الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    أخبار الساحة    الدار البيضاء.. توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة        تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية        بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أندري لوين، الممثل الخاص لفالدهايم:تفاصيل مفاوضاتي مع الحسن الثاني، الجنرال فرانكو، بومدين وولد داداه حول الصحراء والمسيرة الخضراء
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 11 - 01 - 2014

في سنة 1975، شغل الدبلوماسي الفرنسي أندري لوين ( 1934 - 2012) مهمة الممثل الشخصي في قضية الصحراء للأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كورت فالدهايم، بعد أن ظل يشغل مهمة الناطق باسمه منذ 1972.
وقد شارك بهذه الصفة في محادثات الأمين العام مع قادة دول المنطقة «المعنية والمهتمة» وفق توصيف الأمم المتحدة، كما أجرى مفاوضات معهم ومع وزراء خارجية دولهم.
النص التالي عبارة عن شهادة مطولة لأندري لوين، نشر في الأصل ضمن الكتاب الجماعي الصادر باللغة الفرنسية تحت عنوان»المسيرة الخضراء ( منشورات بلون، 1990)، وهو الكتاب الذي كتب مقدمته الراحل الحسن الثاني. وبمناسبة إعادة نشر المقال في سنة 2004، أضاف له صاحبه ملاحق وهوامش أغنته بكل تأكيد.
طوال أربع سنوات، من 1972 إلى 1975، جلت العالم برفقة الأمين العام للأمم المتحدة الذي كنت أناأشغل مهمةالناطق باسمه,لقد شاركت، وأنا أجلس خلفه، في جلسات مطولة للجمعية العمومية ومجلس الأمن، وفي اجتماعات العديد من المؤتمرات الدولية (فيتنام، الشرق الأوسط، قبرص، النظام الاقتصادي العالمي الجديد، أوضاع النساء)، كما شاركت بمعيته في مؤتمرات قمة منظمة الوحدة الإفريقية ودول عدم الانحياز.
وفي مكتبه العصري والمألوف بالطابق الثامن والثلاثين، المشرف على الضفة الشرقية بنيويورك، رأيت وسمعت رؤساء دول ووزراء وسفراء يعارضون بعضهم البعض بحيوية، يصوغون ويناقشون مخططات تسوية، يأخذون وقتا للتأمل ويتوصلون، في النهاية وفي كثير من الأحيان، إلى وضع حد، على الأقل مرحليا، لخلافات كان يمكنها أن تهدد بخطورة السلم في العالم أو في إحدى مناطقه.
لكن سنة 1975 وسمت بعمق ذاكرتي وفكري، بل إنها وسمت أيضا وجداني. إن حيوية ذكرياتي الشخصية تدفعني دائما إلى التفكير فيها بنوع من الحنين. فخلال السنة الأخيرة تلك من اشتغالي بالأمم المتحدة، كان لي حظ تكليفي من طرف كورت فالدهايم بمهمتين ذاتي أهمية قصوى. تمثلت المهمة الأولى في التفاوض لتطبيع العلاقات بين غينيا الرئيس سيكو توري من جهة، وألمانيا الفيدرالية وفرنسا من جهة أخرى. وهي المهمة التي تجندت لإنجازها من ربيع 1974 إلى 14 يوليوز 1975، اليوم الذي تم خلاله الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين كوناكري وباريس مع إطلاق سراح أكثر من عشرين فرنسيا كانوا سجناء في غينيا منذ سنوات طويلة.
بعدها، كان الرئيس فاليري جيسكار ديستان قد عينني سفيرا مقبلا في غينيا، وجدت نفسي متدخلا في إحدى المراحل الحاسمة في قضية الصحراء الغربية، وذلك في نهاية أكتوبر- بداية نونبر 1975 قبيل انطلاق المسيرة الخضراء،بينما مجلس الأمن في اجتماع شبه دائم بنيويورك والمبعوثون الرسميون يزورون العواصم «المعنية والمهتمة» (1)، و350 ألف مشارك في المسيرة، مسلحين فقط بالقرآن وراية خضراء والعلم المغربي الأحمر، يتجمعون قرب حدود المنطقة المعنية. وفي نفس الوقت، كان الجنرال فرانكو يقاوم يوما بعد يوميا الموت في مدريد (2). في ظل تلك الظروف إذن، كلفني الأمين العام بمهمة كانت تبدو للجميع مستحيلة النجاح وهو ما حدث بالفعل إلى حد كبير: السعي إلى دفع جميع الأطراف لقبول مبدأ وضع مخطط للأمم المتحدة لحل النزاع، وجعل ملك المغرب يتراجع عن المسيرة الخضراء. ورغم محدودية النتائج المحققة، فإن هذه المفاوضات تبدو لي جديرة بأن تحكى نظرا لقيمة الشخصيات التي التقيت بها وأهمية ردود فعلها خلال مرحلة الأزمة الحادة تلك.
بداية قضية الصحراء
في النصف الأول من سنة 1975، بدأت قضية الصحراء الغربية تحتل المكانة الأولى في الساحة الدولية وتحشد اهتمام المندوبين في الأمم المتحدة، علما أن الملف أحيل تباعا على أهم هياكل هذه الأخيرة: الجمعية العامة، مجلس الأمن، محكمة العدل الدولية واللجنة الخاصة المعنية بحالة تنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة (المعروفة أيضاً باسم اللجنة الخاصة المعنية بإنهاء الاستعمار أو لجنة الأربعة والعشرين... رغم أنها مكونة من 25 دولة عضوا!).
كانت معرفتي حول الصحراء، الموسومة أيامها ب «الإسبانية»، عرضية، ذلك أنني، في سنة 1958 وأنا أؤدي خدمتي العسكرية في صفوف القوات الجوية الفرنسية، قضيت أياما وأنا أحلق بالطائرة فوق المناطق الصحراوية الفسيحة، متوقفا بين الفينة والأخرى في الأماكن الواقعة فيما بعد تندوف بالساقية الحمراء (3). تركت حينها المهابة المتقشفة لتلك الفضاءات الشاسعة تأثرا كبيرا في نفسي، ومعها الإصرار الهادئ والصارم في ذات الآن للصحراويين وكرمهم الودي، هم الذين كانت مخيماتهم وقطعانهم متمركزة حول القلاع الصغيرة المراقبة من طرف وحدات عسكرية إسبانية قليلة العدد والعاطلة.
غمرني اهتمام كبير بالموضوع حين قرر الأمين العام الذهاب بنفسه إلى المنطقة في شهر يونيو 1975، علما أن البعثة التي أرسلتها لجنة ال 24 كانت موجودة في عين المكان منذ شهر، وهي البعثة التي كان يقودها ممثل كوت ديفوار اللطيف وذلق اللسان والسمين، سيميون أكي (الذي سيصبح لاحقا وزيرا لخارجية بلاده طوال 13 سنة)، وكانت تضم السيدة مارتا خيمينيز مارتينيز، من وزارة الشؤون الخارجية الكوبية، ومانوشيهر بيشفا، نائب الممثل الدائم لإيران لدى الأمم المتحدة، والتي كان يرافقها تسعة موظفين في أمانة الأمم المتحدة. وفي لاهاي، كانت محكمة العدل الدولية قد شرعت في أشغالها التي ستسمح لها، في أكتوبر، بتقديم رأيها الاستشاري الذي طلبته منها الجمعية العامة في دجنبر السابق (4).
نقلتنا طائرة «ميستير 20» تابعة لشركة «آيروليزينغ»، يوم الاثنين 9 يونيو، من فيينا حيث كان الأمين العام يقضي بضعة أيام، إلى الجزائر العاصمة. كان الرئيس هواري بومدين ينتظرنا في الفيلا العربية الرائعة (...) الواقعة في مرتفعات المدينة حيث كان يستقبل ضيوفه الرسميين. جمعنا اجتماع عمل أول في قاعة صغيرة معتدلة البرودة ومظلمة، وقد عرض رئيس الدولة الجزائرية، الذي كان يضع عباءة جميلة مطرزة ذات لون أزرق ليلي، الموقف الجزائري وشدد على إرادته في أن تحل قضية الصحراء الغربية من طرف الأمم المتحدة مع الأخذ بعين الاعتبار، عير اللجوء إلى استفتاء لتقرير المصير، لإرادة الساكنة الصحراوية. وكنا قد استمعنا من قبل إلى وزير الخارجية، عبد العزيز بوتفليقة، وهو يدافع عن نفس وجهة النظر ببراعة واندفاع لم ينل منهما طول ورتابة توضيحاته. وبالفعل، فقد التقينا به باستمرار خلال السنة السالفة، حين كان يترأس الدورة 29 للجمعية العامة.
«مشوي» بومدين
وشكل طبق المشوي، الذي قدم لنا بعدها في شرفة صغيرة ذات أعمدة بجدائل زخرفية، أيضا مناسبة للنقاش حول الصحراء ونقد التردد الإسباني والتصلب المغربي. لن أنسى أبدا الرئيس بومدين وهو يفصل لنا أضلع الكبش المشوي ويرشها بغزارة بحشوة النعناع اللذيذة التي كانت تعطر اللحم، لن أنسى أبدا برهنته الحاسمة وحيوية حركاته. وقد كان لزاما علينا تغيير بدلاتنا في حجرة الطيار الصغيرة داخل الطائرة التي أقلتنا مباشرة بعد وجبة الغداء إلى نواكشوط، وهو تمرين كان صعبا بالنسبة لكورت فالدهايم ذي القامة الطويلة التي لم يلائمها صغر حجم حجرة طائرة «ميستير 20»!
كانت وجبة عشاء أكثر هدوءا وراحة تنتظرنا في نواكشوط في إقامة الرئيس المختار ولد داداه، حيث التقينا مجددا بالوزير الموريتاني للخارجية، حمدي ولد مكناس. أكد لنا رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية أن موقفه، المتلائم تماما مع مبادئ الأمم المتحدة، هو الدفع بالاعتراف بالهوية الأصلية للساكنة من شمال الصحراء إلى جنوبها، وأن الأمر يتعلق بشعب واحد قسمه الاستعمار. كانت موريتانيا تساند مطالب المغرب حول المناطق التي كانت لها روابط إثنية وتاريخية مع المملكة، مثلما كان المغرب يساند حقوق موريتانيا في جنوب المنطقة. وإذا كان من اللازم تنظيم استفتاء (وهو مالم يكن يبدو ضروريا نظرا لعقلية السكان)، فإنه يجب أن تنظم الاستشارة من طرف الأمم المتحدة وليس من طرف الإسبانيين.
ٍمع نهاية هذا اليوم الأول، كنا قد سافرنا على متن الطائرة طوال تسع ساعات و15 دقيقة، وقضينا أكثر من ثماني ساعات في النقاش، ولذا كان نومنا تحت سماء موريتانيا المرصعة بالنجوم عميقا وشافيا. في اليوم التالي، 10 يونيو، قادتنا الطائرة من نواكشوط إلى الرباط. وهناك عقد الأمين العام لقاء ثنائيا أولا مع الحسن الثاني لتبادل وجهات النظر. عقبها، وبعد حفل غداء نظمه الوزير الأول عصمان، انعقدت جلسة عمل بين الوفدين.
سجلنا أن المغرب يؤاخذ إسبانيا بحدة على بطء تصفية الاستعمار التي كانت الحكومة المغربية تطالب بها باستمرار وقدمت بصددها طلبا للأمم المتحدة منذ الدورة العشرين للجمعية العامة. كان الحسن الثاني يؤكد، على غرار والده محمد الخامس الذي قام بذلك في 1958، على الطابع المغربي الأصيل للصحراء الإسبانية، وعلى أن الاستعمار وحده هو الذي فصلها مؤقتا عن بلده. إن التاريخ، والدين، والقانون، والواقع الإثني والمعطيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية كلها عوامل تجعل مطلب استرجاع المغرب لهذا الجزء من ترابه مطلبا طبيعيا وغير قابل للمنازعة. لقد كان من الممكن أن يقود التركيب الحكيم لمبادئ تصفية الاستعمار وكذا احترام الوحدة الترابية للدول، أن يقود إلى تنظيم استفتاء في السابق، لكن حظوظ مسطرة مثل هذه قد نسفت بفعل السياسة الإسبانية وطموحات أولئك الذين يسعون إلى اختلاق دولة جديدة مطلة على المحيط الأطلسي، تعزل المغرب وتبتر منه جزءه الجنوبي وحدوده التاريخية المشتركة مع موريتانيا. ورغم كل هذا، وإذا كان من اللازم تنظيم استفتاء، فإن ذلك يجب أن يتم من طرف الأمم المتحدة، كما يجب أن يؤدي السؤال المطروح إما إلى استمرار الحضور الإسباني أو إلى العودة إلى الوطن- الأم المغربي. لكن المغرب كان يشك بقوة في إمكانية تطبيق مثل هذه المسطرة في ذلك التوقيت.
مساء، وخلال المأدبة الرائعة المقامة على شرفنا في القصر الملكي، فوجئت بالمفارقة القائمة بين تأنق المائدة الشديد ونوعية المأكولات ولطف الحوار، وبين العزيمة غير القابلة للترويض والإصرار الراسخ والطاقة المتينة التي كان يضعها القادة المغاربة، بكل اتجاهاتهم، في خدمة قضية شعبهم وأمتهم.
تابعنا جولتنا يوم 11يونيو في اتجاه مدريد ,حيث كنا سنمكث يومين. وكانت الذكرى الأساسية التي ترسخت في ذهني خلال زيارة هذا البلد (وهو حينها القوة المستعمرة للصحراء) هي اللقاء، يوم 12 يونيو في قصر باردو، مع الجنرال فرانكو الذي كان جد وهن ونحيل، ويده ترتعش وهو يحتسي كأس «كزيريس» أو يتصفح بشكل غير لافت للانتباه ملفه، لكنه كان في نفس الوقت حاسما في مواقفه وأقواله، مرتديا زيه العسكري الذي أصبح واسعا عليه.
فرانكو يعلن نية الرحيل
تأثرت وأنا أنصت لهذا الرجل المتربع على كرسي السلطة منذ حوالي أربعين سنة (السلطة التي تولدت بالضبط انطلاقا من القوات المرابطة في تلك الحقبة في الصحراء الإسبانية وجزر الكناري)، وهو يصرح، بنبرة ملؤها الأسف, لكن بثقة بالنفس: « إذا لم يعد هؤلاء السكان يرغبون في بقاء إسبانيا، فمن الواضح أنه على إسبانيا الرحيل»، طالبا من الأمم المتحدة مساعدة بلاده في مسلسل الانسحاب هذا. لقد بدا لنا أن الموسيقى الآلية للحرس الشرفي التي رافقتنا بعدها إلى سياج الحديقة، بينما بوق حزين يصدر رنينا موجها إلينا والكاوديو يبتعد ببطء، يمسكه بقوة ويسنده حارسان شخصيان، بدا لنا أن المشهد مؤشر على نهاية حكم ومرحلة تاريخية.
بدا جليا إذن لكل الذين رافقوا الأمين العام خلال هذه الزيارة الأولى للدول الأربعة «المعنية والمهتمة» حسب العبارة المدرجة بمهارة في الأمم المتحدة، أن لا أحد من بين المسؤولين يرفض تدخل الأمم المتحدة للبحث عن حل سلمي للقضية، وذلك رغم الفوارق الدقيقة التي كانت ملموسة في بعض الأحيان. وهذه الملاحظة هي التي جعلت الأمين العام كورت فالدهايم يصوغ، بعد شهور وحين بدت الأزمة أكثر حدة، المخطط الذي حمل اسمه مدة من الزمن، والذي كلفت بتقديمه لجميع الأطراف، إن لم يكن الحصول على الموافقة عليه.
فعلا، لقد عرف الوضع تطورا كبيرا بعد مرور أربعة أشهر. تكاثرت المواجهات خلال الصيف في المنطقة ونواحيها، مؤدية خاصة إلى وفاة العديد من الجنود الإسبانيين بينما تعرض الكثيرون للأسر من طرف الجانبين، أما البوليساريو (5)، الذي خلق قبل سنتين والذي لم تكن الجزائر تبخل عليه بالدعم (6)، فتضاعفت حركته. وكانت البعثة الزائرة للجنة الأربعة والعشرين قد قدمت، في 10 أكتوبر، تقريرها الذي جاء فيه أن «وضع التوتر العام، الذي له آثار وامتدادات في الدول المجاورة، يحتضن بكل تأكيد إطارا على الحفاظ على السلم والأمن في المنطقة».
يوم 16 أكتوبر 1975 في لاهاي،أعلن رئيس محكمة العدل الدولية عن الرأي الاستشاري لهذه الأخيرة، وهو الرأي الذي اغترف منه، على التو، كل طرف من العناصر التي تؤيد أطروحته، لكن خلاصاته حول «الروابط القانونية» بين سكان الصحراء الغربية والمملكة الشريفة وموريتانيا و»بيعتهم» إياهما دعمت على وجه الخصوص موقف الرباط ونواكشوط، وذلك رغم تشديد المحكمة على ضرورة تقرير مصير السكان.
في اليوم نفسه، أعلن ملك المغرب، عبر خطاب للأمة نقله التلفزيون، أنه سيقود شخصيا وقريبا 350 ألف مدني مغربي في مسيرة خضراء سلمية وبدون سلاح إلى العيون، عاصمة المنطقة الواقعة في جنوبها، وأنه سيتم اجتياز الحدود يوم 28 أكتوبر (7).
ويوم 18 أكتوبر، سيوجه مندوب إسبانيا لدى الأمم المتحدة، خيمي دي بينييس، رسالة إلى رئيس مجلس الأمن حينها، سفير السويد أولوف ريدبك، يطلب منه عبرها دعوة المجلس لاجتماع طارئ قصد مواجهة ما وسمه ب «الاحتلال».
عقب مشاورات مكثفة احتضنها المكتب الرئاسي الصغير الواقع في الطابق الثاني لمقر الأمم المتحدة، خلف قاعة مجلس الأمن، اجتمع هذا الأخير في آخر المطاف يوم 22 أكتوبر، على الساعة 11 و25 دقيقة في دورته رقم 1849 منذ نشأته. وقد حضر الاجتماع، بالإضافة إلى ممثلي الدول الأعضاء في المجلس الخمسة عشر، كل من سفراء مندوبي إسبانيا والمغرب (إدريس السلاوي) والجمهورية الإسلامية الموريتانية (مولاي الحسن) والجزائر (عبد اللطيف رحال) الذين سمح لهم بتناول الكلمة خلال المناقشات، وبالطبع فقد تم إشراك كورت فالدهايم وأهم معاونيه باستمرار في النقاشات.
وخلال جلسة ليلية طويلة، انطلقت في الساعة الثامنة مساء و40 دقيقة في اليوم نفسه، اعتمد المجلس بالتوافق قراره رقم 377 (1975) الذي طُلب بمقتضاه «إلى الأمين العام الدخول في مشاورات فورية مع الأطراف» وناشد الأطراف المعنية والمهتمة بضبط النفس والاعتدال. ولم يعرض على الاجتماع للتصويت مشروع قرار آخر كان قد هيأه السفير سالازار، ممثل كوستا ريكا، مشروع طالب، كإجراء مستعجل، الحكومة المغربية بالتراجع عن «المسيرة المعتزمة للصحراء الغربية».
اللقاء مع الحسن الثاني في سد المسيرة
بعد الوقت الضروري لإجراءات السفر، غادرنا نيويورك بعد يومين، أي يوم 25 أكتوبر، متوجهين إلى باريس. ومن هناك، أقلتنا مجددا طائرة «ميستير 20» التابعة لشركة «أيروليزنغ»، في الصباح الباكر ليوم 26 أكتوبر، إلى مراكش. كانت طائرة مروحية في انتظارنا هناك لنقلنا إلى الجبل، إلى سد «المسيرة» الذي كان ملك المغرب سيدشنه في نفس اليوم وسط احتفالات شعبية بهيجة. علي الاعتراف بأن اهتمامنا لم يكن منصبا حول هذه التظاهرة، لكننا أنصتنا للملك الحسن الثاني وهو يستشهد بآيات قرآنية لتفسير سياسته المائية:
«وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ» (8)، مضيفا أن «القرآن لم يرد القول إن الأمر يتعلق بعمل مستحيل، بل إنه دعا الناس إلى عمل في متناولهم... هذه السياسة ليست فقط سياسة الحسن الثاني، بل هي سياسة جميع المغاربة في تلاحم مع عاهلهم».
كنا نفكر بالأحرى في ذلك العمل الجماعي الآخر الذي كان الملك يهيئ له في تلاحم مع شعبه. تحت الخيمة العملاقة المنصوبة قرب السد، شرح الحسن الثاني موقفه للأمين العام. وقد شدد على أنه لا يجب اعتبار المسيرة الخضراء ظاهرة منفصلة عن سياق الوضع في الصحراء الغربية التي انطلقت حولها مفاوضات مباشرة مع إسبانيا. وفي حالة عدم نجاح هذه المفاوضات الثنائية، فإنه من الممكن دائما اللجوء إلى الأمم المتحدة للبحث عن حل ملائم. إن نوايا المغرب سلمية، ولا يمكن وصف مسيرة يجمع عليها شعب برمته يريد العودة إلى بلاده بأنها احتلال. قبل أن نتركه، قال كورت فالدهايم للملك إنه سيحيطه علما بفحوى المشاورات مع الحكومات الأخرى بواسطة ممثل شخصي. هل كان يفكر في تلك اللحظة في تكليفي بهذه المهمة؟ لست أدري، لكنه لم يقل لي شيئا حول الموضوع في جميع الأحوال.
في الطائرة التي نقلتنا في اليوم نفسه إلى نواكشوط التي وصلنا إليها مع حلول الليل، شرعت بعثتنا القليلة العدد في الاشتغال بجدية على مخطط للأمم المتحدة حول الصحراء الغربية، وهو المخطط الذي سنقوم بتعديله وتتميمه في كل محطة من محطات زيارتنا حسب تصريحات محاورينا. إذا كنا قد غادرنا نيويورك وبحوزتنا ترسيمة بسيطة (الملحق 1)، فإننا سننتهي، عقب محطات زيارتنا المتتالية الأربعة، إلى صياغة نص أكثر تعقيدا يمكن اعتباره مجمل «مخطط فالدهايم» الذي لم ينشر إلى حدود الآن حسب علمي (الملحق 2) (9).
كان الرئيس المختار ولد داداه متفقا إلى أبعد حد مع الموقف المغربي، ويفضل من ثمة اتفاقا مع إسبانيا من جهة، ومع المغرب من جهة ثانية. لكنه، وفي حالة فشل هذه المفاوضات المباشرة، فإنه سيكون على الأمم المتحدة الاضطلاع بالدور الرئيسي.
في اليوم اللاحق، 27 أكتوبر، قضينا خمس ساعات في الطائرة للوصول إلى الجزائر العاصمة، حيث شرح الرئيس بومدين موقف بلاده، رافضا بشكل قطعي المطالب المغربية والموريتانية، معترضا على تأويل الرباط ونواكشوط لرأي محكمة العدل الدولية، ومجددا مساندته التامة للساكنة الصحراوية التي يجب أن تتمتع بحقها في تقرير المصير. ليست للجزائر مطالب ترابية في الصحراء الغربية، وهي ستعتبر كل حل لا يأخذ بعين الاعتبار كليا القرارات الأممية حلا باطلا وغير مقبول. وحسبه، فإن «المسيرة الخضراء» مخالفة تماما لهذه القرارات وبناء عليه، فالجزائر لن تقبل بأي «أمر واقع». وبالمقابل، فإنه بإمكان استفتاء منظم من طرف الأمم المتحدة أن يقرر بكل حرية مستقبل المنطقة والجزائر ستقبل نتائجه كيفما كانت.
في المساء نفسه، حلقنا فوق البحر الأبيض المتوسط لنصل إلى مدريد حوالي الساعة العاشرة ليلا و30 دقيقة. وفي اليوم التالي، 28 أكتوبر، ناقشنا الأوضاع مع رئيس الحكومة الإسبانية، كارلوس أرياس نافارو، وأيضا مع وزير الشؤون الخارجية، بيدرو كورتينا إي موري. كانت الأجواء مشحونة وجد متوترة. قام الحسن الثاني بتأجيل انطلاق المسيرة الخضراء بضعة أيام، من تاريخ 28 أكتوبر الأولي إلى يوم 6 نونبر، حفاظا على حظوظ نجاح المفاوضات المباشرة مع الحكومة الإسبانية. لكن قادة مدريد كانوا يترقبون، باستمرار، الأخبار حول صحة الجنرال فرانكو الذي أصيب بوعكة خلال انعقاد مجلس للحكومة يوم 15 أكتوبر، وتعرض لعدة نوبات قلبية بين 21 و24 أكتوبر، كما أن أطباءه اعتبروا وضعه جد مقلق يوم 28 أكتوبر. لقد انطلق إذن احتضار طبي طويل تناولته وسائل الإعلام الدولية، وبعدها بيومين، أي في 30 أكتوبر، سيتحمل الأمير خوان كارلوس مؤقتا سلطات رئيس الدولة في انتظار وفاة الكاوديو يوم20 نونبر.
في هذا السياق الصعب إذن قامت الحكومة الإسبانية بإخبار كورت فالدهايم بموقفها. وبالفعل، فإن مدريد تفاوضت مباشرة مع الرباط ونواكشوط بسبب الطابع المستعجل للأوضاع المتولد عن المسيرة الخضراء، لكنها كانت ترغب الى حدود تلك الفترة تفادي أي حل ثنائي أو ثلاثي الأطراف. يجب أن يحظى أي اتفاق محتمل بقبول جميع دول المنطقة، ومدريد لا ترى أي مانع في النقاش مع الجزائر كما اقترح عليها فالدهايم ذلك. وفي جميع الأحوال، فمدريد مستعدة للتعاون بشكل تام مع الأمم المتحدة التي يمكن أن تضطلع بتسيير الأراضي الصحراوية مؤقتا إلى حين تعبير السكان عن رأيهم.
وهكذا، فقد أصبح بالإمكان إضافة آخر عناصر «مخطط فالدهايم» لنصنا الأولي.
مفاجأة مغربية موريطانية
كانت مفاجأة في انتظارنا في مطار مدريد، حيث توجهنا لنركب الطائرة في اتجاه نيويورك. وبالفعل، فقد صادفنا هناك وزيري خارجية المغرب وموريتانيا، أحمد لعراقي وحمدي ولد مكناس، اللذين جاءا لمواصلة المفاوضات المباشرة مع نظيرهم الإسباني. وعقب نقاش مفعم بالحيوية توقف بسبب وشوك موعد إقلاع الطائرة التابعة للخطوط الجوية الأيبيرية، التفت كورت فالدهايم فجأة نحوي، وسلمني الملف المحتوي على «مخطط فالدهايم» طالبا أن أقوم باسمه بزيارة جديدة للعواصم المعنية والمهتمة لتقديم المخطط لها والحصول، حسب الإمكان، على موافقة مبدئية من الجميع على مناقشته. وضع الأمين العام رهن إشارتي طائرة «ميستير 20» التي كانت لا تزال تنتظر في المطار قبل العودة إلى قاعدتها في جنيف. لم أسترجع بالطبع أمتعتي التي سبق شحنها على متن طائرة بوينغ التابعة للخطوط الجوية الأيبيرية، واستمعت إلى آخر تعليماته قبل التحليق بعد وقت وجيز في اتجاه مراكش، حيث كان ملك المغرب قد استقر ليكون قريبا من عشرات آلاف المغاربة الذين يتجمعون قصد المشاركة في المسيرة الخضراء.
وزير الإعلام المغربي، أحمد الطيبي بنهيمة، هو من استقبلني في المطار وقادني لأستقر في فندق المامونية الفخم. قال لي إن حظوظ موافقة الملك على استقبالي ضئيلة بسبب إصابته بوعكة صحية وإيوائه إلى قصره. وأنا أتساءل بقلق حول مآل مهمتي، وصلتني ورقة مكتوبة بخط اليد من طرفه في الزوال: «سيأتي السفير بومهدي والسلطة المحلية لمرافقتكم من الفندق في الساعة السادسة والنصف مساء. شكرا على مهمتكم. بنهيمة».
وصف قاعة القصر
في الوقت المحدد، رافقوني إلى القصر وتركوني وحيدا في قاعة دافئة ومريحة، تلبدها ستائر سميكة تجعل ظلا خفيفا يلف الزرابي الفاخرة والأرائك الجلدية العريضة ومكتبا كبيرا فوقه ملفات كثيرة. جلست طويلا وأنا أراجع أوراقي. بعدها ارتفع ستر: ها هو الحسن الثاني يحضر لاستقبالي. إنه متوتر بصورة ملحوظة، يشكو من الحمى، لكن نظرته تشع بشرارة داخلية وبحيوية كبيرة، وهو يرتدي معطف بيت داكن اللون. مد يده لمصافحتي، ارتسمت على محياه ابتسامة خفيفة وهو يقول لي إنه أصر على مقابلتي، رغم وضعه الصحي وتعبه ومسؤولياته المتعددة، كعربون على تقديره للأمم المتحدة.
قدم لي الحسن الثاني تذكيرا شاملا بالأوضاع، وأكد أنه على وشك التوصل إلى اتفاق مباشر مع إسبانيا. وإذا حاولت الأمم المتحدة التدخل بموازاة هذا الاتفاق، فإنها ستعرقل مسيرة التاريخ وتتحمل نتائج ذلك، والمغرب مستعد، في أسوأ الاحتمالات، للانسحاب من المنظمة الأممية. المسيرة الخضراء لا تشكل أي تهديد للسلم، ولن يسيل الدم إلا إذا واجهت قوات إسبانية أو عناصر أخرى مدعومة من الخارج العودة الظافرة للشعب المغربي إلى هذا الجزء من أراضيه التاريخية. وستؤول مسؤولية ذلك إلى الذين سيستعملون الأسلحة أولا. وللتذكير، فإن الجيش الإسباني وضع حينها الألغام على طول الطرق التي كان من المحتمل أن يسلكها متطوعو المسيرة الخضراء. وبالنسبة له، ف «مخطط فالدهايم»، الذي هو على علم به سابقا، مخطط متجاوز ومن ثمة عديم الجدوى. لقد كان حزمه وتصميمه مؤثرين، كما أن نبرة صوته أصبحت أكثر صرامة مثلما كرر كلماته.
حاولت تقمص دور محامي المشروع الأممي، موضحا له أنه إذا كان المغرب واثقا من حقه ومن رغبة السكان الصحراويين، فإنه لن يتعرض لأي خطر في حالة قبوله لتدخل الأمم المتحدة. لكن الملك لم يكن يثق، بشكل جلي، إلا في حدود معينة في نوايا جيرانه الجزائريين وفي نوايا أولئك الذين يسعون، ضمن المجموعة الدولية، إلى زرع بذور البلبلة عبر المساعدة على إنشاء دويلات ثورية تابعة لهم. ليس ثمة مكان للفوضى في هذا الجزء من إفريقيا والأمور ناضجة لإيجاد حل، كما أن الأمم المتحدة تحتاج إلى كثير من الوقت لتنفيذ مسطرة من هذا القبيل، ولذا فهو يعترض عليها.
بعدها، وطوال نصف ساعة، تبادلنا الأفكار والحجج. كانت الأجواء قد أصبحت تدريجيا أقل ضغطا، كما قدم لنا شاي بالنعناع. لم يكن الملك يرغب في سماع أي شيء متعلق بمخطط فالدهايم، وأكثر من ذلك، فإنه لم يكن يرغب إطلاقا قبول الحصول على نسخته التي كانت بحوزتي. وفي نهاية الاستقبال، جلس خلف مكتبه، بينما أنا واقف أمامه. لاحظ مظهري خائب الأمل فابتسم لي قصد توديعي. حاولت للمرة الأخيرة أن أجعله يتراجع عن موقفه.
آخر حوار مع الحسن الثاني
- «هل أنت متأكد، جلالة الملك، إلى هذا الحد بأنك ستتوصل إلى عقد اتفاقية ثنائية مع إسبانيا؟»
- «أنا جد متأكد من هذا»، أجابني.
- وإذا لم يحصل ذلك، لأسباب خارقة، أليس من الأفضل أن تكون متوفرا على نسخة كاملة من مخطط فالدهايم؟»
ابتسم ثانية وقال لي:
- «هيا، هات أوراقك، لكنني أصر على عدم تسلمها بيدي. ضعها فوق مكتبي، هكذا يمكنك أن تقول، على الأقل، إنك أديت مهمتك وأن ملك المغرب قبل التوصل بهذا المخطط».
وهذا بالضبط ما فعلته وأنا أولج الملف فوق مرفقة ورق جلدية بين ركامي ملفات. صافحني الملك، تمنى لي حظا سعيدا ورافقني بضع خطوات في اتجاه الباب. وفي اليوم التالي، أرسل لي زربية مغربية رائعة وجدنا صعوبة كبيرة في وضعها بين مقاعد الطائرة. شعرت بفخر كبير لأن الزربية تلك بدت لي أجمل من تلك التي توصل بها أياما من قبل الأمين العام للأمم المتحدة بنفسه!
لم أكن بحاجة للذهاب إلى نواكشوط لأن وزير الخارجية الموريتاني، ولد مكناس، كان قد حصل على نسخة من المخطط مباشرة من طرف كورت فالدهايم في مدريد، العاصمة التي عاد منها ليسلم النسخة للرئيس ولد داداه. هكذا ذهبت إذن إلى الجزائر العاصمة يوم 29 أكتوبر، حيث لم تواجهني، بكل تأكيد، أدنى صعوبة لإقناع الرئيس بومدين بأهمية مخطط فالدهايم التي كانت العديد من مقتضياته متوافقة مع مواقفه. وكان علي أن أقدم المخطط في مدريد، التي وصلت إليها يوم 30 أكتوبر، تقريبا في نفس وقت وصول بعثة جزائرية رفيعة المستوى كانت تضم الكولونيل محمد بن أحمد عبد الغني، عضو مجلس الثورة ووزير الداخلية، وحمداني إسماعيل، نائب الكاتب العام لرئاسة الجمهورية، والكولونيل سليمان هوفمان مستشار الرئيس.
بعد لقاء سريع مع رئيس الحكومة الإسبانية والكاتب العام للشؤون الخارجية لعرض نتائج جولتي في اليوم نفسه الذي تسلم خلاله الملك المقبل خوان كارلوس السلطة في البلاد مؤقتا، عدت إلى فندق «ريتز» حيث كنت اقطن. وفي المساء، توصلت بمكالمة هاتفية من سفير الجزائر بمدريد وأنا أحرر تقريرا حول مهمتي.
- «هل تريد المجيء لتناول العشاء في إقامتي، قال لي، ستلتقي فيها بشخصيات مهمة».
كنت أعرف هذا السفير الشاب واللطيف، نور الدين الخلادي، إذ سبق لي اللقاء به من قبل. وجدت، حول مائدة العشاء، أعضاء الوفد الذي حضر من الجزائر لمحاولة إحباط توقيع الاتفاق بين مدريد والرباط ونواكشوط في آخر لحظة. مر العشاء في جو مريح، وحين حلت لحظة تناول القهوة، فوجئت بانسحاب باقي الضيوف الواحد تلو الآخر ومغادرتهم قاعة الأكل. بقيت وحيدا خلال وقت طويل، محتسيا فنجان قهوة تلو الآخر، قبل أن يعود مضيفي.
- «هل تريد مرافقتي؟ لدينا أشياء مهمة ومفيدة بالنسبة لمهمتك نريدك أن تراها».
اقتفيت خطاه. نزلنا إلى قبو الإقامة، لنجد هناك نصف دزينة من الرجال الجالسين أرضا فوق زرابي مكدسة، كانوا يرتدون الجلابيب ويتناقشون بحماس مع الجزائريين. جلست وسطهم، وجلس السفير بقربي لترجمة أقوالهم لأنهم كانوا يتكلمون جميعا باللغة العربية. فهمت بسرعة أن الأمر يتعلق بعدة أعضاء في هيئة كورتيس البرلمانية الإسبانية التي كانت تعقد جلسة حينها.
كان البرلمانيون الصحراويون يتناولون الكلمة الواحد تلو الآخر، وقد لفت انتباهي على وجه الخصوص أحدهم بفعل حدة نظرته ونبل هيئته وكبرياء كلماته. أكدوا جميعا (وهذا ما بدا لي على الأقل من خلال ترجمة أقوالهم لي) على إرادتهم في أن لا يظلوا إسبانيين، وعلى رغبتهم في الحفاظ على خصوصيتهم الصحراوية وعلى أمنيتهم في أن تشرف الأمم المتحدة على استفتاء لتقرير المصير يسمح لشعبهم بممارسة حقوقه والتعبير عن رأيه حول مستقبله. ولقد أكدوا جميعا اعترافهم بالجميل للجزائر بفعل دعمها لقضيتهم على المستوى السياسي والمادي في نفس الوقت. غادرت هذا الاجتماع الغريب في وقت متأخر من الليل، بعد أن وعدت الحاضرين بنقل أقوالهم إلى الأمين العام.
ٍيوم الجمعة 31 أكتوبر، عدت إلى نيويورك لأقدم تقريري إلى الأمين العام في مساء اليوم ذاته، وهو التقرير الذي أمضينا جزءا من يوم السبت لمناقشته. صادف هذا اليوم فاتح نونبر، وتبعا للتقليد الشهري، ووفق الترتيب الأبجدي، انتقلت رئاسة مجلس الأمن من ممثل السويد إلى مندوب الاتحاد السوفييتي، ياكوف ماليك. استمرت المشاورات المكثفة إلى وقت متأخر من الليل، وكان القائم الإسباني بأعمال، السيد أرياس-سالغادو قد أرسل رسالة جديدة تطلب بلاده من خلالها عقد اجتماع طارئ للمجلس بسبب التهديدات الخطيرة للسلم المتولدة عن عدم التراجع على تنظيم المسيرة الخضراء. وكان مقررا أن يقوم الأمير خوان كارلوس، يوم 2 نونبر، بزيارة للصحراء الإسبانية لتفقد قوات بلاده هناك، علما أنه كان على هذه الأخيرة أن تكون مستعدة للتدخل في حالة تنظيم المسيرة الخضراء فعليا وتجاوزها لحدود الأراضي الصحراوية. كانت زيارات المبعوثين تتوالى إلى كل العواصم، بينما كان 350 ألف مشارك في المسيرة يهيئون بحماس في طرفاية ملحمتهم القادمة.
زوال 2 نونبر، استغللت فرصة عدم دعوتي لحضور اجتماع لتغيير الأجواء في ذلك اليوم المشمس، فذهبت للنزهة في حديقة سنترال بارك بالقرب من متحف متروبوليتان. لكن كورت فالدهايم، الذي يكون يعرف باستمرار مكاني، بعث من يخبرني بضرورة العودة باستعجال إلى مقر الأمم المتحدة وبأن أكون مستعدا للسفر. كان مجلس الأمن قد صادق بتوافق أعضائه على قرار جديد يشكر من خلاله الأمين العام على جهوده ويطلب منه تكثيف مشاوراته، مع حث جميع الأطراف على تجنب كل عمل أحادي من شأنه أن يزيد من خطر التوتر في المنطقة.
الوصول إلى آكادير
في اليوم الموالي، ورغما عن مشاريعي الشخصية، وجدت نفسي على متن الطائرة المتوجهةإلى جنيف، وهناك وجدت في انتظاري طائرة «ميستير 20» التي أصبح طاقمها مألوفا لدي. ويوم 4 نونبر، وصلت إلى أكادير حيث كان كل شيء يدمدم بالاستعدادات للمسيرة الخضراء، وحيث كان الملك الحسن الثاني قد استقر. تم استقبالي بسرعة من طرف وزير الشؤون الخارجية، أحمد لعراقي، وبعدها ذهبت إلى القصر الملكي ليستقبلني الملك بحضور الوزير الأول، أحمد عصمان (الذي كان قد عاد على التو من مدريد) والوزير أحمد لعراقي ووزير الإعلام، أحمد الطيبي بنهيمة.
لم يكن لدي أي وهم بخصوص حظوظي في إقناع محاوري بالتراجع عن تنظيم المسيرة الخضراء. ومنذ البدء، صرح لي الملك بأن هذه المسيرة، التي هي «تعبير عن إرادة الشعب المغربي برمته لتأكيد حقوقه المشروعة في الصحراء والبرهنة على وحدة البلاد»، ستنظم كيفما كانت الأحوال، وأنه سيعلن بنفسه قريبا عن انطلاقتها التي ستتم صباح يوم الخميس 8 نونبر.
قررت إذن أن أركز جهودي على الطريقة التي ستجعل تنظيم هذه المسيرة يتفادى إلى أقصى حد حصول مواجهات، ومن ثمة تجنب أن تتحول إلى حمام دم، خاصة أن التعليمات الموجهة للقوات الإسبانية كانت صارمة في حالة اقتراب المشاركين في المسيرة من خطوطها الواقعة على بعد حوالي 12 كيلومترا من حدود الأراضي الصحراوية. وبما أن ملك المغرب كان قد أكد في عدة مناسبات على الطابع الرمزي الذي تمثله المسيرة بالنسبة لبلاده وشعبه، فقد قررت أن يأخذ تبادل وجهات النظر هذا المنحى.
بفعل قوة بصيرته وبعد نظره، انتبه الملك الحسن الثاني على التو لما أبتغي بلوغه. هل جعلته صفاته المميزة كاستراتيجي يفكر في هذا الحل من قبل، أم تراه أدرك فحسب أهمية هذا السبيل الذي يجعله يحافظ على المسيرة الخضراء دون المجازفة بأن تتحول إلى معركة قاتلة؟ هل كنت فعلا مقنعا، أم أنه أراد إكرام ممثل الأمم المتحدة عبر جعله يعتقد أنه صاحب هذه الفكرة التي سبق له شخصيا اتخاذها في قرارة نفسه؟ لست أدري، لكنني اقتنعت أن خطوة جبارة قد تحققت في اتجاه السلم: ستكتسي المسيرة الخضراء إذن طابعا رمزيا، وسيتوقف المشاركون فيها عن التقدم قبل الوصول إلى الخطوط العسكرية الإسبانية. ما تبقى الآن إذن هو «تسويق» هذا الحل لباقي العواصم.
«الآن، وأنت تعرف بشكل أفضل الوضعية، انس أنك دبلوماسيا وموظفا أمميا؛ أعرف ما قمت به لإعادة العلاقات بين غينيا وفرنسا؛ سيكو توري صديقي مثلما كان صديق والدي محمد الخامس؛ ورئيسكم فاليري جيسكار ديستان صديقي أيضا. يمكنك أن تحدثني بصراحة، كما فعلت معهما خلال تلك المفاوضات الحساسة. هل تعتقد أنني كنت مصيبا حين تصرفت كما فعلت وأنا مقتنع بأن ذلك في مصلحة بلدي؟»
أجبته دون أن أمنح لنفسي وقتا للتفكير كما يقتضي ذلك السؤال.
«جلالة الملك، أعتقد أنك ستنجح آنيا في ما يمكن أن يبدو مثل رهان مدهش، وأن المستقبل القريب سيعطيك الحق. لكنه سيتم الاستناد إلى كثير من المبادئ، كما أن قوى كثيرة ستتحالف قصد حرمانكم من تأبيد نجاحكم وستسعى إلى جعلكم تدفعون ثمنه. إن الخطر بالنسبة لكم يتموقع إذن في المدى البعيد. فهل ستتوفر لديكم وسائل مواجهته؟»
أجابني الملك بأنه ليس لديه نفس تفكيري، وبأنه مقتنع بكونه على صواب، وبأن سياسته ستضمن المستقبل بشكل نهائي.
قبل أن يتركني، طلب من وزير الإعلام أن يرافقني إلى جناح آخر من أجنحة القصر، حيث كان رئيس الجماعة (هيئة أعيان القبائل الصحراوية) ينظم ندوة صحافية عقب التحاقه المثير بالعرش الشريف. بالفعل، وقبل يوم، جدد وفد صحراوي بقيادة رئيس الجماعة، الحاج خطري ولد سيدي سعيد الجماني، البيعة للعاهل المغربي باسم قبائل الصحراء الواقعة تحت الاحتلال الإسباني، وذلك في مقر بلدية أكادير. وقد اعتبر المغرب هذا الأمر كعربون إضافي على إرادة الساكنة الصحراوية التي عبرت عن رأيها خلال مراسم تقليدية بواسطة ممثليها في الجماعة، ومن ثمة كطريقة لتقرير المصير.
مفاجأة الجماني
وأنا ألج القاعة المليئة بالصحافيين الوافدين من كل أرجاء العالم لتغطية المسيرة الخضراء، والحاضرين هنا للإنصات للرئيس خطري ولد سيدي سعيد الجماني، فوجئت كثيرا حين تعرفت على هذا الأخير: إنه ذلك البرلماني الصحراوي في الكورتيس الذي أثار انتباهي في الأسبوع الماضي خلال اللقاء الغريب الذي حضرته في قبو سفارة الجزائر بمدريد! لقد كان هناك مدافعا شرسا على الأطروحة المناقضة! (10)
في المساء نفسه، واصلت جولتي للحلول بنواكشوط. كان الوقت متأخرا ولا يسمح للحصول على موعد. قررت إذن تناول وجبة العشاء في الفندق ومحاولة الاتصال هاتفيا بنيويورك قصد إخبار كورت فالدهايم بالنتيجة الأولى لمفاوضاتي، وهي نتيجة جزئية لكنها جد مرضية، ذلك أنه لم يكن باستطاعتي الاتصال به من أكادير. في نيويورك، حيث تشير عقارب الساعة إلى بداية الزوال بسبب اختلاف التوقيت، كان مجلس الأمن يجتمع بدون انقطاع، إما للقيام بمشاورات خاصة أو في دورات عامة. كان علي النقاش بصرامة مع مستخدمي الهاتف بالفندق، وبعدها مع نظرائهم في الأمم المتحدة للتحدث أخيرا مع كورت فالدهايم. كان قد غادر على التو قاعة المجلس وينتظر بقلق آخر الأخبار.
كان الاتصال رديئا، مليئا بالتشويش والخشخشة، وكانت حوارات المطعم والحانة تجعل الفهم جد صعب بسبب عدم وجود قاعة خاصة بالمكالمات الهاتفية، ذلك أن الهاتف كان موضوعا على طاولة الاستقبال. استعملت تباعا الفرنسية والإنجليزية والألمانية، واستطعت رغم كل شيء إخبار كورت فالدهايم بما جرى في أكادير. أعرب لي عن رضاه العميق وعاد مباشرة إلى قاعة مجلس الأمن، حيث كان ينتظره السفراء الخمس عشر، لإحاطتهم علما بالمستجدات.
حوار مع ولد دادة
ومن جانبه، فإن الرئيس ولد داده، الذي استقبلني في اليوم التالي، قال لي إن موريتانيا لم تنظم مسيرة خضراء إلى جنوب الصحراء الغربية، رغم أن القوات الإسبانية غادرت بعض المواقع في المنطقة، تاركة شريطا قريبا من الحدود خاليا.
وفي الجزائر العاصمة، التي وصلت إليها في نفس اليوم، استقبلت على الفور من طرف الرئيس بومدين الذي أنصت بإمعان للمعلومات التي قدمتها له حول لقاءاتي السالفة. وقد جعلني أكرر عدة مرات تفاصيل ما قاله لي الملك الحسن الثاني. بعدها، وعيناه تشعان أحيانا بشرارات مقلقة، رد بأن المسيرة الخضراء تشكل «أمرا واقعا» غير مقبول، وبأنه لا شيء سيجعل الجزائر تتراجع عن مبدأ تقرير المصير الأساسي. أما التحاق رئيس الجماعة الصحراوية بالأطروحة المغربية، فإنه ليس مطابقا للتأويل الذي أضفته عليه الرباط، ذلك أن هذه الهيئة التقليدية ليست تمثيلية بما فيه الكفاية للسكان. كما أن اتفاقا مباشرا بين الرباط ومدريد لن يحل المشكلة. مضيفا أن القوات المحاربة في الميدان من أجل استقلال الصحراء الغربية والتي لم تستطع أبدا إسماع صوتها، ستواجه بكل تأكيد كل حل لا يرتكز على تقرير فعلي للمصير وستواصل عملياتها لاحقا، وأن الجزائر تتفهمها وستساندها في معركتها إذا اقتضت الضرورة ذلك. أما بالنسبة لتحويل المسيرة الخضراء إلى مسيرة «رمزية» قصد تفادي المواجهة الدموية مع الجيش الإسباني أو عناصر البوليساريو، فقد قال الرئيس بومدين إنه بإمكانه الموافقة على هذه الفكرة التي تسمح للمغرب «بإنقاذ ماء الوجه» مؤكدا أنه يظل معارضا من الأساس لمبدأ المسيرة نفسه وللمعنى الذي أضفي عليها.
الوصول إلى مدريد
حللت أخيرا بمدريد التي وصلت إليها مساء 5 نونبر، وقد استقبلت، في الصباح الباكر لليوم الموالي، من طرف رئيس الحكومة، كارلوس أرياس نافارو، ووزير الخارجية، بيدرو كورتينا إي موري، ووزير الرئاسة المكلف بقضايا الصحراء، أنطونيو مارتينيث كارو، بل أن هؤلاء الشخصيات غادروا اجتماعا للحكومة قصد استقبالي نظرا للطابع المستعجل للموقف، ذلك أن الملك الحسن الثاني كان سيعطي إشارة انطلاق المسيرة الخضراء هذا الصباح بالذات وأن 44 ألف مشارك، بقيادة الوزير الأول المغربي شخصيا، كانوا على أهبة عبور الحدود. أعطى مسؤولو إسبانيا على الفور موافقتهم على الحل الذي اقترحته عليهم، وأكدت تعليمات فورية وجهت لقادة القوات الإسبانية المرابطة في عين المكان أنه لا يجب إطلاق أية طلقة نارية ضد المشاركين في المسيرة بما أنهم سيتوقفون على بعد مسافة معينة من الخطوط الإسبانية وفق ما اتفق عليه.
عدت في اليوم نفسه إلى نيويورك لتمكين الأمين العام من تقديم تقريره لمجلس الأمن، وهو ما فعله يوم 8 نونبر.
بعدها، علمت باهتمام كبير بفحوى الخطاب الذي ألقاه الملك الحسن الثاني في أكادير يوم 9 نونبر والذي أعلن فيه أن المسيرة الخضراء «أدت رسالتها وأدركت هدفها وحققت ما كنا نحن وأصدقاؤنا ننتظر منها» وأنه «علينا أن نرجع إلى منطلقنا في طرفاية حتى نعالج الأمور والمشاكل بكيفية أخرى وأساليب جديدة».
إنني أظل اليوم جد راض، في إطار المهمة التي كلفني بها الأمين العام للأمم المتحدة، على الدور المفيد الذي اضطلعت به خلال هذه الصفحة المدهشة من تاريخ عصرنا (11).
الملحق 1: أول مشروع أممي لمخطط السلم في الصحراء
1 : تقوم إسبانيا بإصدار تصريح أحادي الجانب تعلن من خلاله انسحابها التام والنهائي من أراضي المنطقة في تاريخ...، على أن تبدأ عمليات الانسحاب يوم... وابتداء من هذا التاريخ، ستتحمل منظمة الأمم المتحدة خلال مدة ستة أشهر مسؤولية إدارة تلك الأراضي.
2 : تخلق الأمم المتحدة إدارة مؤقتة للصحراء الغربية. هذه الإدارة المؤقتة، التي سيدوم عملها ستة أشهر، ستوضع تحت إشراف مفوض سام يساعده عدد محدود من الموظفين. ونظرا لمستلزمات الحفاظ على الأمن، فإنه ستوضع رهن إشارة هذه الإدارة المؤقتة قوات تابعة للدولة المسيرة السابقة ستتركها مؤقتا في عين المكان، ويكون لها أحد أوضاع قوات الأمم المتحدة.
3 : سيتكون فريق استشاري لدى الأمين العام للأمم المتحدة تتحدد مسؤوليته في مساعدته في المجالات التي تؤول للإدارة المؤقتة للأمم المتحدة في الصحراء الغربية، وسيتكلف الفريق أيضا بصياغة الطريقة التي ستسمح لسكان تلك الأراضي بالتعبير عن إرادتهم. سيضم هذا الفريق الممثلين الدائمين للدول المعنية والمهتمة.
الملحق 2: خطاطة «مخطط فالدهايم»
1 : تقوم إسبانيا بإصدار تصريح أحادي الجانب تعلن من خلاله انسحابها من أراضي المنطقة في تاريخ... وستطلب من منظمة الأمم المتحدة القيام بمهمة تصفية الاستعمار من المنطقة ابتداء من هذا التاريخ، كما ستعلن أيضا أنها لن تقوم، إلى حين انسحابها، على أي عمل من شأنه تغيير أوضاع المنطقة.
2 : في نفس الوقت، سيعلن المغرب أنه قرر، نظرا للإرادة المعبر عنها من طرف إسبانيا للانسحاب من المنطقة، التراجع عن المسيرة المزمع تنظيمها تجنبا لأي مواجهة.
3 : بما أن سياسة تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية يجب أن تحدد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن الدولة المسيرة والأطراف المعنية والمهتمة تلتزم بعدم القيام بأي عمل من شأنه تأزيم الوضع في المنطقة.
4 : من المقترح إنشاء إدارة مؤقتة للأمم المتحدة تضطلع بالوظائف التالية:
- أ : الإشراف والمساعدة على الانسحاب الإسباني،
- ب: القيام بإدارة المنطقة،
- ج: السماح بعودة اللاجئين،
- د: التفاوض مع الأطراف المعنية والمهتمة حول ترتيبات استشارة شعبية، وخاصة حول:
- طريقة الاستشارة
- الأسئلة التي ستطرح
- تحديد هوية الصحراويين ووضع سجل للناخبين.
- ه: إقامة مناخ من الهدوء وحرية التعبير يسمح بالتعبير الحر والفعلي عن إرادة الساكنة.
هوامش:
:1 هذه هي العبارة المكرسة من طرف الأمم المتحدة، وهي عبارة لا تخلو من بعض النفاق قصد إدماج الدولة المستعمرة، إسبانيا، والمغرب وموريتانيا )الدولتان المعنيتان( والجزائر )الدولة المهتمة(.
2 : توفي يوم 20 نونبر عقب احتضار طويل ابتدأ في 14 أكتوبر.
3 : لقد شاركت آنذاك، دون علمي حينها، في عملية عسكرية سرية قامت بها مدريد وباريس ضد جيش التحرير المغربي في الحدود الجزائرية- الموريتانية.
4 : يتضمن كتاب جيلبير غيوم، القاضي بمحكمة العدل الدولية، الصادر تحت عنوان «الأزمات الدولية الكبرى والقانون» )منشورات لو سوي، 1994( تحليلا تاريخيا وقانونيا ممتازا لملف الصحراء الغربية. ونشير أيضا إلى مؤلف أتيليو غوديو «ملف الصحراء الغربية» )نوفيل إيديسيون لاتين، 1978(.
5 : تسميته الرسمية هي «الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب».
6 : بالإضافة إلى ليبيا التي كانت تزود البوليساريو بكميات وفيرة من السلاح والأموال.
7 : عدد 350 ألفا كان أيضا رمزيا، وهو يمثل عدد المواليد في المغرب خلال تلك السنة.
8 : سورة الحجر، الآية 22.
9 : باستثناء نشره في مؤلف «المسيرة الخضراء» الجماعي الذي كتب تقديمه الحسن الثاني.
10 : خطري ولد سيدي الجماني هو نفسه الذي طلب، في سنة 1958، مساعدة القوات الفرنسية ضد هجمات جيش التحرير المغربي في الصحراء.
11 : لقد أشرت إلى بعض العناصر الإضافية بمناسبة محاضرة قدمتها في جامعة دكار خلال شهر يوليوز 1997.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.