انطلق المهرجان الوطني للفيلم المغربي، في بداية الثمانينات ليعبر عن حاجة ملحة لخلق فضاء للتواصل بين الشريط السينمائي المغربي وباقي الفاعلين والمهتمين بالشأن السينمائي، وليضع الفيلم المغربي موضع المعاينة الدقيقة والمكاشفة والوقوف عند نقط قوة وضعف السينما المغربية. ويمكن اعتبارمحطة المهرجان الوطني للفيلم ، مناسبة تعيد الحديث بقوة عن السينما المغربية إلى الواجهة الوطنية ، ذلك لما تطرحه من اسئلة وانشغالات تهم طبيعة الانتاج السينمائي المغربي. ومن القيمة الفنية للمهرجان، التي تسعى إلى جعله فرصة للتأمل والتداول حول قضايا الابداع السينمائي المغربي، تأتي دورات المهرجان مطبوعة بالعديد من السياقات الفنية والثقافية والابداعية ، وكذا التنظيمية على مستوى البنيات والقوانين المنظمة للقطاع. فمابين الدورة الاولى (9 16 اكتوبر 1982 ، بالرباط) والدورة الرابعة عشرة (1 9 فبراير 2013 بطنجة) ، نستحضر لحظات ابداع سينمائي قدمه مجموعة من المخرجين الرواد والشباب ، من خلال تعبيرهم عن آمال جديدة للسينما المغربية ساهمت في خلق نقلة نوعية للفيلم المغربي، مؤسسين لنفسهم نسقا فنيا مبني أساسا على تحسين هاجسهم السينمائي فنيا ومعرفيا. هذا الهاجس الابداعي ، عبرت عنه بامتياز أعمالهم السينمائية التي تنوعت ما بين البحث عن الذات، الهجرة، تفاصيل الذاكرة، بحيث استطاعت أن تقدم وجها آخر للسينما المغربية وقدرتها على تأسيس طابع جديد للفيلم المغربي. مع الدورات المهرجان الوطني، كذلك ، نستحضرالوجوه السينمائية والفنية والثقافية التي تركتنا ورحلة عنا الى دار البقاء، حاملة معها أشيائها وغضبها وانشغالاتها وطموحاتها وتجاربها واحباطاتها وفرحها، ومساحات أخرى من نقط الظل.. ، وجوه الفنية ارتبطت بواقعها بنفس درجة عشقها للسينما نفسها.. مع محطات المهرجان الوطني للفيلم، نستحضر كل الجوائز السينمائية والاعترافات والتقديرات التي أحرزتها العديد من الأعمال السينمائية المغربية في المهرجانات العربية والدولية خلال الفترة الممتدة مابين 1982 و 2013 ، مما يعطي الدليل، أولا، على تحول السينما المغربية الى قوة تنافسية عربيا ودوليا، وثانيا على أن مشروع سينما المغرب في مستوى تطالعات المجهودات المبدولة من طرف المشرفين على القطاع السينمائي والحقل الثقافي .. مع الدورات الأربعة عشرة، نستحضرعدد الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية التي كانت من إبداع أسماء تنتمي لأجيال وأعمار وتجارب مختلفة، أكيد استطاعت أن تضع كل لجن التحكيم التي تم اعتمادها طيلة دورات المهرجان والسينمائيين والنقاد والمهنيين.. ، أمام صيغة سينمائية جديدة ستعتبر وقفة أخرى صريحة للتأمل في المنجز من سينما المغرب. ومع الدورة الأولى للمهرجان الوطني للفيلم التي انعقدت في مدينة الرباط ، تشكلت لجنة التحكيم الأولى للمهرجان من الكاتب المغربي الراحل أحمد الصفريوي ، والناقد والباحث الراحل محمد الدهان ، والفنانة التشكيلية لطيفة التوجاني، ومحمد فرج مدير قاعة سينما «الزهوة » بالرباط ... وقد توج فيلم « السراب» لأحمد البوعناني الذي حصل على جل جوائز هذه الدورة : جائزة النقد، جائزة أحسن ديكور لنعيمة السعودي، وجائزة أحسن حوار وجائزة أحسن ممثل لمحمد حبشي..، وتم فيها عرض أفلام قوية مثل : «ابن السبيل» لمحمد عبد الرحمن التازي ، «حلاق درب الفقراء» لمحمد الركاب ، «عرائس من قصب» للجيلالي فرحاتي ، مصطفى الدرقاوي الذي شارك في هذه الدورة بفيلم «ليالي شهرزاد الجميلة» ، و«فيلم الحال» لمحمد المعنوني ، «ساعي البريد» لحكيم النوري .. وقد جاءت هذه الدورة كنتيجة للطفرة الكمية التي حققها الإنتاج السينمائي المغربي في نهاية السبعينات بعد إنشاء صندوق الدعم السينمائي في عهد مدير المركز السينمائي السابق قويدر بناني. نتذكر ، الدورة الثانية ، التي انعقدت بالدارالبيضاء سنة 1984 ، التي حصد فيها المخرج والفنان التشكيلي محمد أبو الوقار على جل الجوائز بفيلم «حادة» التي اعتبرته لجنة التحكيم برئاسة الكاتب الطاهر بنجلون عملا إبداعيا متميزا. ثم جاءت الدورة الثالثة ، بعد صمت استمر ست سنوات، التي انعقدت بمدينة مكناس في شهر نونبر 1991 وترأسها المخرج الراحل محمد لطفي. وقد عرف الإنتاج الوطني خلال هذه الفترة تراكم عدد من الأفلام الجديدة والقيمة التي عرضت ضمن المسابقة الرسمية مثل : «حب في الدارالبيضاء » لعبد القادر لقطع الذي تميز بجرأته وتناوله لموضوع حرية المرأة وقضية الفرد في المجتمع المغربي بشكل غير مسبوق..كما عرفت هذه الدورة، عرض فيلم «باب السماء مفتوح» الذي تطرقت فيه المخرجة فريدة بليزيد لقصة شابة مغربية تدرس بالمهجر ، وعادت إلى المغرب لتكتشف جذورها الثقافية بعد موت أبيها. كما شارك أيضا في هذه الدورة المخرج عبد الرحمن التازي بفيلم «باديس» الذي كان بمثابة الانطلاقة الفعلية له في ميدان الإخراج.... وفيلم المخرج حكيم نوري «المطرقة والسندان» الذي يحكي فيه معانات موظف في التقاعد الذي أصبح غير قادر على مواجهة متطلبات الحياة الدنيا. كما شهدت هذه الدورة بداية مخرجين سيتميزون في عقد التسعينات مثل حسن بنجلون وسعد الشرايبي الأول بفيلم «عرس الآخرين» ، والثاني بشريط «أيام من حياة عادية»، والمخرج المغربي الذي كان يعيش بسويسرا وهو المخرج نجيب الصفريوي الذي سبق أن أنجز فيلما وثائقيا حول اختطاف المهدي بنبركة. وقد شارك في المهرجان بفيلم «شمس» ، قبل أن تختطفه الموت في نهاية سنة 2000 . وقد تميزت هذه الدورة بتنظيم أول مناظرة وطنية حول السينما بالمغرب ، هدفها الأساسي هو مناقشة مشاكل القطاع السينمائي والبحث عن سبل لإنعاشه . مع إنشاء صندوق الدعم السينمائي سنة 1980 حدثت طفرة كمية في الإنتاج الوطني حيث انتقل معدل إنتاج الأفلام الطويلة إلى سبعة أفلام سنويا. ويمكن اعتبار إنشاء المهرجان الوطني للفيلم كثمرة لهذا التغيير الكمي الذي سيواكبه تغيير كيفي في السنوات اللاحقة... هذه بعض معالم التاريخ التي رافقت المهرجان الوطني للفيلم .. وللاقتراب أكثر من واقع هذه السينما وما حكمتها من متغيرات ومكاسب وتضاعف عدد الموارد البشرية التي أصبحت تشتغل داخل القطاع السينمائي ، وقيمة الانتاج، والتكوين.. الذي أصبح يميز واقع السينما بالمغرب نطرح مجموعة من المؤشرات التي رافقت الدورات الأربع عشر للمهرجان، وساهمت في تطوير سينما المغرب.