كنت أشعر دائما بأن الرواية المغربية مظلومة في البوكر. أول من يظلمها الناشرون. فالناشر المغربي متقاعس في الغالب، قلما يبذل مجهودا للبحث عن فرص لترويج الأعمال التي ينشرها. حتى الصحافة الثقافية لا يكلّف نفسه عناء التواصل معها، فما بالك بالجوائز؟ أما الأدباء فمتواضعون، ذلك «التواضع» المغربي المزمن الذي يجب أن نخلع جبته لكي نعيد الاعتبار لإنتاجنا الفكري والأدبي ونثمِّنه في عالم لن تجد فيه من يعترف لك أو يدافع عن رصيدك ما لم تبادر إلى ذلك بنفسك. فالتواضع المغربي صار يشتغل ضدنا، إذ يكتفي الواحد منا بأن يكتب عن عمله الجديد صديق هنا وآخر هناك، أو أن يوقع عمله في مدينته وربما في اثنتين من المدن المجاورة ليشعر بالرضا عن الذات والمنجز. لأجل ذلك، كنت دوما أتصور أن على المؤسسة الأدبية والثقافية في المغرب أن تبدع طرقا أكثر جدية وفعالية في التعريف بالأدب المغربي والترويج له. أما الناشرون فيكفي أن يثقوا في أدبائهم ويتجشموا مصاريف الإرسال لترشيح أعمال كُتّابهم ومؤلفيهم إلى الجوائز العربية المختلفة ليكونوا قد ساهموا فعلا في إشعاع هذا الأدب. وطبعا حينما نتكلم عن الجوائز الأدبية فإننا نضع على رأسها «البوكر» حينما يتعلق الأمر بالرواية والروائيين، هذه الجائزة التي نجحت في تكريس نفسها كمسلسل مشوّق تتابعه الصحافة العربية بالكثير من الاهتمام. حينما اتصل بي أول مرة الصديقان خالد الحروب عضو مجلس أمناء جائزة البوكر العربية وجمانة حداد المنسقة الإدارية السابقة للجائزة من أجل تنشيط جلسة حوار مع الفائز بجائزة البوكر دورة 2010 في معرض أبو ظبي صبيحة اليوم الموالي للإعلان عن الاسم الفائز، كان عليّ أن أقرأ ست روايات هي «السيدة من تل أبيب» للفلسطيني ربعي المدهون، و»أميركا» للبناني ربيع جابر، و»عندما تشيخ الذئاب» للأردني جمال ناجي، و»وراء الفردوس» للصديقة المصرية منصورة عز الدين، و»يوم غائم في البر الغربي» لمصري آخر هو محمد المنسي قنديل تحضيرا للقاء... وقد نذرت ليلة بيضاء لرواية «ترمي بشرر» التي لم أجد الوقت لقراءتها إلا بعدما تمّ الإعلان عن فوز الروائي السعودي عبده خال بالجائزة. كنت مستغربا كيف أن الرواية المغربية ظلت خارج حلبة التنافس في هذا المحفل الروائي العربي. إذ لم يتمّ سنتَها اختيار أيّ رواية مغربية حتى في القائمة الطويلة للجائزة. لكن لحسن الحظ أن السنة الموالية (2011) ستعرف اختيار عملين مغربيين اثنين، (القوس والفراشة) و(معذبتي)، في اللائحة الطويلة ليمُرّا معا إلى اللائحة القصيرة قبل أن تُتوّج رواية محمد الأشعري بجائزة البوكر لتلك السنة مناصفة مع (طوق الحمام) للروائية السعودية رجاء عالم. ومباشرة بعد 2011 عادت الرواية المغربية إلى كمونها حيث لم يظهر أيّ عنوان مغربي في القائمة الطويلة رغم أن الرواية المغربية ربحت في الموسمين الأخيرين عددا من العناوين الهامة التي كنا نتمنّى أن نقترحها كمغاربة عبر البوكر على القارئ العربي خصوصا وأن قوائم البوكر الطويلة والقصيرة صار لديها جمهور واسع يثق فيها ويتعقب عناوينها في المعارض العربية. هذه السنة ظهرت القائمة الطويلة لدورة 2014 وهي تحمل جديدا لا يمكن إلا أن نسعد به كمغاربة. فلأول مرة يتمّ اختار ثلاثة عناوين مغربية ضمن اللائحة. ثلاثة أعمال مغربية تمكّنت من حجز مكانها ضمن 16 عملا اختارتها لجنة التحكيم من بين 156 رواية ينتمي أصحابها إلى 18 دولة عربية. أما الأدباء الذين بلغوا القائمة فقد كانت رواياتهم فعلا من أجمل الروايات المغربية التي قرأتها شخصيا هذه السنة. لذلك كانت سعادتي خاصة وأنا أرى أن لجنة البوكر قد اختارت أقرب الروايات المغربية الصادرة هذا الموسم إلى ذوقي ومزاجي. رواية يوسف فاضل (طائر أزرق نادر يحلق معي) الصادرة عن دار الآداب اللبنانية جاءت لتؤكّد علو كعب هذا المبدع. فتجربة صاحب (قصة حديقة الحيوان) تتطوّر عملا بعد عمل ليتأكد أن السرد موهبة يملك الرجل العديد من أسرارها. لذا فصعوده إلى قائمة البوكر اليوم جاء لينصفه ويعيد له الاعتبار خصوصا وأن العديد من أصدقاء تجربته كانوا يتوقّعون لروايته السابقة (قط أبيض جميل يسير معي)، الصادرة عن الآداب بدورها، مسارا أفضل في بوكر العام الماضي. لكن، يبدو أن حظ الطائر الأزرق أفضل من حظ القط الأبيض. ونتمنى لهذا الطائر الأزرق النادر أن يحلق أعلى وأعلى في فضاء هذه الجائزة. الرواية الثانية تجمعني بها صداقة خاصة. فقد عشت مع اسماعيل غزالي بعضا من مفاوضاته الحميمة مع الصديقة فاطمة البودي صاحبة دار العين المصرية من أجل إصدار عمله الروائي الأول. كنا في الجزائر مع الدكتورة فاطمة. كنت أرتب معها لإصدار مختاراتي القصصية (فرح البنات بالمطر الخفيف) وكان اسماعيل لا يتحدث إلا عن (موسم صيد الزنجور). وحينما صدرت الرواية بادرتُ إلى الكتابة عنها. وفي غياب الاهتمام النقدي بجديدنا الأدبي وعدم مصاحبته من طرف النقاد بالدعم اللازم، بقيت ورقتي عن رواية اسماعيل غزالي يتيمة في هذا الإطار. فهي القراءة النقدية الوحيدة المنشورة عنها لحد الآن. طبعا (موسم صيد الزنجور) بالنسبة لي رواية سوداء عن الأطلس. عن طبيعة الأطلس، وسحر الأطلس، وأسرار الأعالي الأمازيغية. إنها رواية أمازيغية كُتِبت بلسان عربي مبين. أما الرواية الثالثة (تغريبة العبدي المشهور بولد الحمرية) للكاتب عبد الرحيم لحبيبي فلي معها قصة تستحق أن تروى. دعيت إلى آسفي في ديسمبر الماضي للمشاركة في فعاليات معرضها الجهوي الثالث للكتاب. كانت فرصة لتجديد اللقاء بعدد من أدباء المدينة. لكن في اليوم الثاني من المعرض وأنا أتناول فطوري بالمقهى، طلبت من شخص كان يتناول قهوته إلى جواري واحدة من جرائد الصباح المركونة إلى جواره. قدّم لي الرجل الجرائد بمودّة قبل أن يعرّفني بنفسه، ثم أهداني روايته الجديدة. كان اسمه عبد الرحيم لحبيبي ولم تكن روايته تلك سوى (تغريبة العبدي) الصادرة عن دار أفريقيا الشرق والتي أخبرني أنها لم توزّع بعد في آسفي ويخشى ألا تصل إلى عاصمة عبدة رغم أن كاتبها عبدي وبطلها عبدي. لذلك كان من الطبيعي- والمؤسف أيضا- ألا يأخذ بها الأصدقاء في فرع اتحاد الكتاب المغرب علمًا ممّا فوّت عليهم فرصة الاحتفاء بها أو على الأقل برمجتها في حفل توقيع كُتّاب الجهة الذي قدّم فيه أهم أدباء آسفيوالجديدة إصداراتهم لسنة 2013. مباشرة بعد مغادرتي لآسفي، شرعت في قراءة الرواية. أحببت لعبتها السردية حيث يدّعي الكاتب أن الأمر يتعلق بمخطوطة رحلة عثر عليها بسوق العفاريت بآسفي وإذ لم يجد في جامعة الرباط من يشرف على تحقيقه لهذه الرحلة آثر نشرها ليخلي ذمته. وجاءت الرحلة / الرواية شبيهة برحلة فعلا، خصوصا وأنها مكتوبة بنفس اللغة التي كتب بها الرحالة المغاربة أعمالهم منتصف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. لكن إذا كان العبدي بطل الرواية قد قطع الفيافي والقفار وبلغ بلاد الزنوج ثم توقف بإقليم أسوان في رحلته نحو الحج، فإن حفيده عبد الرحيم لحبيبي قد بلغ بدوره القائمة الطويلة ومن حقه التطلع إلى القصيرة في رحلة نتمنى فيها للرواية المغربية كل التألق. ثلاث روايات إذن يقترحها الأدب المغربي على القارئ العربي. أعمال ستُجيد الدفاع عمليا وفي معترك القراءة عن «النبوغ المغربي» في المجال السردي، في انتظار أن يتأكّد هذا الحضور من خلال عبور واحد من هذه العناوين أو أكثر إلى اللائحة القصيرة. فحظًّا سعيدًا للرواية المغربية في هذه الجائزة.