تعتبر الدولة الحديثة هي الدولة التي تقوم على مبادئ ترتكز أساسا على الفصل بين السلط و ضمان توازنها، وتدعيم حقوق الإنسان وصيانة الوحدة الترابية و تضع لذلك سياسات عمومية تتناسب وحاجيات الإدارة والمواطن وتهدف لتطوير هياكل الدولة وتحديث الإدارة مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار البعد الترابي كأحد أهم الركائز التي تستند عليها التنمية المستدامة وذلك في إطار تفعيل حسن النهوض بالمرفق العام وحسن تفعيل توجهات السياسات العمومية. وحيث انه في إطار اللامركزية و اللاتمركز كسياسة ترابية تنتهجها الدولة، فإن ارتباط هذه السياسة التي شهدت تدرجا وتطورا أهلاها لتكون شكلا من أشكال التدبير الترابي المعتمدة، وذلك في إطار الجهوية المتقدمة كإطار عام وتوجه حاسم للدولة المغربية في تنظيمها الترابي الذي يؤهل لضبط ورصد و تقييم السياسات العمومية وعلاقة السلطة بالإدارة و المواطن وفق المفهوم الجديد للسلطة ، من خلال تخطي الدور الاعتيادي للإدارة والمؤسسات العمومية نحو نهج نمط رشيد في التدبير العمومي خصوصا و ان جوهر البعد الترابي للمملكة يقوم على جوهر ديمقراطي تشاركي يسعى إلى إشراك الفاعلين المؤهلين في تحقيق السياسات العمومية ، ويهدف إلى تقوية النسيج الجمعوي و تأهيل الإدارة وإشراك المواطنين عن طريق المنتخبين في تنزيل المرامي الأساسية للدولة من خلال توخي أهدافها وبلورة مشاريعها التنموية وفق سياسة شاملة مكرسة للتنمية المندمجة في سياق الحكامة الجيدة. فإلى أي حد ترتبط أهمية البعد الترابي في تحقيق السياسات العمومية؟ وهل البعد الترابي احد التوجهات المساعدة على تجويد المرفق العام؟ إن التنظيم الترابي للمملكة يقوم على الجهوية المتقدمة في إطار تقسيم للجماعات الترابية وفق المجالس الجهات و العمالات والأقاليم والجماعات. و حيث ان الجماعات الترابية تتوخى تنزيل السياسات العمومية في مجال ترابها، فإنها تستفيد أساسا من التقسيم المذكور أعلاه، و ذلك وفق ما نص عليه الدستور، وتستفيد أيضا من البعد المحلي في تدبير شؤون ترابها وفق ما تقتضيه الاختيارات الثابتة للدولة، من ضرورة إشراك المواطنين في خلق و تدبير السياسات العمومية وتعزيز حضور المرأة و الدفع بها للمشاركة المنتجة والفاعلة و ضمان حضورها وفق مقاربة النوع مع الاعتماد على الحكامة الجيدة و المنهجية الديمقراطية في الاشتغال. فتدبير الشأن المحلي من خلال تعزيز اللامركزية واللاتمركز، أدى إلى توسيع اختصاصات وصلاحيات الجماعات الترابية بناء على مبدأ التفريع، وذلك باختصاصات مزدوجة ، اختصاصات ذاتية واختصاصات منقولة لها من الدولة وأخرى تتشارك فيها مع الدولة ، في سبيل تطبيق فعال و مندمج للسياسات العمومية يروم تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. إن تعزيز و تدعيم الموارد المالية للجماعات الترابية من طرف الدولة و تدعيم الشراكة المندمجة معها في تدبير الشأن المحلي ينعكس أساسا على تطوير المسار الديمقراطي و التنموي ببلادنا. إن توخي البعد الترابي كأساس تنظيمي وتدبيري للسياسات العمومية يقتضي تنزيل الدستور بناء على إخراج القوانين التنظيمية لمجموعة من المؤسسات الجهوية في إطار ملاءمة التشريع وتحيينه و عصرنته و إتاحة المساطر القانونية والإدارية مصبوغة بالبساطة والمرونة من أجل ضمان نجاح استراتيجيات الدولة القطاعية على مستوى التراب . وعلى اعتبار ان الدستور نص في الفصل 146 على الميثاق الوطني للاتركيز وعلى ضرورة استصدار نصوص تنظيمية تقوي التوجه الترابي المبني على هذا الأساس، فإن ما يرافق هذا التوجه من حكامة جيدة ، و استعمال معقلن للموارد و العمل على تحسين مردودية الإدارة و تحديثها، و السهر على تكوين البنيات الفوقية و الأطر البشرية و تثمينها هو دافعة أساسية لتحقيق السياسات العمومية و بالتالي إنجاح مسلسل التنمية . يعتبر تبني التوجه المبني على اللامركزية واللاتركيز أحد أهم العوامل المساعدة في تحرير المرفق العام من التركيز العمودي للسلطة وبالتالي إعطاءه دينامية ومساحة جديدة على مستوى الاشتغال . وحيث أن البعد الترابي المبني على التقسيم والتقطيع الترابيين للمملكة بناء على معطيات اقتصادية واجتماعية و بيئية يؤسس لتعزيز حضور المرفق العام عن طريق تثمين الرأسمال البشري ورصد الموارد الضرورية لإنجاز الأعمال المنوطة به وضمان استقلاله عن المركز ضمن الحالات والشروط المحددة في القوانين النظيمية. ولما كان المرفق العام هو الآلية لتطبيق السياسات العمومية للدولة عن طريق الرفع من جودة الخدمات الإدارية و حسن تسييره لمصالحه التابعة له وتكريس الشفافية والمصداقية اللازمة والحد من ظاهرة الرشوة ومكافحتها عن طريق إحداث أجهزة مراقبة و ضبط تتكفل بمحاربة هذه الآفة الخطيرة. فإن البعد الترابي بما يتيحه من مقومات ناجعة تؤسس لفضاء مريح وعصري بالنسبة للمرافق العامة، يؤسس تماشيا مع مفاهيم مثل المفهوم الجديد للسلطة وتقريب الإدارة من المواطن وإشراكه في اتخاذ القرار إلى الرقي بالمؤسسات وتطوير الهياكل العميقة للدولة.