دعا خبراء مختصون في القضايا الأمنية من مختلف الآفاق، يوم السبت بمراكش، إلى التصدي بحزم للنزعات الانفصالية أينما وجدت بإفريقيا، والاعتراف بمكونات الهويات الوطنية واعتماد نظام اللاتمركز كنموذج للحكامة من أجل تحقيق انسجام الأمم وصيانة وحدتها الترابية. واعتبر هؤلاء الخبراء، خلال أشغال الدورة الخامسة لمنتدى مراكش للأمن التي اختتمت الأحد، أنه انطلاقا من تحليل عميق لمختلف الأزمات الأمنية الكبرى بإفريقيا، يبرز أن مصدر هذه الأخيرة نزعات انفصالية كما هو الحال في مالي، مؤكدين أن اعتماد مقاربة ملائمة لمواجهة التحديات الأمنية بإفريقيا، وخاصة الإرهاب وارتباطاته مع الجريمة المنظمة العابرة للحدود يستدعي ضرورة التصدي بحزم للنزعات الانفصالية في أي مكان وأينما ظهرت. وأجمع العديد من المتدخلين في إطار ورشة حول موضوع « النزاعات الترابية والهشاشة الأمنية»، على أن النزعات الانفصالية القائمة على مطالب هوياتية تعتبر مصدرا لعدم الاستقرار والهشاشة بإفريقيا. وركز منسق الشبكة الدولية للدراسات الإستراتيجية حول النزعات بإفريقيا داوودا ديالو بوباكار، بتفصيل على حالة مالي حيث تحول مطلب الانفصال إلى التواطؤ مع مجموعات إسلامية إرهابية تمكنت من التحكم والسيطرة على شمال مالي. وبالرجوع إلى ظروف الترابط بين الانفصال والإرهاب العابر للحدود بمنطقة الساحل والصحراء، حذر بوباكار من خطورة أي مشروع انفصالي في هذه المنطقة الشاسعة من إفريقيا التي تشكل فسيفساء من الإثنيات والثقافات.ودعا إلى تعزيز مفهوم الدولة-الأمة حتى تكون الدول قادرة على تأمين أمن مجالها الترابي، ولعب دورها في التعاون الإقليمي من أجل إرساء السلام والاستقرار، مبرزا أن الأمر يتعلق بالعدول عن المشاريع الانفصالية الهادفة إلى إحداث دوليات صغيرة، ليس بمقدورها تحقيق التنمية أو ضمان أمنها الترابي بشكل جدي. من جانبها، تطرقت ماريان إيفور من جامعة أوف لاند (السويد) وعضو مجموعة تفكير «تينك تينك»، لمسألة الهويات وخطر الانفصال، معتبرة أن هذا الخطر لا يقتصر على إفريقيا، ولكن قد يمتد إلى أية دولة في العالم. وبعدما ذكرت بمختلف بؤر التوتر والنزاعات ذات صلة بمشاريع انفصالية، سواء بأوروبا أو إفريقيا أو الشرق الأوسط، دعت الخبيرة إلى اعتماد مقاربة ملائمة لتدبير قضية الهوية من أجل التوصل إلى انسجام وطني داخل دول ذات سيادة تضمن الحقوق الثقافية والهوياتية للسكان. وقالت في هذا السياق، إن الديمقراطية لا تكفي لوحدها لضمان الوحدة الترابية وسيادة الدول، بل يتعين تحقيق وضمان انسجام الأمة مع الحقوق الهوياتية المعترف بها، مشيرة إلى حالة المغرب المشهود له بالتميز في هذا المسار على مستوى القارة الإفريقية من خلال تبني دستور 2011 الذي يكرس الاعتراف بمكونات الهوية الوطنية إلى جانب ترسيخه لحقوق المرأة. وبدورهم، دعا العديد من المتدخلين خلال هذه الورشة إلى تبني نظام اللامركزية كنموذج للحكامة، بغية تقليص الفوارق الترابية التي تشكل في الغالب مصدر حرمان السكان وعاملا للهشاشة تتيح البيئة الملائمة لظهور وتنامي الأنشطة الإجرامية العابرة للحدود بالمجالات الترابية المؤطرة على نحو ضعيف. وتميز هذا المنتدى، الذي نظم على مدى يومين حول موضوع «الفراغ الأمني وتوسع مناطق الهشاشة في شمال إفريقيا والساحل والصحراء»، بمشاركة العديد من المسؤولين المدنيين والعسكريين والأمنيين، إلى جانب خبراء وممثلي منظمات دولية. وشكل هذا المنتدى المنظم بشراكة مع الفيدرالية الإفريقية للدراسات الاستراتيجية تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، فضاء فريدا للنقاش والتحليل وتبادل الخبرات حول الأمن في إفريقيا. وتناول المشاركون في هذا اللقاء مواضيع رئيسية من بينها «التحولات والاختلالات الأمنية في شمال إفريقيا» و»تعقيدات الأزمات، وتضاعف الفاعلين وتحول التهديدات عبر الوطنية والمتماثلة في الساحل وشرق إفريقيا» و»هشاشة وتعقد السياقات الأمنية الجديدة في غرب إفريقيا» و»ارتفاع مستوى مناطق النزاع في إفريقيا الوسطى وفي خليج غينيا». كما شكل مناسبة لمناقشة «النزاعات الترابية والهشاشة الأمنية» و»الفراغ الأمني والملاجئ الجديدة للإرهاب الدولي» و»تأثير الحرب في سوريا على البيئة الأمنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا».