الراغب في دفع ثمن الخدمة الجسدية مستغلا الضعف و الظرف الذي تتواجد فيه تلك المرأة. تحالف الطبيعة والفقر بالعالم القروي هجر العديد من الفتيات بحثا عن موارد مجهولة المصير... ونحن نستمع إلى حكاياهن، حضرنا مشهدا دراميا مؤثرا جدا... هاتف نقال يرن بموسيقى الفنان الراحل رويشة الحنونة «ناسي ناس...» مريم 22 سنة، بلهجة أمازيغية أطلسية و كأنها قرينة تلك الأهازيج سوف تتحدث إلى والدها : «قطع أبا أنا نتصل بك» مع بداية التحية يدعو لها بالرضا بقدر السموات والأرض ،يحكي لها عن توصله بالأمانة مع سيارة الأجرة الكبيرة كما العادة، ويحصي لها ما توصلت العائلة به... من أدوية فهو مصاب بمرض الربو والضغط ثم المواد الغذائية وألبسة للأطفال ... وبفرح شديد يحكي لها أنه فتح صندوق الشاي و وجد داخلها ألف درهم ،ثم يستمر في الدعاء إليها بالربح و أن يبعد الله عنها «أولاد لحرام» ولا يدري أنها لا تعيش سوى على أموال الحرام .بمجرد ما ينتهي حديثها مع أبويها وإخوتها جنبهم يصرخون «توحشناك أختي مريم، شكرا على الهدايا» تبدأ هي الأخرى في البكاء ، وتردد بعد اقفال النقال: «وبا اسمح لي أنت وأمي وخوتي كانصرف عليكم بفلوس لحرام كذبت عليكم بغيت ربي يعفو عليا قبل ما نتفضح « . تبكي دموعا لاحساسها بالذنب اتجاه عائلة كانت تتمنى لهم غير ذلك ،لكن تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن... الحكاية وما فيها أن والد مريم كان يشتغل في ضيعة بإحدى ضواحي خنيفرة, إلا أن أغمى عليه بسبب ارتفاع الضغط ،زيادة على ذلك فهو مصاب بمرض «الربو»، ما جعله يحتاج لأدوية تصاحبه مدى الحياة، فهو لا يتوفر على تغطية صحية،ولا معاش حكم عليه أن يبقى جليس الفراش ،اضطرت مريم كبرى بناته وهي تدرس في التاسعة أساسي للانقطاع عن الدراسة والشغل في المنازل بخنيفرةالمدينة مقابل 500درهم ،و سوف تلح عليها إحدى الشغالات بمحاولة السفر إلى الرباط أو الدارالبيضاء لإيجاد الأفضل خصوصا في المعامل والشركات و بإمكانهما الاشتغال بمبالغ طائلة ستحارب فقرها حيث لها ابنة خالة، ستساعدهما في البحث عن عمل . اقتنعت بالفكرة لكن سيتأكدن أن هذه الأخيرة، لا تمتهن سوى الدعارة ،وسوف تشغلهم معها فعلا ،ما جعلها تخبر والديها أنها تعمل في سوق ممتاز... هي الأخرى غير مرتاحة لهذا المجال،فهي تقر أن المرأة تصير سلعة... بل أقبح من ذلك، تعامل أدنى المعاملات...الكل يطمع فيها....الكل يحتقرها....تعيش على علاقات ميكانيكية تغيب فيها الأحاسيس والمشاعر...وجود الحيوان أكثر من الإنسان في هذا العالم ....نسأل الله العفو...فقط. تطمح مريم للزواج بأجنبي ينقذها من كل هذا» لان ابن بلدي سوف لن ينسى لي تاريخ لم أصنعه بيدي و لم أختره وأنا حريصة على تعلم إخوتي حتى لا يكون لهم نفس المصير...» تضيف بأسف شديد»الله شاهد علي ، لو أني رأيت البديل لما وجدت هنا أو على الأقل إن لم تكن مسؤولية أسرة بأكملها في عنقي لما قبلت بالاستمرارية رجائي أن تدعو لي بالفرج...» بهذه الكلمات أنهت مريم روايتها التي لا تختلف عن العديد من روايات بنات جلدتها واللواتي خرجن رغما للعمل في سن الزهور، ليجدن العمل الوحيد الذي في انتظارهن هو «البغاء» حيث تستغل ظروفهم شبكات الفساد ... فهن يعشن دائما على هواجس الخوف من الليل...من نوع الزبون ... إضافة إلى هاجس الأمراض المتنقلة... ثم استغلال بعض رجال الأمن لوضعهم...إذ يتعرضن للتهديد دوما ما لم تدفع لهم رشوة،فهو بإمكانه أن يجرها إلى مخافر الشرطة بتهمة البغاء، وقتما أراد... ناهيك عن مستلزمات تكلفها بشكل يومي لها علاقة بالملبس والماكياج فنسبة كبيرة من مداخلهن تضيع بين صالونات الحلاقة ومحلات اللباس... ومع السهر اليومي والجهد النفسي والبدني وما تستعمله بعضهن من محذرات وكحول و سجائر و... إذ تعترف إحداهن :» لا يمكن أن ترافق الواحدة منا زبونها بكامل وعيها أنا شخصيا لولا التخدير لقتلت مرات الزبون... لأنه غالبا ما يمارس على الباغية كل عقده النفسية، ابتداء من ما هو ذاتي يخص تكوينه السوسيولوجي.. إلى ما هو باطني ...إذن كومة من العقد الاجتماعية اللصيقة به اتجاه جسد المرأة الذي منح إليه بأبخس ثمن ليمارس عليه بكل انتقام وعنف كل عقده النفسية والاجتماعية، فهو جسد مباح لذلك، مادام مدفوع الثمن...» هذا العالم يكلف الفتاة جمالها وشبابها حتى الحيوية التي تميز بنات جيلها، لان الوردة التي يشم منها الكثير تفقد عبيرها... فتيات أرغمن على البغاء من طرف ذويهم هذه الظاهرة كانت في الجاهلية حيث المرأة لا قيمة لها وسط المجتمع وقد نزلت الآية الشهيرة بسورة النور (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) صدق الله العظيم هذه الآية تفسر أن المغفرة على المكرهات أي الفتيات اللواتي أكرهن على البغاء والعقاب سيلحق بمن اكرههن على ذلك. - سميرة 26 سنة بالقنيطرة، تحكي عن الظروف التي تعانيها مع أب مدمن قمر وخمر ولم يترك لهم في البيت حتى ما يفترشونه ،أنهت دراستها الجامعية في الأدب العربي ولا سبيل للعمل ،فحين ما يحتاج للمال يطالبها بالخروج من البيت تضطرر للمبيت عند صديقاتها الطالبات يحثها على أن تأتي بالنقود من عند الرجال ... يحطم معنوياتها بشكل دائم «جمالك ماجاب لك والو ؟؟؟ لا خدمة لا راجل حلال ولا حرام» عانت أزمات نفسية بين ظلم البطالة من جهة وظلم الأب من جهة أخرى، إلى أن خرجت يوما رفقة والدتها إلى السوق مركزي ممتاز فإذا بشيخ خليجي يتغزل بها في ممرات السوق لتلتفت أمها «هاهو سعدك جاء حتى لعندك عفاك ابنتي ،إلا ما تهدري معاه ونتهانو من مشاكلك، راه باك فاقصني، و ماتزيدي تفقصيني معاه...» تقول هي «أحسست فعلا أنني عالة على أسرتي ومجتمعي وان لا مصير لي سوى زوج حتى وان لم أبادله الأحاسيس والمشاعر، المهم أن ينقذني من هذه العائلة التي تريد أن تدفع بي إلى طريق أنا أعرف خطورتها أكثر منهم ،وأنا محتاجة لدفئ عائلي في الوقت الذي سدت فيه أبواب العمل في وجهي لأجد عائلة تريد لي الانحراف والتشرد... نزولا عند رغبة الأم، قررت الحديث إلى ذلك الرجل بنبرة رجولية أكثر شهامة منه:ماذا تريد مني؟أنا لا يمكن القبول الحديث معك إلا في الحلال، لأني لا أقبل غيره ، ممكن ، تكون صريح معي كما أنا صريحة الآن معاك؟ أجابني نعم أنا موافق ،قدمت له والدتي لتكمل الحديث معه وكأني غير معنية بالموضوع والحقيقة كذلك لان المعنيين هم أبوي اللذين يرغبان في رجل وسأحقق لهم الأمنية ،اتفقا على كل شئ، فانا لست مثل البنات اللواتي يتمتعن بلحظات التحضير،و لان الزواج أصلا مزيف قدم لهم 10الاف درهم فقط حتى البهائم كانت أغلى مني وسط حفل عائلي بسيط مرقع ملئ بالكذب والبهتان، أمي تدعي أنه لم يجد الوقت المناسب لشراء الذهب و أهداني عشرين مليون سنتيم لتجهيز نفسي ،و والدي يقول لأحبابه أنه سيملكني شقة بالرباط . الإشكال أنهم لم يكونوا متفقين حتى على الكذب، المهم زفوني إليه بعد قراءة الفاتحة وقضيت معه أسبوع بشقة مفروشة بالرباط ،الزواج عبارة عن زواج متعة فقط . لقد أكمل رحلته في المغرب وعاد إلى حياته الزوجية الحقيقة، التي تنتظره في السعودية، ليترك لي 500 درهم شهريا ولن اطمع في سواها وهي ليست لي أصلا فعلي أن أحولها كل شهر إلى حساب الوالد... انتهى العرس بدون فرحة، لكن كانت هناك فرجة... قررت مرة أخرى المشاركة في التمثيل مع الوالدين لابد أن ابقي مختفية كي يتأكدوا عائلتي أني مع زوجي بالسعودية. و الإشكال الكبير هو أنني عالجت مشكل بمشكل أخر لا الزواج أنقذني مما أنا فيه على قول احد زملائي في النضال من اجل الشغل حين سمع حكاياتي.. «لقد تغربت مجانا فأخي يبيع غير الميكا في المارشي ومع ذلك يصرف على عشيقته أزيد من ألف درهم شهريا ...» ما كان عندي سوى أن ابحث عن عائلة ترغب في من يدرس لها أبناءها وأعيش معها مقابل مبلغ بسيط أسدد به حاجياتي الضرورية،و أضمن لنفسي مأوى يسترني عن الشارع ،ويريحني عن بيت أهلي الذي يغيب فيه السرور، فحتى تخصصي غير مطلوب كي أحاول تنمية مواردي والعيش باستقلالية مريحة... و لا أدري كيف سأخرج من هذه المتاهة التي ورطت فيها رغما... ومع ذلك هناك الفتيات اللواتي يرفضن العيش في براثين الفساد،رغم الإغراءات وسوء الظروف،لكن المؤسف أن تكون العائلة تدفع لذلك خاصة كما عاشته سميرة. فمكانة الوالدين جد مقدسة فما أغلى منهم سوى الله سبحانه ،وحين تظهر حالات يحرض فيها الأبوين أبناؤهم على الفساد فذلك لا يبشر بالخير إنها قمة الانحطاط فهم مصدر القيم النبيلة وموطن العطف والحنان... حكايات أخرى استغربنا لسماعها تتعلق ببعض القاصرات من العالم القروي ،حيث يأتيها أحد أبناء المدينة قصد الزواج ،لتجد نفسها بعد ذلك ضحية هي الأخرى لشبكة فساد ،وان الزواج كان صوريا فقط ،فهو سيفرض عليها امتهان البغاء وحين ترفض يهددها بفيديو لحياتهما الحميمة العادية، التي تظن أنها كانت شأنا داخليا ليهددها بنشره على المواقع الالكترونية وعبر قرص لجميع أبناء دوارها .خاصة وأن أغلب الزواج يكون قد تم بقراءة الفاتحة فقط على أساس التوثيق سيكون بالمدينة، ولأنه عرف عادي تتزوج عبره قريناتها، فالعائلات لا تمانع في ذلك مع أنها لا تعرف النوايا لهؤلاء الرجال الذين ليسوا إلا وسطاء دعارة.... في اعتقادي أن التيار المحافظ يعتبرها من أشد الكبائر الدنيوية والتيار التقدمي آو الماركسي يعتبرها من أشد أنواع الاستغلال الذي يمارسه الإنسان على الإنسان لان الذي يملك المال يستغل ذلك الذي لا يملكه. ومع هذا، فجميع التيارات أحزاب وجمعيات لم تناقش هذا الموضوع بشكل منطقي وايجابي ...فهي لم تجرؤ يوما على تقديم دراسات معمقة حول تزايد انتشار الظاهرة... و لا التفكير في دراسات حول المقاربة التي يمكن أن تعالج بها هذه الإشكالية التي تحط من الكرامة الإنسانية للمرأة، و تمس من سمعة البلد وتتسبب في أفات أخرى خطيرة على المجتمع... فالمقاربة القانونية المتمثلة في العقوبة التي تلحق أطراف الدعارة في القانون الجنائي من الفصل 500الى الفصل 530 غير كافية مادامت لم تعط نتائج ايجابية ،بل الظاهرة في تزايد ولا بد من استنباط الداء قصد تقديم الدواء.... الجانب الإعلامي تعاطى مع الظاهرة من باب الفضائح دون أن يحلل واقع الممتهنات وإبلاغ حقيقة واقعهن الاجتماعي والمناطق المعزولة التي صارت مصدرة وكأن البغاء لا يعني سوى الفتاة لوحدها دون أن يربط الظاهرة بمحيطها... صمت الفاعلين دون فتح النقاش بمثابة مؤامرة تخدم الشبكات أكثر من الضحايا فالمقاربة التنموية الجادة هي إحدى السبل الكفيلة لمنع استغلال شبكات الدعارة لبنات المناطق النائية والكادحات وهي التي ستمحى الفقر الذي ينخر جغرافيتهن كما تنخر الوحوش الآدمية أجسادهن...