"هُمُ الكلاب..." فيلم مغربي سبق له أن عرض ضمن فعاليات مهرجان "كان" ضمن إطار فقرة "السينما المستقلة" . وقد حصد مجموعة مهمة من الجوائز ، وكلها يتقاسمها الفيلم أو ممثله الرئيسي حسن بايديدة ، منها جوائز فاز بها في مهرجان دبي ، حيث حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة وكذا جائزة أفضل ممثل. وقبل دبي، حصل على أفضل فيلم في مهرجان قرطبة بإسبانيا وكذا بمهرجان زاكورة وأفضل ممثل بمهرجان الرباط أيضا ، وعُرض في مهرجان مراكش خارج المسابقة ضمن فقرة "نبضة قلب". ويقف وراء هذا الفيلم المخرج هشام العسري، الذي بدأ علاقته بالسينما من خلال الكتابة عنها كنقد ونصوص أدبية ،وله نصوصا مسرحية وشعرية منشورة باللغة الفرنسية، في الوقت نفسه الذي كان يمارس حقه الإبداعي في فن الفيديو إذ قدم فيه أعمالا عميقة في إبداعها، ليكتب أيضا سيناريوهات لعدد من المخرجين المغاربة أو المساهمة في أعمال تلفزيونية وسلسلات السيتكوم .. سينما هشام العسري ، دائما تثير الإعجاب والجدل والمتابعة معا لأنه كسر المفهوم التقليدي للحكي السينمائي الذي كان سائدا في السينما المغربية. كما نجح في الاستغلال الجيد للتقنيات الجديدة التي منحتها الوسائل المعاصرة في الصورة والصوت بإخضاعهما لرؤيته الفنية بذكاء كبير فيُمتع المشاهد بصريا وفكريا. إنه يهتم كثيرا بجمالية أفلامه دون أن يكون ذلك على حساب مضمونه والعكس صحيح أيضا. وبعد سلسلة من أعمال في مجال ما يُسمى بفن الفيديو، حيث انجازه عددا من الأفلام القصيرة التي امتحن فيها أسلوبه الذي أعلن عنه بوضوح بعد ذلك خاصة في أفلامه الطويلة: "دم لحديد" (2006)، "شعب المكانة" (2007) ، "النهاية" (2011). و فيلم "هُمُ الكلاب" يحكي قصة شخص تم اعتقاله في أحداث سنة 1981 المعروفة بانتفاضة الخبز. ولم يطلق سراحه إلا في فبراير 2011 مع "الربيع العربي"، قضى 30 سنة في مكان ما لا يعرف عنه شيئا إلى حد أنه نسي إسمه ونسيه الجميع. والفيلم يقدم "حركة 20 فبراير" ضمن مشاهد متتالية مشحونة بالإشارات السينمائية، صورا وأصوات، ووضعتنا في الشرط التاريخي الراهن، ليسافر المخرج في الماضي من خلال شخصيته الرئيسية .. إن نجاح المخرج هشام العسري في فيلمه "هُمُ الكلاب..." يعود أيضا إلى ممثل تواطأ معه كليا بدون تنازل فأعطاه "شخصية" مُذهلة، أدت دورها بدون تصنُّع أو مبالغة، تقمصت الدور بكل معاناتها، رغم أن الممثل هو في الأصل رجل المسرح إلا أنه عرف كيف ينتقل بين عالمين مختلفين نظرا لوعيه المتقدم بخصوصية فن السينما. إن اختيار المخرج مدينة الدارالبيضاء لتجري فيها أحداث فيلمه هي أيضا إشارة فنية جد مهمة لكونها تُعتبر نموذجا مُصغرا للمغرب ونقطة مُركزة له. فهي المدينة التي تجمع جميع التناقضات المغربية، الطبقية والاجتماعية والسياسية، وهي المدينة التي كانت دائما في الموعد مع الحركات الاحتجاجية بالمغرب حيث تبدأ منها أو تجد صداها بسرعة فيها ولا تتردد مع التاريخ منذ انتفاضة 23 مارس سنة 1965 لما بعد الاستقلال.. ولهذا كان فيلم "هُمُ الكلاب..." سفر في التاريخ السياسي من خلال الشخصية الرئيسية من جهة، ومن جهة أخرى في الفضاء الجغرافي والحضاري لمدينة الدارالبيضاء. وهو تحقيق ومحاولة في طرح الأسئلة عن الماضي والحاضر، عما هو خفي وما هو ظاهر. هذا الأسلوب السينمائي الذي اختاره هشام العسري أغنى الفيلم وأخرجه من الممل الممكن خاصة وأن مدينة الدارالبيضاء حيوية بعنفوانها..