كأن الزمن لا يتحرك على شاشات التلفزيون المغربي بقنواته العمومية. والسبب: عروض متكررة لحلقات برامج ومسلسلات قديمة يعاد بثها في شكل متواصل، في ظل فراغ حقيقي استحالت معه الشاشات إلى ما يشبه «قنوات أرشيف». والأدهى أن الإعادات تدهمك حتى في ساعات ذروة المشاهدة التلفزيونية. العارفون بخبايا الأمور، يعزون الأمر إلى تيه تعرفه سياسة الإنتاج البرامجي في القنوات العمومية منذ سنوات. قنوات تعطل الكفاءات البشرية العاملة بها، من دون أن تمنحهم فرصا ومساحات أكبر للإبداع عن طريق الإنتاج الداخلي. قنوات، ربت نفسها، خلال السنوات الأخيرة، على التعاقد مع شركات خارجية لتنفيذ البرامج وشراء المسلسلات الأجنبية الرخيصة ودبلجتها، على رغم التكلفة المادية الهائلة التي تخلفها على موازنتها، من دون أثر حقيقي على المشاهد. ومع دخول دفاتر شروط ملزمة للقنوات، السنة الماضية، فرضتها الوزارة، أصيب التلفزيون بارتباك واسع؛ إذ تعطل الإنتاج، وبدأ الجميع يبرر التأخر في تنفيذ البرامج إلى السياسة الحكومية الجديدة، معلقين مشجب الفشل عليها. فمسلسل إعلان طلبات العروض وانتظار المتنافسين من أجل وضع مقترحات مشاريع البرامج، وطول مسطرة الانتقاء، فضلا عن احتمالات إلغاء مشاريع برامج مقترحة، في حالة عدم استيفائها للشروط القانونية والفنية؛ كل ذلك أدخل التلفزيون في حالة انتظار مملة. هذا الواقع يجرنا للحديث عن نجاعة هذا الاختيار: الحكومة تقول إنه من أجل ترسيخ نهج الحكومة في التدبير المالي للقنوات العمومية وكسر الاحتكار الذي فرضته القنوات مع شركات إنتاج خاصة، وكذا تحقيق تساوي الفرص بين المهنيين، ولا سيما أصحاب الشركات الصغرى والمتوسطة، الذين لم يستطيعوا الفوز ولو بتعاقد واحد في الماضي. بينما مسؤولو القنوات وبعض المهنيين، يقولون إن توجه الحكومة هو الذي يعرقل الإنتاج ويدخل المهنيين في عطالة، على رغم اعتراف بعضهم بكون الرضوخ لمساطر شفافة من شأنه أن يخلق فرص متكافئة أمام المتنافسين، ويكسر الاحتكار الذي كان سائداً منذ عقود من قبل شركات بعينها تفرض منطقها، مخلفة رداءة إنتاجية للبرامج، وتكريس وجوه فنية في الدراما وتنشيط البرامج المقتناة. فرض دفاتر شروط لا يمكن إلا أن يكون له مردود إيجابي على التلفزيون المغربي وجودة برامجه على المدى المنظور؛ لأنه سيفسح المجال أمام التنافسية المفضية نظريا إلى جودة الإنتاج البرامجي، خصوصا في شقه الخارجي. لكنّ هذا الإجراء كان يجب أن ترافقه تدابير موازية للمرحلة الانتقالية تفسح مساحات أوسع للإنتاج الداخلي، ولو مرحليا، وبالتالي تثمن الطاقات الدفينة في القنوات لسد الفراغ الحاصل، عوض تفويت التلفزيون، جُملة ودفعة واحدة، للشركات الخارجية، والدخول في متاهة الانتظار والتكرار.