في سياق النقاش الدائر حول اعتماد اللغة الدارجة ضمن المناهج التعليمية ببلادنا وفي إطار متابعة هذا السجال اعلاميا ورد خلال مناظرة تلفزية على لسان عبد الله العروي اسم المرحوم محمد بنهيمة رجل الدولة والوزير السابق لقطاع التربية الوطنية خلال الستينات من القرن الماضي وكأنه كان من المناهضين لسياسة التعريب والمغربة ببلادنا خلال تلك الفترة من تاريخ المغرب. جريدة الاتحاد الاشتراكي وفي محاولة منها لرصد ومعرفة المزيد حول هذا الموضوع، التقت السيد إدريس بنهيمة ليس بصفته الرئيس المدير العام للخطوط الجوية الملكية أو بصفته كتقنوقراطي فاعل على مستوى التدبير الاقتصادي ببلادنا، ولكن بصفته ابن وزير التربية الوطنية المرحوم محمد بنهيمة وحاولنا معرفة حقيقة ماورد على لسان العروي ورؤيته الشخصية للموضوع وتصوره الخاص لقضايا التربية والتكوين ببلادنا. وفيما يلي نص الحوار : { في إطار النقاش الذي عرفه المغرب، مؤخرا، حول اعتماد الدارجة في المناهج التعليمية، ورد اسم والدكم المرحوم محمد بنهيمة يوم كان يشغل منصب وزير التربية الوطنية، معتبرين أنه كان ضد سياسة التعريب التي كانت تطالب بها الهيئات السياسية حينها، كيف تردون على هذه التصريحات وأنتم من عايش عن قرب والدكم وخبرتم رؤيته للأمور؟ أولا أي حديث عن المرحوم والدي ودوره في تكريس هيمنة اللغة الفرنسية على حساب اللغة العربية بعد الاستقلال، هو حديث غير صحيح إطلاقا. ويجب التذكير بأن والدي، رحمه الله، كلف بملف التربية الوطنية مباشرة بعد أحداث مارس 65 المعروفة، بعد منشور وزاري حول الحد من فرص الحق في إعادة امتحانات البكالوريا أكثر من مرة بالنسبة للراسبين فيها. إذن، فوالدي المرحوم محمد بنهيمة تحمل مسؤولية قطاع التعليم في مرحلة دقيقة ومتأزمة، وأعتقد بأنه كان لديه تصور ومقاربة يمكننا أن نسميها الآن بالمقاربة التقنوقراطية، وكان يؤمن كثيراً بالمبدأ العام الذي يقوم عليه التعليم ببلادنا إلى يومنا هذا، والذي ينبني على عناصر ثلاثة أساسية: التعريب التعميم والمغربة، لكن ما تجب الإشارة إليه وما يتم التغاضي عنه، أن الأطر العليا بالوزارة وقتها أوضحوا له بأن التعريب بالجودة اللازمة وبالسرعة المطلوبة غير ممكن حينها، بمعنى عدم القدرة على تكوين أساتذة معربين لأجل تعريب مستوى تعليمي في سنة، هنا لابد أن نؤكد أن والدي رحمه الله، كان يحمل مشروعاً رائداً في تعريب التعليم ينبني على معيار الجودة، من خلال اعتبار أن الأولوية هي لتكوين أساتذة معربين بشكل جيد سنوياً، وبالتالي لا يمكننا أن نفسر هذا بأنه تراجع عن التعريب والتعميم والمغربة، بل يجب وضعه في إطاره العام بكونه يندرج في عدم التسرع في اعتماد اللغة العربية في مناهجنا التعليمية إلى حين تكوين أطر تعليمية مؤهلة بالفعل لإطلاق هذا البرنامج. خلاصة، فمخطط التعريب الذي تقدم به والدي كان واقعيا وموضوعيا، إلا أنه تم رفضه لأسباب سياسوية وظرفية وتم الاستهتار به. بعد المخطط الذي تقدم به أبي، ونتيجة الهجمات العنيفة التي تعرض لها، لم يجرأ أحد على اقتراح حلول موضوعية للأزمات المتتالية التي عرفها التعليم ببلادنا، الشيء الذي جعل فشل منظومة التعليم فشلا ذريعا وأشد قوة. وللأسف، فاقتراح والدي المبني على تعريب تدريجي وبجودة تضمن نجاحه لم يأ خذ بعين الاعتبار، خاصة وأنه يعد الحل المناسب والأكثر تقدما بالنسبة لمطالب طلبة 23 مارس 1965 . { ماهو الإطار العام ، إذن، الذي يجب استحضاره هنا؟ يجب وضع الأمور في مجرياتها التاريخية، فالمغرب وقتها كان يعيش في ظل حالة الاستثناء، ولم يكن هناك برلمان، وهو ما يفسر كون القرارات الوزارية كانت تتخذ من دون استشارة، ولكون الملف له من الحساسية درجة أكبر بالنسبة للأحزاب السياسية، وبالنظر إلى كون جميع الأحزاب السياسية كانت خارج البرلمان، وبالتالي كانت جميعها معارضة، فلهذا السبب كان هناك رفض لمقترح والدي، ومن ثَمّ لا يمكننا مؤاخذته واعتبار أنه كان ضد اللغة العربية لصالح اللغة الفرنسية مادام مقترحه لم يؤخذ به أساساً إذن، فإن الأمر هنا بالنسبة لوالدي ليس في تأخير التعريب، بما أنه لم ينطلق أصلاً. وما أود الإشارة إليه أن هناك من يعتقد ، وأظنهم على صواب، أنه لو تم الاستماع إلى مقترح والدي بعيداً عن أية اعتبارات سياسية، لكان الوضع مغايرا، وأنا أعتقد أن ردود فعل الهيئات السياسية على المقترح لم تكن على المضمون، بل على الشكل فقط، وهو ما جعلهم يعتبرون أن رفض التعريب الاستعجالي من دون جودة هو رفض لسياسة التعريب، وهذا غير صحيح، لأننا هنا أمام وضع تقني محض يقابله موقف سياسي فمشكل التعريب ليس في المبدأ، وهو مبدأ ثابت، مادام والدي كان يؤمن بالعناصر الثلاثة التعريب التعميم والمغربة، بل هو مشكل تقني فقط. { وماذا عن النقاش الدائر حول اعتماد الدارجة في المناهج التعليمية ببلادنا؟ أعتقد أن النقاش الجاري حول اعتماد الدارجة في مناهجنا التعليمية يعود إلى فشلنا في اعتماد مناهج تعليمية مؤهلة بالشكل المطلوب، مع العلم أننا خلال سنوات الستينات، لم تكن لدينا الإمكانيات اللازمة للتعريب بالشكل الذي تم رسمه الآن.. ففتح النقاش حول اللغة في مناهجنا التعليمية، يعني الخوض في نقاش عقيم ومشكل وهمي سيحول نقاشنا حول المنظومة التعليمية كنسق متكامل، كيف تشتغل مؤسساتنا التعليمية، كيف تعمل أطرنا، كيف تدار السياسة التربوية بمدارسنا؟ أعتقد أن المشكل المطروح الآن ليس في لغة التعليم، بل في الآليات التي تشتغل عليها المنظومة التربوية ببلادنا، وأظن أن النقاش حول اللغة الآن نقاش عديم الجدوى ومفتعل، وهو يصرفنا عن الاهتمام بالأسئلة الحقيقية والمشاكل البنيوية المرتبطة بملف التعليم ببلادنا. يجب علينا مراجعة كتابات المؤرخين الذين درسوا تاريخ المغرب، يجب علينا أيضاً مراجعة كتب عبد الله العروي التي درست جميع جوانب المجتمع المغربي، فهو الذي حدثنا عن التنوع في الهوية المغربية بجانبها العربي وجانبها الأمازيغي، وهو الذي قال بشأن - الجذور الثقافية للهوية المغربية-، أنه كيفما كانت اللغة، فإن أشكال التدبير المحلي لا تتغير، سواء في الجبال أو في السفوح، هو من أقر بهذا، وهو من علمنا عمق الوحدة الوطنية المغربية، كيفما كانت اللغة، وهو بدراسته للغة في المغرب الكولونيالي، نجد عربية قريبة من اللغة العربية الكلاسيكية، وهو من قال لنا بأن العرب في الجنوب الصحراوي يتكلمون لغة عربية بنكهة أمازيغية أكثر، وتختلف عن اللغة العربية لفاس ولمدن الشمال المغربي الدارجة ، أيضاً ، كلغة تواصل هي لغة يومية، لكن مرجعية المغرب هي مرجعية عربية إسلامية، ويجب التعامل على هذا الأساس، فلا مجال للنقاش هنا يمكننا القول، كذلك، إن هناك مكونات ثقافية مغربية بعيدة عن المرجعية العربية هي أيضاً عربية، فالمرحوم الحسن الثاني كان يعتبر بأن في قلب الثقافة الأمازيغية، هناك عناصر عربية، ونحن نعرف بأن المغاربة اليهود هم عرب أيضاً، وبالتالي يعتبر اليهودي المغربي عربيا بديانة يهودية. إذن، فكيفما كانت اللغة التي نتعامل بها، سواء أكانت فرنسية، بمؤسساتنا العمومية وإداراتنا أو اللغة الدارجة في منازلنا أو العربية في مدارسنا أو العبرية في المعابد الدينية، فإن المغرب يبقى دولة عربية مسلمة، فالمغرب عربي بالتعبير الثقافي فالعربية شرعية وكانت في صلب اهتمامات الحركة الوطنية من خلال مواجهة كل مخططات نسف الوحدة الوطنية للمغرب، والآن فتح النقاش حول اللغة يعني محاولة نسف الوحدة الوطنية العميقة للمغرب، وهي وحدة تتعايش وتقبل التنوع وتقبل الأشكال الثقافية الأخرى، حيث يقر الدستور المغربي بالتنوع الثقافي للمغرب وهويته، أكانت افريقية، مسلمة، يهودية في ظل وحدة عربية، فأنا لا يمكنني إلا أن أدافع عن اللغة العربية. فقط أود أن أؤكد، كما قال والدي رحمه الله بخصوص التعليم، أنه يجب علينا أن نضبط المراحل للوصول إلى نتيجة قيمة في النهاية، وهي التعريب الكامل للمجتمع المغربي، حيث تستعمل اللغة العربية في جميع القطاعات بدون استثناء، وهذا هو الهدف العام فيجب علينا اختيار أفضل خطة للوصول إلى أفضل نتيجة وأؤكد أنه بالنسبة لي، لا يوجد أي نقاش أو تردد في استعمال اللغة العربية، والتي هي من الهوية المغربية، ليس فقط في ما يتعلق بالمعاملات اليومية، بل أيضاً في جميع المناهج التربوية { كيف تقيمون وضع المنظومة التعليمية ببلادنا؟ أنا لست خبيراً في ميدان التعليم، وأعتقد أن مسألة الهوية والتعريب يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في مناهجنا التعليمية، إذا ما أردنا بالفعل أن نرقى بمستوى التحصيل العلمي ببلادنا، فنأخذ مثلا تلميذا لا يتعامل باللغة الفرنسية في محيطه العائلي والمجتمعي، ونحاول تلقينه العلوم باللغة الفرنسية أظن هنا أنه سيواجه صعوبات كثيرة، وهذا يمثل عائقاً يجب تجاوزه هنا أورد مثالا فقط، لنشبه حالتنا بكوننا نبحر في سفينة، يجب أولا تحديد الوجهة، والوجهة هنا محددة مسبقاً وهي المبادىء الثلاثة التعريب التعميم والمغربة لكن مع الجودة في المناهج والنتائج إذن بقي أن نعرف حالة السفينة، إن كانت ستوصلنا إلى وجهتنا أم لا، والحالة هنا مرتبطة بالبنيات الأساسية والتحتية، وأيضاً مستوى وكفاءة رجال التعليم ومستوى أجورهم وأيضاً تفرغهم لمهامهم، ولكن أيضاً الشفافية والنزاهة التي يجب توفرها في المنظومة التعليمية، بمعنى الأخلاق والقيم داخل المؤسسة التعليمية المشاكل الأساسية الآن ليس اختيار اللغة، فهذا يأتي في المرحلة الثانية، فنحن نعرف مسبقاً الهدف، والطريق نقوم نحن بشقّها طرح النقاش حول اللغة الآن هو هروب من مواجهة الواقع الحقيقي للمنظومة التربوية ببلادنا، والحال أننا مطالبون باعتماد مبادىء من قبيل الشفافية والفعالية والإنتاجية، لإخراج المنظومة التعليمية من الحلقة المفرغة التي تدور فيها.