بعد سكون طويل، عاد العنف كالعاصفة الهوجاء ليهز أركان مدينة الحاجب ، وجاءت صور البشاعة التي تناقلتها وسائل الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي، لتنغص على ساكنة الحاجب هدوءها الحذر ، وأصبحت الهواتف ترن من هنا وهناك في محاولة لمعرفة مدى حقيقة المشاهد الدرامية التي لم تقو الأعين على مشاهدتها وهي تفترش أركانا متقدمة على شبكة الفيسبوك ، هل هي بالفعل صور حقيقية ؟ أم مجرد تركيب رقمي ؟، صور دامية للعيون لا يمكن مقارنتها إلا بما تطل علينا به وسائل الإعلام بين الفينة والأخرى من قلب سوريا ، العراق و أحيانا من داخل لبنان ، «مجزرة» بما تحمله الكلمة من معنى تلك التي عاشت أطوارها ساحة بئر أنزران بالحاجبالمدينة خلال الأيام الماضية ، حلبة افترشت في غفلة عن الناظرين ركنا بأحد الشوارع الرئيسية لهذا الحي ، شاب في مقتبل العمر من حي التقدم يتعرض لطعنات غدر خطيرة على يد شاب آخر ، وحولته إلى شبه ديك يتضرج في الدماء ،يحكي السيمو الذي زارته الجريدة ، تفاصيل تلك الأمسية السوداء التي كادت تضع حدا لحياته لولا ألطاف ربانية ، يحاول أن يعود بذاكرته للوراء في محاولة لضبط تفاصيل الواقعة ، وكيف تحول إلى طعم سهل المنال بين يدي شابين ، يحاول أن يمثل لنا كيف هوى الجاني على مؤخرة رأسه ببرودة دم ، فيغرس سيفه في ملامح وجهه بمساعدة شاب آخر لم يتعرف عليه ،فقطع وجهه إربا إربا دون رحمة أو شفقة ، ويؤكد السيمو الشاب الظريف الذي تعاطفت معه ساكنة الحاجب لطيبوبته و حسن أخلاقه ( شهدت المدينة مسيرتين منددتين بهذا العنف الدخيل على مدينة الحاجب) ، أن البتر الذي تعرضت له أصبع الجاني (إبن رجل أمن) والذي تم وضعه تحت الحراسة النظرية داخل مستشفى محمد الخامس ، قبل اعتقاله وإيداعه سجن تولال في وقت لم يتعرف الضحية على الشاب الثاني الذي كان برفقته ، إنما هو بتر ناجم عن جرة السيف الشبيهة بالشفرة . هول الواقعة وصدمة الصور لم تقو أم السيمو ، كما يحلو لأصدقائه مناداته ، على مشاهدة ملامح إبنها التي تغيرت في الحين بفعل الجروح الغائرة ، تمنت لو أن الأرض ابتلعتها دون أن تحملق إلى خدود إبنها الموشومة بآثار سكين حاد لم يشفع لشبابه (19 سنة) ولا لطيبوبته ، وحسن معاملاته كما يؤكد ذلك كل من التقته الجريدة بخصوص السيمو ، تقول أمه المكلومة " خرج السيمو كالعادة من الدار ، مخلفا وراءه أخاه الحامل لجرح غائر على مستوى الرأس ( الجاني سبق له أن اعتدى على أخ السيمو ليلة الواقعة ) ، إذ تؤكد أمه بكونه كان في الملحقة الأمنية لحدود الساعة الخامسة والنصف بالمنزل وفي حضرة ضيوف ، وحوالي الساعة السادسة مساء اخبرت من لدن واحدة من نسوة حي بئر أنزران بتعرض ابنها الثاني ،المسمى السيمو لاعتداء عنيف باستعمال السلاح الأبيض في حقه ومن طرف نفس الجاني ، لكن لم تكن تتصور بكون الطعنة هذه المرة ستكون بالبشاعة التي صورت على محيى السيمو ، مما أصابها بانهيار نفسي قوي وحول حياتها إلى جحيم ، ليصبح طلبها الأساسي والوحيد هو تطبيق القانون . مابين الإدانة ونبذ العنف اعتبر البعض الحادثة بكونها معزولة ولا تقفز لمستوى الانفلات الأمني، كما صرح بذلك المراقب الأمني بالحاجب ، بينما البعض الآخر اعتبرها بمثابة ناقوس خطر يقتضي يقظة جماعية ليس فقط للتنديد والاستنكار ولكن لوضع اليد على الجرح ، وإيجاد الأجوبة المقنعة لمسك خيوط العلاج . بالفعل نقر جميعا بكون هذه الحادثة وعلى الرغم من هولها قد لا تجعل مدينة الحاجب في مستوى المدن التي خرجت عن السيطرة الأمنية ، لكنها بعثت برسائل مشفرة لكل من يهمه الأمر ، هذا على الأقل ما لمسناه على وجوه عشرات النسوة من داخل ساكنة بئر أنزران ومئات الشباب والأطفال الذين تحركوا بشكل جماعي لاستنكار هذه «المذبحة» ، طالبين الاحتكام لآلية الزجر وتطبيق القانون في حق المعتدين ، وصدعوا جميعا بحناجر مبحوحة «إننا في خطر » خاصة وأن الحي غدا مصدر قلق واضطراب نتيجة تنامي الكثير من الممارسات والأنشطة المزعجة والماسة أحيانا بالسلامة الجسدية والعقلية لساكنة وعابري هذا الحي الذي كان إلى عهد قريب واحدا من الأحياء التي يضرب بها المثل في الاستقرار والهدوء واستقامة الأجيال التي ترعرعت بين بيوته وأزقته الآمنة ، فالحي المذكور احتضن أول إعدادية بالإقليم بعدما تخرجت منها مئات الكفاءات البشرية ، و الحي عرف تأسيس أولى الفرق الرياضية التي ظلت تشكل خزانا للكثير من الأندية الرياضية ، و الحي احتضن أول دار للطالب بالحاجب ، تخرجت منها أفواجا من التلاميذ الذين كانوا يتقاطرون علىها من داخل وخارج المدينة على مدار عقود من الزمان ، ليصبح الحي في يومنا هذا مزعجا ومرعبا ،مخيفا ومفتقرا للهدوء ، بل ومسرحا وفي كثير من الأحيان للعديد من المآسي والصور الدرامية . إٍرجاع الأمن مسؤولية الجميع لم يعد مقبولا من أي كان التهرب من المسؤولية في إقرار الأمن وإعادة الأجواء الهادئة والعادية لحي بئر أنزران ، فالدولة مسؤولة عن تثبيت مرفق الأمن من خلال تقريب الإدارة الأمنية من السكان و التركيز على النقط السوداء داخل هذا الحي ، وتجفيف مستنقعات الرعب ممثلة في الكثير من الأنشطة المشجعة على ارتكاب الجرائم من انتشار واسع للقرقوبي ، والمؤسسة المنتخبة معنية ايضا من خلال تبويء المقاربة الاجتماعية مكانة مركزية في البرامج و المقاربات التنموية ، التركيز على مداخل انتشال الشباب من براثين الإدمان والانحراف ، والمجتمع المدني الجاد مطالب بالتحرك للتصدي لظاهرة المخدرات و تنامي العنف عبر سن برامج شبابية قادرة على استقطاب الشباب، والأحزاب أيضا مسؤولة من خلال أدوارها التأطيرية والتعبوية لمجابهة أكبر عدد من مستنقعات التطرف والعنف ، فهي على ما يبدو معركة جماعية تتطلب انخراطا طوعيا لكل الفاعلين من مختلف المواقع ، لنصدع بالصوت العال: جميعا من أجل مدينة آمنة هادئة مستقرة» .