ترى الصحافية شارون بيغلي، المتخصصة في العلوم، أن القراءة المتنوعة مهمة للصحافي لكي تجعله يمزج الأفكار ويستوعب أي موضوع ينوي الكتابة عنه، كما تؤكد الصحافية التي تعمل في وكالة «رويترز» بعد إغلاق مجلة «نيوزويك» وتحول النسخة المطبوعة إلى إلكترونية، أنها تفترض في مقالاتها العلمية أن القارئ ليس لديه خلفية علمية عن المسألة المطروحة في المقال أو التقرير، لذا، تقول بيغلي في حوار مع «الشرق الأوسط»: «علي أن أستخدم تكنيكا في الكتابة يساعد في جعل القارئ ينفذ إلى جوهر الفكرة العلمية». كما تشير بكل صراحة إلى أنه «لا يمكن النجاح في كل مرة بنقل المعلومة العلمية المعقدة وجعلها مفهومة ومتاحة في كل تقرير ينشر». وتحدثت الصحافية المتخصصة عن بعض قصصها الصحافية الشهيرة المنشورة سابقا، كالاحتباس الحراري وتأثير الموسيقى على الإنسان، إلى جانب تجربتها في «نيوزويك» و«رويترز» واختلاف العمل في الوسيلتين وتجربتها في كلتيهما. وفيما يلي نص الحوار: { لماذا اخترت أن تعملي صحافية مختصة بالقضايا العلمية؟ منذ وقت طويل، عندما كنت طالبة تحديدا، كان لدي اهتمام شديد بالمجال العلمي وخصوصا الفيزياء. لم أكن أرغب في أن أكون باحثة، لذا كان أفضل خيار لكي أكون على صلة واطلاع فيما يحدث في المجال العلمي هو أن أكتب عما يحدث في مجال العلوم والصحة في الصحافة. في ذلك الوقت لم يكن هناك كثير من الصحافيين المتخصصين في الكتابة في الشؤون العلمية في الصحافة. الرائع في الأمر أن عملي في الصحافة فتح المجال ليس فقط للاطلاع على أبرز البحوث والاكتشافات العلمية، ولكن أيضا ساعدني على الالتقاء بأهم العلماء والعقول اللامعة. { هل واجهت صعوبات في تبسيط المعلومة العلمية لجعلها متاحة للجمهور العام من القراء غير المتخصصين؟ في الحقيقة أفكر بنفسي كمترجمة بين ما ينتج وينشر في المجال العلمي وجمهور القراء غير المتخصصين في القضايا العلمية. لتنفيذ ذلك، علي أن أستخدم تكنيكا في الكتابة يساعد في جعل القارئ ينفذ إلى جوهر الفكرة العلمية. لأجل ذلك أحاول دائما إيجاد شيء ما في حياة الناس اليومية، أربطه بعد ذلك بالمسألة العلمية، الأمر الذي يسهل على القراء تصوره واستيعابه. ربما أستخدم مجازا أو صورة ما أو لعبة رياضية أو حتى طبخة معينة قد تقرب الصورة. أتذكر مرة أني استخدمت الصورة الذهنية لطبق السباغيتي في موضوع يتعلق بالخلايا العصبية. { هل تواجهين إشكاليات نتيجة صعوبة فهم القراء لما تحاولين إيصاله؟ يحدث أحيانا، ولكن لا تنس أن قراء القضايا العلمية ليسوا بتلك الكثرة. هو جمهور محدد ولديه اهتمام وفضول في القراءة بهذا المجال. ولكن في كل مرة أكتب، أفترض أن القارئ ليست لديه أي خلفية علمية عن المسألة المطروحة في المقال أو التقرير. لكن لا يمكن النجاح في كل مرة بنقل المعلومة العلمية المعقدة وجعلها مفهومة ومتاحة. { تكتبين مقالاتك وتقاريرك بطريقة مميزة وجذابة. هل تعتمدين على وسيلة ما تعينك أو ربما طقوس خاصة؟ لا، ليس هناك طقوس معينة ولكني تعلمت أن من يريد أن يطور مهاراته الكتابية عليه أن يقرأ ليس فقط في مجال تخصصه ولكن في مجالات أخرى. بالنسبة لي أقرأ عن العلوم، ولكني أقرأ في حقول أخرى مثل الأدب والأديان والثقافة. وهذا بالتأكيد ساعدني في الكتابة والربط بين مسائل لا يبدو للوهلة الأولى أن هناك رابطا يجمعها. القراءة المتنوعة مهمة للصحافي لكي تجعله يمزج الأفكار ويستوعب أكثر الموضوع الذي ينوي الكتابة عنه. { هناك شكوى متكررة من بعض العلماء من أن بعض الصحافيين والكتاب يستخدمون أفكارهم بطريقة غير صحيحة أو اختيارية بغرض الإثارة أو دعم آيديولوجياتهم الفكرية والسياسية! ليس العلم وحده وحسب، لكن مجالات أخرى كثيرة مثل التاريخ تستغل لتغليب وجهة على أخرى. لا يحدث هذا فقط من قبل بعض الصحافيين ولكن من جهات متعددة، وربما يعود هذا إلى العالم الاستقطابي الذي نعيش فيه. يمكن القول إنه في المجال العلمي يبدو قلب الحقائق أو تحريفها أسهل لأن الناس أقل اطلاعا واهتماما بالمواضيع العلمية. طبعا هذا شيء غير أخلاقي ولكن لم يعد يفاجئني. { علمت لفترة طويلة نسبيا في مجلة «نيوزويك». كيف كانت التجربة؟ كان من الرائع العمل في مجلة كال«نيوزويك» بقرائها المهتمين والحريصين على اقتنائها. المنهج الأساسي العلمي في «نيوزويك» كان يعتمد على الخروج دائما بفكرة جديدة لم تتطرق لها الصحف اليومية أو التلفزيونات، لهذا كان تحديا كبيرا نجحنا في مرات كثيرة بتجاوزه. المميز في المجلة أنها كانت تسمح لنا بأن نتخذ خطوة للوراء ونرى بعض القضايا المهمة التي لا تراها وسائل الإعلام التي تتسابق على المواضيع اليومية. أحيانا نربط الكثير من المسائل ونخرجها من سياقها الخاص برسم صورة أكبر وأكثر دقة، لما يحدث أو سيحدث في المستقبل في مجالات مختلفة. { كيف شعرت عندما أوقفت المجلة عن الطباعة؟ شعرت بالحزن ولكن كنا نعرف أن المجلة كانت تعاني ماديا. { تعملين الآن في وكالة رويترز. هل هناك فرق بين العمل بها وبين عملك السابق؟ العمل في رويترز أسرع. القصة التي كنت أقضي في كتابتها أياما، علي إنجازها الآن بساعات بسبب السرعة، ولكن العمل هو ذاته ونقاط التشابه أكثر من الاختلاف. نحن نعيش في عالم أسرع وهناك الكثير من المواد التي تنشر يوميا، لذا على الصحافي المواكبة، ولكن هذا لا يعني أن كل المواضيع تكتب بسرعة. رئيس التحرير يسمح لي أحيانا بقضاء شهور من أجل الكتابة عن القضايا الصعبة التي تحتاج إلى بحث وقراءة أكثر. { تقريرك عن الاحتباس الحراري يعد من أشهر القصص التي كتبتها ونشرت كغلاف للمجلة، وأحدثت الكثير من ردود الفعل. هل يمكن أن تحدثينا قليلا عن هذا الموضوع؟ فكرة الموضوع بدأت بلقاء مع رئيس التحرير الذي سألني إذا ما كان هناك إجماع عالمي على الأضرار الناتجة من الاحتباس الحراري. فقلت له بالطبع لا. هناك من لا يرى ضرره رغم إجماع غالبية العلماء على وجوده وتأثيراته الخطيرة. سأل بعد ذلك رئيس التحرير عن مصدر المقاومة لمسألة مثبتة علمية. بدت بعدها الفكرة مثيرة لمعرفة لماذا نجح المعارضون لأخطار الاحتباس الحراري في التأثير على الناس والحد من سن قوانين تحد من أضراره. مصالح الشركات الكبرى ستتضرر بالطبع من تشريع قوانين تحد من التلوث، وكذلك الكثير من الناس ليس لديهم الاهتمام العميق بهذه المسألة الخطيرة. بعضهم يخلط بين الاحتباس الحراري وأحوال الطقس. نبش هذا الموضوع وطرح الأسئلة حول تأخير الاهتمام به أثار ردة فعل واسعة من المعارضين. { كتبت الكثير من المواضيع عن تأثير دور الموسيقى على الإنسان.. في أحد مواضيعك ذكرت أن العقل يمتص الموسيقى كما تمتص الإسفنجة الماء وتؤثر عليه. هذا صحيح، ويتضح ذلك من تجارب الناس وكيف تغير الموسيقى المزاج وتقلل من التوتر والضغط. من الأكيد أن للموسيقى تأثيرا على صحة الإنسان، كما أن هناك أيضا بحوثا مستمرة تربط الموسيقى بالتفكير المنطقي والرياضي. { ما رأيك بموضة كتب تطوير الذات الرائجة؟ هل هي ظاهرة صحية؟ غالبية ما ينشر في هذه الكتب غير مثبت علميا. اختر ستة كتب من هذه النوعية ستجد أنها تعالج مسألة واحدة بستة طرق مختلفة. { ما سبب انتشارها؟ ذلك يعود إلى اعتقاد البعض أن مشكلاتهم تنتهي مع قراءة هذه الكتب. في الواقع الكثير من المشكلات تنتهي من تلقاء نفسها، لكن الشخص يعتقد أن كتاب تطوير ذات معينا هو ما يسهم في حلحلتها. بالطبع أنا لا أقول إن كل النصائح فيها خاطئة، ولكن غالبية ما يقدم فيها يستند على بحوث علمية هزيلة جدا.