أمسية ممتعة تلك التي يتحدث فيها الرجال عن الرجال.. رجال مبدعون متأملون في الوجود والمحيط وشخصيات تبني التاريخ والوطن.. وكم كان جميلا أن تختتم تلك الأمسية الثقافية بعطر حديث فعاليات مؤمنة بتأثير الصورة والكلمة.. "ذاك الرجل من ذاك الزمن". بنظير هذه الجمل، تحول الحديث ليعكس وجهي احتفاء باذخ.. احتفاء بعلمين، فانطبق الكلام عن بطلي هذا المساء.. الكاتب المبدع العصي عن القبض الجميل محمد جبران، والناقد والفيلسوف والسينمائي الرائد نور الدين الصايل. كعادته كان المنشط والمسرحي والزجال أحمد جواد في كامل فيضه الإبداعي، مساء يوم الإثنين 24 نونبر 2014 بفضاء المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، حيث استعاد لحظات مشرقة للرجل العصي عن القبض محمد جبران، قبل أن ينتقل للحديث عن رجل من الرواد القلائل في زمن سياسي وثقافي عصيب.. حضور نوعي هذا المساء، يملأ قاعة بالمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، حيث جلس كل من الناقد والصحفي حسن نرايس ثم الفنان والممثل المبدع محمد الشوبي والمحتفى به محمد جبران والمنشط المتألق أحمد جواد. تحدث يوسف فاضل، الذي تعذر عليه الحضور، تحدث باسمه الفنان محمد الشوبي بالقول المنتصب.. ناحتا الكلمات البسيطة الصادقة الواضحة الشفافة كالماء، التي بين يديه في كتاب "نور الدين الصايل " هندسة الأحلام" التي شبهها مرايا صورة متعددة لرجل واحد.. اعتبر مسار حياة نور الدين الصايل خارطة تاريخ متقلب، تقهقر فيه الذوق العام إلى مستوى مبك.. صفحات الرجل تفتح في ذهن يوسف فاضل شرخا وتحفر لتنجلي صورة رائقة.. السنوات الصعبة، الشهادات، المتعة الدائمة، النقاش السينمائي الأكثر خطورة من البيانات السياسية.. تشييد الأندية السينمائية، صباحات الأحد والجيل الجميل الذي ولى، ربوع المملكة الممتلئة أندية وأسئلة وسينما حيث المدن والقرى والمداشر..ومع نور الدين الصايل يكثر الإنصات والإصغاء والإكتشاف والولع بالكلمة وتأويل الصور. ويكبر جيل الثورة وتكبر الإحلام.. وهندسة الأحلام. في المساءات السينمائية المعروفة.. يتعدد الضيوف، مرة فريديريكو فيليني، ومرة ديرسو أوزالا، وتعليم الحكمة والجمال ومنابع الفن السابع.. وبعد المهجر يعود مرة ثانية لظلمة التلفزيون المغربي، ليلج مغامرة محفوفة بالمخاطر..وها هو طابور المخرجين والمسرحين الكبار يعبر القناة الثانية.. وتعود البسمة للجميع. أنهى محمد الشوبي كلمات الكاتب يوسف فاضل بشكر هذا الرجل الكبير القامة على الأيام الجميلة التي جعلته يرى العالم بشكل مختلف.. شكرا للكاتب الكبير محمد جبران الذي لفت الإنتباه لهذا السجل الحافل من ذكرى رجالات المغرب الكبار. ومباشرة، انتقلت الجلسة الهادئة الحميمية، المنعقدة في أحد مساءات فصل الربيع الجذابة، إلى الإنصات للناقد السينمائي حسن نرايس، الذي توقف عند حجم الرجل ووزنه الرمزي، ودروب المغرب الصعبة التي سلكها بقوة وإصرار وحب للفن السابع، متسلحا بإيمان قوي بالصورة.. حيث استهل كلامه بالقول: " التاريخ نصر يجري بدون توقف، يجرف معه الأخضر واليابس، لأن منطقه هو الإستمرار، لكن نور الدين الصايل غير يابس مثل عود جاف فهو أخضر باستمرار.. " وتابع الناقد حديثه عن كتاب "نور الدين الصايل - هندسة الأحلام" للمبدع محمد جبران بالتوقف عند محطات هامة من كتابة جبران، منها : شهادة با ادريس الخوري عن الرجل، موجات الذاكرة، ارتباطه بالواقع، الصورة والصورة النقيض، جسامة المسؤولية عند نور الدين، بلد بدون صور، الصورة رديف الحرية، الإحتقان السياسي، الأندية السينمائية كبؤر ضوء للمعرفة، مرحلة سكاكين القمع، ترويض الذاكرة، شبيه المواطن والتلفزيون، سينما منتصف الليل، الطنجاوي الذي اكتوى بلهيب الحلم، لا مكان للسينما في البلاد الضالة الجامحة، الهجرة والعود للوطن، تجربة القناة الثانية.. ثم العودة للسينما من بابها الواسع للمركز السينمائي المغربي. وانتهى الناقد بشكر محمد جبران لأنه تمكن من التوقف عند التاريخ وأعطاب الذاكرة المغربية، والوفاء لرجل حرث صخور الذاكرة ليزرع بذور أثمرت كثيرا..