رسائل قوية وجهتها إلى المنتظم الدولي لجنة القدس في اجتماعها العشرين الذي انعقد بمراكش يومي 16 و 17 يناير 2014 ، بدعوة من جلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس وتحت رئاسته الفعلية ،وبحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس. و شارك في أشغالها وزراء خارجية الدول الأعضاء في لجنة القدس ، و الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، والمدير العام لوكالة بيت مال القدس الشريف، إضافة إلى شخصيات دولية . و كانت لحظتها الأقوى الخطاب الافتتاحي الذي ألقاه جلالة الملك عند انطلاق الاجتماع و الذي أكد فيه أن هذا الاجتماع يشكل مناسبة سانحة للتشاور والتنسيق، بشأن ابتكار الوسائل الملائمة، لمواجهة السياسات العدوانية على الشعب الفلسطيني الصامد، والمخططات الاستيطانية، والانتهاكات التي يتعرض لها الحرم القدسي الشريف، والمسجد الأقصى، و فرصة سانحة لبلورة مواقف موحدة، من شأنها المساهمة بفعالية في مسار السلام . كما اعتبر جلالته أن الدفاع عن هذه المدينة السليبة، ليس عملا ظرفيا، ولا يقتصر فقط على اجتماعات اللجنة. وإنما يشمل بالخصوص تحركاتها الدبلوماسية المؤثرة، والأعمال الميدانية الملموسة داخل القدس، التي تقوم بها وكالة بيت مال القدس الشريف، باعتبارها آلية تابعة للجنة، مشددا على كون حماية المدينة المقدسة من مخططات التهويد، ودعم المرابطين بها، لن يتأتى بالشعارات الفارغة، أو باستغلال هذه القضية النبيلة كوسيلة للمزايدات العقيمة بل يتطلب الثقة والمصداقية، والحضور الوازن في مجال الدفاع عن المقدسات الإسلامية . كما يقتضي بلورة مقترحات جدية وعملية، والإقدام على مبادرات واقعية، مع ضمان وسائل تنفيذها، وآليات تمويلها. ذلك ان القضية الفلسطينية، بما فيها القدس الشريف، هي قضية الأمة الإسلامية جمعاء . و قال جلالته» إن رئاسة لجنة القدس ليست حظوة أو جاها ، وإنما هي أمانة عظمى ، ومسؤولية كبرى، أمام الله والتاريخ . لذا، ما فتئنا نكرس جهودنا، بتشاور مع أشقائنا وشركائنا، للدفاع عن الطابع العربي والإسلامي للقدس، وصيانة هويتها الحضارية، كمهد للديانات السماوية، ورمز للسلام والتعايش بين الثقافات .» و ذكر بالمساعي والمشاورات الدبلوماسية ، التي التي بذلها في مختلف المحافل والمناسبات، لحث المجتمع الدولي، على تحمل مسؤولياته كاملة تجاه معاناة الشعب الفلسطيني الشقيق، و الوقوف في وجه مخططات تغيير الوضع القانوني للقدس، و دفع منظمة اليونسكو، للتصدي لخرق إسرائيل للاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية التراث الثقافي، والحفاظ على المواقع التاريخية والمعالم الدينية والحضارية بالقدس،المسجلة ضمن التراث العالمي المهدد بالخطر . و استحضر جلالة الملك في خطابه الافتتاحي للاجتماع العشرين للجنة القدس، إنجازات وكالة بيت مال القدس، و أعمالها الميدانية، التي لها أثرها المباشر والملموس في تحسين ظروف عيش المقدسيين . وفي هذا الصدد، قامت الوكالة، تحت إشراف جلالته ، بإنجاز العديد من الأوراش، التي تهدف للنهوض بالتنمية البشرية لأهل القدس، لتوفير سبل العيش الكريم لهم، ودعم صمودهم في وجه المضايقات الرامية لدفعهم لمغادرة أرضهم وممتلكاتهم بالمدينة المقدسة . و أشاد جلالته بالجهود الدؤوبة التي تبذلها الادارة الامريكية، بتوجيه من الرئيس باراك اوباما، وبإشراف كاتب الدولة في الخارجية جون كيري، والتي خلقت دينامية بناءة في مسار السلام، داعيا لتعزيز جو الثقة بين الاطراف المعنية، من خلال الامتناع عن كل الممارسات الاستفزازية التي من شأنها نسف هذا المسار، والتحلي بالواقعية وروح التوافق، الكفيل بإنجاح المفاوضات، و كذا التحلي باليقظة، وتضافر الجهود، لقطع الطريق أمام جماعات التطرف والظلامية، التي تحاول استغلال القضية النبيلة للدفاع عن القدس، لنشر العنف والارهاب بالمنطقة، مؤكدا على نهج استراتيجية عملية وناجعة، تقوم فيها لجنة القدس بدور حاسم، كآلية دائمة لمنظمة التعاون الاسلامي. و شدد جلالة الملك على أن القدس هي جوهر القضية الفلسطينية، وأنه لا سلام بدون تحديد الوضع النهائي للقدس الشرقية، كعاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، مؤكدا أن تحقيق السلام رهين بتنفيذ إسرائيل لالتزاماتها، ولا سيما منها خارطة الطريق، التي اعتمدها الرباعي الدولي، وأقرها مجلس الأمن فضلا عن الآفاق التي تفتحها مبادرة السلام العربي . وقال جلالته : «بقدر ارتياحنا لمنح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو بالأمم المتحدة، فإننا ندعو لتفعيل جميع القرارات الأممية ذات الصلة بالقدس وبالقضية الفلسطينية عموما . ويظل حجر الزاوية في تقوية الموقف الفلسطيني، هو تحقيق مصالحة وطنية فلسطينية صادقة، قوامها وحدة الصف الفلسطيني، بقيادة السلطة الوطنية الشرعية، برئاسة أخينا محمود عباس أبو مازن، الذي نؤكد دعمنا للجهود التي يبذلها في خدمة الشعب الفلسطيني الشقيق . « و من جهته طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في خطابه الذي ألقاه في افتتاح اجتماع لجنة القدس، بتضافر كافة الجهود لإنقاذ المدينة المقدسة من الهجمة الشرسة للاحتلال الإسرائيلي، مؤكدا على أن القدس في خطر وأن الوضع أصبح لا يحتمل الانتظار أو التأجيل . و تمخضت اشغال الاجتماع العشرين للجنة القدس عن بيان ختامي أكدت فيه على مركزية قضية القدس الشريف بالنسبة للأمة الإسلامية باعتبارها تقع في صميم الحل السياسي، وأن المساس بهذه المدينة وبالمسجد الأقصى لن يؤدي إلا إلى مزيد من التوتر والعنف واليأس وسيقود إلى نتائج وخيمة على المنطقة، ومن شأنه أن يقضي على أي فرصة لتحقيق السلام. وجددت اللجنة التأكيد أن إحلال السلام الشامل والعادل والدائم في منطقة الشرق الأوسط هو الخيار الذي تعمل من أجله الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، طبقا لقرارات الشرعية الدولية وعلى أساس مبدأ الأرض مقابل السلام ومبادرة السلام العربية وبنود خارطة الطريق، وذلك حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وذات السيادة والمتصلة جغرافيا وعاصمتها القدس الشريف، معتبرة أن المفاوضات المستأنفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، منذ يوليوز 2013، محطة حاسمة في الوصول إلى السلام وفقا لقرارات الشرعية الدولية ومرجعيات عملية السلام المعتمدة. وتؤكد، في هذا الصدد، أهمية التصدي لجميع الأفعال التي تناقض هدف السلام وتديم وتعمق الاحتلال القائم منذ 46 عاما. و عبرت اللجنة عن إدانتها وشجبها لسياسة فرض الأمر الواقع التي تعتمدها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في القدس الشريف وجميع ممارساتها العدوانية وغير القانونية والتي تسعى إلى تغيير مركز القدس الشريف القانوني وطابعها الحضاري وتركيبتها الديمغرافية بالتضييق على سكانها الفلسطينيين من خلال سحب هوياتهم وهدم منازلهم وإرغامهم على هجر مواطنهم، إلى جانب مواصلة الاستيطان ومصادرة الأراضي وبناء الجدار لتطويق القدس الشريف وعزله عن محيطه الفلسطيني الطبيعي. كما عبرت عن رفضها لقرارات سلطات الاحتلال منع المصلين من الوصول إلى المسجد الأقصى والسماح للمتطرفين اليهود الدخول لساحاته وتدنيسه، واستمرار الحفريات به وحوله، وإدخال أية تغييرات على الوضع القائم في المسجد الأقصى قبل الاحتلال، بما فيها المحاولات غير القانونية لتقسيمه بين المسلمين واليهود، زمانيا ومكانيا، تمهيدا للاستحواذ عليه واعتباره جزءا من المقدسات اليهودية. و دعت إلى تنامي الوعي بالمسؤولية الجماعية الدولية تجاه القدس باعتبار أن أية دولة أو مؤسسة أو منظمة أو جماعة أو فرد يسعى إلى الحفاظ على هوية القدس الشريف ورمزيتها هو مساهم فعلي في بناء السلام وتوفير شروط تحقيقه وتيسير أجندة الباحثين عنه . كما حثت المجتمع الدولي على تحمل مسؤولياته كاملة في إنقاذ القدس ورعاية الموروث الإنساني والحضاري العالمي المتمثل فيها، وحماية الوضع التعليمي والسكاني والثقافي بها، والضغط على إسرائيل لوقف جميع الممارسات الاستعمارية التي تستهدف تغيير الوضع القانوني للمدينة المقدسة. كما دعت جميع مكونات المنتظم الدولي إلى تحمل مسؤولياتها والضغط على إسرائيل من أجل إيقاف عملياتها الاستيطانية غير القانونية، وانتهاكاتها لحقوق الشعب الفلسطيني وإعلاناتها الاستفزازية في الأرض الفلسطينيةالمحتلة، بما فيها القدس الشريف، وتصريحات بعض مسؤوليها وادعاءاتهم غير القانونية بضم القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وذلك من أجل تهييئ المناخ المناسب لإنجاح المفاوضات المستأنفة والتوصل إلى حل عادل وشامل على أساس حل الدولتين تعيش بموجبه دولة فلسطين وإسرائيل جنبا إلى جنب، مما سيسهم في بناء علاقات سلام طبيعية بين إسرائيل وجيرانها والعالم الإسلامي، وفقا لمبادرة السلام العربي، مؤكدة دعمها للموقف الفلسطيني في المفاوضات المستأنفة، و مرحبة بالدور الجاد للولايات المتحدةالأمريكية، راعية هذه المفاوضات التي يجب أن تحسم في جميع قضايا الحل النهائي، وعلى رأسها القدس الشريف، عاصمة لدولة فلسطين المستقلة، وفق جدول زمني محدد واستنادا إلى قرارات الشرعية الدولية. وأشادت اللجنة في بيانها الختامي بالأثر الإيجابي للمساعي التي يقوم بها جلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، لحماية المواقع المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف وحث الدول على الإحجام عن كل ما من شأنه أن يعد تنازلا لصالح الاحتلال أو يمس بالوضع القانوني للمدينة المقدسة. كما عبرت عن ترحيبها بالمبادئ التوجيهية التي تبناها الاتحاد الأوروبي والتي تمنع الهيئات الإسرائيلية ونشاطاتها في القدس الشريف وباقي الأرض الفلسطينيةالمحتلة منذ يونيو 1967 من الحصول على المنح والأدوات المالية المتأتية من الاتحاد الأوروبي، الذي دعته إلى الالتزام بهذه المبادئ التوجيهية والقيام بدور أكثر فعالية لمواجهة عملية تهويد القدس الشريف. وعرفت أشغال الاجتماع العشرين للجنة القدس تنظيم جلسة تفاعلية بين وزراء الخارجية بالدول الأعضاء في اللجنة والشخصيات الدولية السالف المدعوة ، تركزت بالدرجة الأولى حول شرح الوضع الذي تعرفه القدس الشريف وتأكيد المسؤولية الدولية في الحفاظ على الوضع القانوني لهذه المدينة ومكانتها ورمزيتها وفقا للقرارات الأممية ذات الصلة . وفي ذات السياق صادقت الدورة الثانية للمجلس الإداري لوكالة بيت مال القدس، على برنامج عمل الوكالة والخطة الخماسية 2014 - 2018، التي تقدر تكلفتها التمويلية بما يناهز 30 مليون دولار. وتهم إنجاز مشاريع تنموية لدعم صمود المقدسيين وتثبيت الوجود الفلسطينيبالقدس، وتشمل قطاع التعليم والتكوين ومكافحة الهدر المدرسي وتوفير خدمات صحية مناسبة و تأهيل القطاع ، و دعم قدرات الشباب وتطوير مهارات هم وحمايتهم وتشجيع النشاط الاقتصادي و المساعدة على إيجاد فرص العمل، ودعم المؤسسات المقدسية والمساهمة في انتعاشها، والمحافظة على الموروث الثقافي والديني للمدينة، ودعم قطاع الإسكان والمساعدة في تثبيت المقدسيين على أرضهم .