استنفار أمني غير مسبوق وتعزيزات أمنية كبيرة عرفتها مدينة الرباط صباح يوم السبت الماضي بسبب الوقفة الاحتجاجية التي كان يعتزم تنفيذها «نادي قضاة المغرب» بالبذل الرسمية أمام وزارة العدل والحريات، قوات للأمن ترابط في كل الأزقة والممرات المؤدية لمقر الوزارة، حواجز حديدية تمنع المارة والسيارات من المرور ببعض الأزقة المجاورة لمكان الوقفة، وتوقف حركة السير بشارع محمد الخامس بسببها، رجال أمن بمختلف رتبهم المهنية، قوات مساعدة، يتواجدون بكل المنافذ التي تؤدي للوزارة، حالة استثنائية شهدتها العاصمة ذلك الصباح، وأعادت للأذهان سياسة الهاجس الأمني التي سيطرت في مرحلة ما. فبكل بساطة وتعقل ووعي كبير، أعفى القضاة المنضوون في «نادي قضاة المغرب» في ذلك الصباح كل هذه التعزيزات الأمنية من كل اصطدام مباشر أو حتى جدال ثنائي حول منعهم من تنفيذ هذه الوقفة، وذلك بنقل وقفتهم الاحتجاجية إلى المركب الاجتماعي للقضاة بالرباط حين توصلوا بقرار المنع في صبيحة نفس ذلك اليوم، وهذا ليس بمفاجئ، وكيف لا وهم قضاة المغرب المكلفون بتطبيق القوانين والسهر والحرص على تنفيذها. وتأتي هذه الوقفة الاحتجاجية التي جاء ليشارك فيها أكثر من 1600 قاضي حسب المكلف بالإعلام والتواصل بالمكتب التنفيذي ل»نادي قضاة المغرب»، تأتي من أجل إقرار نصوص تنظيمية ضامنة للاستقلال الفعلي والحقيقي للسلطة القضائية، ثم لتكريس مساواة القضاة في تدبير وضعياتهم الفردية أمام المجلس الأعلى للقضاء، بالإضافة للمطالبة بحماية القضاة وضمان استقلالهم المالي. واعتبر نادي قضاة المغرب أن قرار المنع قرار، غير قانوني ولا يحترم الضوابط القانونية. وفي هذا السياق، وفي تصريح للصحافة، أكد ياسين مخلي رئيس «نادي قضاة المغرب» على أن هذا القرار ردة حقوقية أخرى ، ونقطة سوداء ستنضاف في سجل حقوق الإنسان لتلطيخ سمعة المغرب، أن قرار المنع للوقفة لا يساوي أي شيء للقضاة الذين هم من يحمون الحريات، وحقهم سيمارسونه حسب الضوابط القانونية والدستورية. وأعلن مخلي في كلمة خطابية وسط حشود القضاة الذين جاؤوا من كل ربوع المملكة والتحقوا مباشرة بالمركب الاجتماعي، بعد أن تم إخبارهم بالمنع من طرف المكتب التنفيذي، أن القضاة سيسمعون صوتهم اليوم من خلال الصحافة الوطنية ورجال ونساء الإعلام إلى كل العالم، أن هناك قضاة بالمغرب، شرفاء، نزهاء، مؤمنون بالرسالة يمارسون حقوقهم طبقا لمقتضيات الدستور ويدافعون عن استقلالية القضاء. وهاجم مخلي، بنفس المناسبة مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، وأكد في نفس الوقت على استمرار النضال والصمود لانتزاع الحقوق، «لست يا وزير العدل والحريات من سيعلم القضاة شرف المهنة وسوف لن نسمح لك بتأويل الدستور كما يحلو لك، وسنبقى ندافع عن الحقوق والحريات من أجل مستقبل هذا الوطن، وسنظل على العهد ما حيينا أحب من أحب وكره من كره». وبخصوص الودادية الحسنية للقضاة، توجه إليها رئيس «نادي قضاة المغرب»، بأنها قد أخلفت موعدها مع التاريخ وكانت لقمة سائغة في يد وزير العدل والحريات، حيث كان من المنتظر أن تنظم إلى هذه الوقفة الاحتجاجية لكن يقول مخلي «مع الأسف أصدرت بيانا يسير في اتجاه وزير العدل والحريات، وهذا ما يوضح بالملموس المحاولات الحثيثة بكل ما أوتي هذا الأخير لإفشال هذه الوقفة ومنعها، لكننا نعتبرها محاولات يائسة من السلطة التنفيذية لممارسة الوصاية على السلطة القضائية ونقول له أن الصوت الحر للقضاة سينتشر». وانتقد مخلي ما اعتبره الرميد «أن هذه الوقفة الاحتجاجية للقضاة، تدخل في إطار تسخينات انتخابية لأعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية»، مشددا في هذا الباب على أن القضاة المغاربة يرفضون هذا الخطاب السياسوي والذي يريد إقحام القضاة في الصراع السياسوي، واصفا هذا الخطاب بالمهاترات السياسوية المرفوضة. وتحدى القضاة وزارة العدل والحريات باستعدادهم للمثول أمام المجلس الأعلى للقضاء ردا على ما جاء في الندوة الصحفية التي عقدها الرميد ولوح فيها باتخاذ اللازم إن حصل الاحتجاج بالشارع العام بالبدل الرسمية. ورد مخلي على كل من يختزلون احتجاج القضاة في مجرد مطالب مادية تهم التعويضات والأجور هي مجرد مغالطات تمويهات، وليست الحقيقة، لأن مطالب النادي مضبوطة ومعروفة وفي مقدمتها استقلالية السلطة القضائية وذلك من خلال مقاربة تشاركية حقيقية. وفي تصريح لجريدة الاتحاد الاشتراكي، أوضح أنس بنقدور، مكلف بالإعلام والتواصل للنادي، أن قرار المنع المتعلق بالتظاهرات التي تستوجب ترخيصا ينص قانون الحريات على انه يجب أن يبلغ أربعة وعشرين ساعة قبل تاريخ التظاهرة، أما حالتنا نحن فهي وقفة احتجاجية لا تستدعي ترخيصا بقدر ما تستلزم إلا تصريحا بذلك للسلطات المعنية، وأضاف بنقدور أن قرار المنع قرار غير شرعي بكل المقاييس ونعتبر من هذه اللحظة قد ظهرت جيوب المقاومة من أجل تنزيل دستور تنزيلا سليما فيما يتعلق باستقلالية السلطة القضائية.