أكد مستوطن وباحث إسرائيلي، قادم من جنوب إفريقيا، إسمه دافيد فاشلر، أن نيلسون مانديلا تقدم إلى سفارة إسرائيل في إثيوبيا سنة 1962، تحت اسم مستعار هو «دافيد موبساري» طالبا تكوينا في استعمال السلاح، فتكفلت به الموساد. وأن جهاز المخابرات الإسرائيلي لم يكتشف هوية مانديلا الحقيقية سوى بعد اعتقاله في أكتوبر 1962، ونشر صور عدد من مناضلي المؤتمر الوطني الإفريقي، كانت ضمنهم صورته، فتأكدوا أن «دافيد موبساري» هو مانديلا. نشر هذا الإفتراء الكاذب يوم 20 دحنبر 2013، ضمن موقع صحيفة «هارتز» الإسرائيلية، التي يُدعى أنها مناصرة لحقوق الفلسطينيين، وهو خبر يجب أخده باحتياط كبير. فلم يتم نشر رسالة الموساد المزعومة، مثلما أن الإشارة الواردة في بلاغ يعود إلى الأرشيف الديبلوماسي الإسرائيلي، نشرت يوم 9 دجنبر، التي تفيد بحدوث نقاش بين ممثل لإسرائيل لم تحدد هويته ولا من يكون، وبين أحدهم إسمه «موبساري»، جد فضفاضة وغير دقيقة ولا تثبت شيئا. والتأويل الوحيد القائم هو أن نتانياهو ووزير خارجيته المتطرف العائد ليبرمان هما من وراء هذا التسريب الكاذب الذي يستهدف مانديلا. إن توجيه طعنة ظهر مماثلة لزعيم ثوري ظل يناهض العنصرية والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، يعتبر انتقاما منحطا أسبوعين بعد وفاته. ذلك أن نيلسون مانديلا، سنة 1962، وهو زعيم الجناح العسكري «الضربة الحديدة للأمة» التابعة لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، لم يكن في حاجة إلى الموساد للتدريب على السلاح أو صناعة المتفجرات. لأنه تعلم ذلك قبل في المغرب، بوجدة، ضمن قاعدة جيش التحرير الجزائرية المتواجدة فوق التراب المغربي، ما بين مارس وأبريل من تلك السنة. ثم في إثيوبيا ضمن الدعم المقدم لحركته النضالية من قبل الإمبراطور هايلي سيلاسي. وظل المحامي الفرنسي، جاك فيرجيس يذكر دوما كيف استقبل مانديلا في العاصمة المغربية الرباط، حاملا جواز سفر إثيوبي تحت إسم «دافيد مودسارمايي». وأنه كان مكلفا حينها من قبل عبد الكريم الخطيب، وزير الشؤون الإفريقية المغربي بمساعدة مختلف حركات التحرير الإفريقية. لقد كان يزودهم بجوازات سفر مزورة وبالمال ويسمح بعبور الشحنات الثقيلة القادمة من الصين ومن غيرها من دول الدعم بالعالم. لقد التقى مانديلا بالمغرب، مع الدكتور شوقي المصطفاوي، ممثل الحكومة الجزائرية المؤقتة الذي نبهه إلى عدم إغفال الجانب السياسي للحرب، «فالرأي العام الدولي أهم أحيانا بكثير من سرب كامل من الطائرات الملأى بالسلاح». بعدها رافق فرجيس مانديلا إلى مخيم تكوين بوجدة المغربية تابع لجبهة التحرير الجزائرية واستقبلهم هناك عبد العزيز بوتفليقة السكرتير الخاص للكولونيل بومدين. ولقد أشرف على التكوين العسكري لمانديلا عبد الحميد الإبراهيمي، الذي سيصبح وزيرا أول في ما بعد بالجزائر المستقلة (قبل أن يهاجر إلى لندن في التسعينات). وكان معلمه المباشر هو محمد العماري الذي سيصبح في ما بعد جنرالا قائدا للجيش الجزائري. وخلال مقامه بوجدة حضر مانديلا استعراضا عسكريا على شرف أحمد بنبلة ومحمد بوضياف الذين تم إطلاق سراحهما حديثا من قبل الفرنسيين. ويحكي مانديلا، في سيرته التي ترجمتها الاتحاد الاشتراكي في 1997 عن تلك الفترة بقوله: نيلسون مانديلا يتحدث عن زيارته للرباط ووجدة : «بدت لي الرباط، المغربية، بجدرانها العتيقة والغامضة ومجالاتها الأنيقة وصوامعها القروسطوية، مزيجاً يجمع إفريقيا بأوربا والشرق الأوسط. ويبدو أن جنود الحرية كانوا يعتقدون نفس الشيء، ذلك لأن الرباط كانت ملتقى كل حركات التحرر في القارة تقريباً. فقد التقينا هناك بمناضلين من موزامبيق وأنغولا والجزائر وغيرها، كما كان يوجد بها مقر القيادة العامة للجيش الثوري الجزائري. وقد قضينا أياماً عديدة بمعية الدكتور مصطفى، رئيس البعثة الجزائرية بالمغرب الذي حدثنا عن المقاومة الجزائريةلفرنسا. وقد كانت الوضعية في الجزائر تمثل بالنسبة لنا النموذج الأقرب إلى وضعنا، لأن المتمردين كانوا يواجهون جالية مهمة من المعمرين البيض الذين كانوا يحكمون أغلبية من الأهالي. وقد شرح لنا الدكتور مصطفى كيف أن جبهة التحرير الوطني قد بدأت المقاومة ببضع عمليات سنة 1954، بعد أن شجعتهم هزيمة الفرنسيين بديان بيان فو بالفيتنام. وقد كانت الجبهة، حسب ما قال لنا الدكتور مصطفى، تعتقد بإمكانية هزم فرنسا عسكرياً، ثم وعت بأن الانتصار العسكري الصرف مستحيل. لهذا لجأ المسؤولون إلى حرب العصابات، لأن هذا النوع لا يهدف إلى الانتصار عسكرياً، بل تحرير القوى الاقتصادية والسياسية التي يمكنها إسقاط العدو. بعد ثلاثة أيام، أرسلنا الى وجدة، المدينة الصغيرة المغبرة قرب الحدود الجزائرية ومقر القيادة العامة لجيش التحرير في المغرب. زرنا إحدى وحدات هذا الجيش على الحدود. وفي لحظة ما من زيارتنا، أخذت منظاراً ورأيت جنوداً فرنسيين على الجهة الأخرى من الحدود. واعترف بأنني اعتقدت بأنني أرى بذلات قوات الدفاع في جنوب إفريقيا. بعد مضي يومين، دعيت لحضور استعراض عسكري على شرف أحمد بن بلة الذي كان قد خرج من السجن. ومن المغرب، قطعت الصحراء جواً باتجاه باماكو، عاصمة مالي، ومن هناك ذهبت إلى غينيا، وصلت بعدها سيراليون، وقد وصلتها وبرلمانها يعقد دورته، فقررت الحضور».. بعدها انتقل مانديلا إلى منطقة «الكلف» بإثيوبيا حيث واصل تداريبه العسكرية تحت إشراف الجيش الإثيوبي وليس الموساد الإسرائيلي. ولقد كشف ذلك المقال المنشور بيومية «هارتز» الإسرائيلية فقط معلومة صحيحة واحدة، هي أن إرسالية لجهاز المخابرات الفرنسية قد أعلمت زميلتها بجنوب إفريقيا أن عنصرا من الحزب الوطني الإفريقي قد حل بالمغرب وأنه تلقى أسلحة وتكوينا عسكريا بوجدة من قبل جبهة التحرير الجزائرية بذات المدينة المغربية. وأن عملاء تابعين للموساد قد واصلوا تتبع الخيط لأن الفدائيين الفلسطينيين كانوا يعبرون إلى فلسطين لمهاجمة المستوطنات. علما أن منظمة التحرير الفلسطينية لم نتشئ بعد وأن ياسر عرفات لم يؤسس بعد حركة فتح. ردا على افتراءات «هارتز» تدخلت مؤسسة مانديلا لتؤكد أن أحد باحثيها المتخصصين قد سبق والتقى سنة 2009 مع قادة عسكريين إثيوبيين بأديس أبابا وأنه لم يحدث أبدا أن كان تمة صلة لمانديلا بأي جهة إسرائيلية. وإذا كان كل من شسمون بيريز (رئيس دولة إسرائيل) وناتانياهو (رئيس الوزراء)، لم يحضروا جنازة مانديلا، فليس لأن بطاقة الطائرة غالية، بل لأنه كما قال الصحفي الفرنسي جون بيير الكباش، في راديو أروبا أنهم خافوا من ما سيلقونه من هجوم عنيف من قبل الجسم السياسي الجنوب إفريقي. لأنه في السبعينات، كان بيريز وهو وزير للدفاع حينها، أحد أكبر المتعاونين مع نظام الأبارتايد، ضدا على انفتاح بن غوريون وغولدا مايير على الدول الإفريقية الحديثة العهد بالإستقلال. وأنه بفضله تعززت أشكال التعاون بين الموساد وجهاز مخابرات الأبارتايد «البوس». وأن ذلك التعاون لم يشمل فقط تسليم معلومات عن مناضلين جنوب إفريقيين، بل أيضا تسليم أجهزة متطورة وشكل تنفيذ عمليات اغتيال دقيقة وتقنيات الرسائل المفخخة. بينما نتانياهو اليوم هو واحد من أكبر مسؤولي إسرائيل المنفذين لروح الأبارتايد في فلسطين، وهي السياسة التي تدينها جنوب إفريقيا وتدين استمرار الإحتلال الإسرائيلي لأراضي الفلسطينيين وأنها بذلك تقاطع كل المنتجات الإسرائيلية. ومنذ أطلق ليبرمان (وزير الخارجية الإسرائيلي المتطرف) نداءه إلى يهود جنوب إفريقيا لمغادرة البلد قبل فوات الأوان (حوالي 70 ألف يهودي) فإن أولئك المواطنين الجنوب إفريقيين من ديانة يهودية يجدون أنفسهم بين المطرقة والسندان. وهو موقنون أن الموساد سيعمل المستحيل لنقلهم إلى إسرائيل مثلما فعل مع يهود العراق في الخمسينات. ولم يتردد زعيم الطائفة اليهودية بجنوب إفريقيا/ زيف كرينجل، في انتقاد موقف ناتنياهو بسبب غيابه عن حضور جنازة مانديلا بدعوى ارتفاع كلفة التنقل إلى جنوب إفريقيا مما رسخ من وجهة نظره ذلك الموقف المتقادم، الذي يصف اليهود بالبخل. ولقد صرح العقيد الإثيوبي غوتا دينكا، لتلفزيون جنوب إفريقيا في دجنبر 2012، أنه كان مكلفا بحماية مانديلا حين إقامته بأديس أبابا، سنة 1962، وأن أحد مساعديه قد أخبره أن رجلا أبيض وإفريقيا آخر قد اتصلا به والتقياه في مطعم بالعاصمة وقدموا له 2000 جنيه مقابل تصفية مانديلا وتصوير جثته ونقل الصورة إليهما. وأن دينكا رفض تلك الصفقة ونقل المعلومات كلها إلى الجنرال تاديس بيرو بطل الحرب ضد الإيطاليين في الأربعينات وأنه تم توقيف العنصرين الأجنبيين المذكورين وتم ترحيلهما من إثيوبيا. وفي يوليوز 1962 تمت المناداة للحضور بسرعة إلى جنوب إفريقيا لإطلاق العمل المسلح للمؤتمر الوطني الإفريقي فغادر أثيوبيا. لكنه اعتقل يوم 5 غشت 1962 من قبل المخابرات الجنوب إفريقية في نقطة تفتيش على الطريق. ولقد تم إعدام الجنرال بيرو في مارس 1975 من قبل نظام مانغستو ماريام الشيوعي بعد انقلابه على الإمبراطور سيلاسي.