أكره ما أكره النعوت التي تصف الناس بالقدح,والقدح معناه الاحتقار ,والانتقاص من قيمة الإنسان ,والازدراء به ,لذلك فكلما سمعت كلمات من هذا النوع إلا واشمأزت نفسي ,وتساءلت من الذي جناه هذا الشخص أو ذاك لكي ينعت بمثل هذه النعوت البشعة. أما حينما يأتي هذا النعت من شخص يوصف ب»الداعية الإسلامي»,فهذا أمر آخر .وهذا الأمر بالذات هو ما صدر عن السيد الفيزازي في برنامج «مباشرة معكم» في القناة الثانية ,حينما نعت النساء غير المتزوجات ب»العوانس اللواتي لم يجدن من يتزوجهن» , وأتى بأرقام يظهر أنه أتعب نفسه من أجل الحصول عليها ,وأرجع سبب العنوسة هذه إلى عدم انتشار ظاهرة تعدد الزوجات لان التعدد بالنسبة له هو العلاج الأنجع لهذه الظاهرة المعضلة. أولا إن نعت النساء غير المتزوجات بالعوانس اللواتي لم يجدن من يتزوجهن فهذا احتقار بشع لهذه الفئة من النساء ,وإهدار لكرامتهن ,لان هذا المفهوم ,كما حدده السيد الداعية ,يعني النساء اللواتي تجاوزهن الزمان في العيش تحت رعاية الزوج وأصبحن مهملات .ومعنى ذلك أن الوجود الحقيقي للمرأة يتحدد داخل الزواج ,وما يتبع ذلك من رعاية الزوج والإنجاب ,والاعتناء بالبيت. بهذا الشكل يتحدد الوجود داخل الزمان ,والاندماج داخل المجتمع بالنسبة للمرأة, في نظر هذا الداعية الإسلامي . -ثانيا. سأطرح سؤالا على السيد الداعية .هل تعيش أنت داخل الزمان؟ هل أنت منسجم في سلوكك وأفكارك وطريقة عيشك مع عصرك وواقعك؟ وقبل ذلك أنبهك ,سيدي, بأننا نعيش الآن في القرن الواحد والعشرين وليس في القرن الثامن الميلادي . ومن هنا اسمح لي أن أقول لك « أنت العانس» يا فخامة الداعية المحترم لأنك تعيش خارج التاريخ وخارج صيرورة الوجود وخارج الزمان .إن العنوسة التي تعاني منها هي عنوسة الفكر , وهذه هي الطامة الكبرى. إن المرأة بالنسبة لك جنس من نوع الأنثى ,يتأطر ويتحدد جسديا لا إنسانيا ولا فكريا , فكيف لي أن أقبلك؟ عفوا سيدي الداعية , تفصلني عنك قرون من الزمان ,تدرجت فيها أنا كامرأة عبر مراحل عديدة ,ويشكل تصاعدي, من الجهل إلى العلم والمعرفة,من الانحصار داخل البيت إلى الخروج للعمل , من التبعية للرجل إلى السعي نحو الاستقلالية وإثبات الذات ,من الخوف إلى الشجاعة,من السكوت إلى المطالبة بالحقوق .لكنني ما زلت لحد الآن أصطدم ,بين الفينة والأخرى بحواجز تعرقل مسيرتي هذه على درب التطور ,حواجز تجسدها أنت وأمثالك من المتخلفين عن الركب من العانسين فكريا ,لكن كن على يقين سأظل أناضل باستمرار لاقتلاع هذه الحواجز والعوائق إلى أن أحقق المساواة الفعلية وعلى جميع المستويات , السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية والثقافية .... , وما ذلك على عزيمة النساء الأحرار بمحال.