تخليدا للذكرى 38 لاغتيال الشهيد عمر بنجلون، نظم مكتب فرع مدينة القنيطرة ندوة تحت عنوان «عمر بنجلون والحركة الديمقراطية بالمغرب» ، وذلك يوم 26 دجنبر 2013 في الساعة السادسة مساء بمقر الحزب أطرها عضو المكتب السياسي ومدير تحرير جريدة الاتحاد الاشتراكي عبد الحميد جماهري. في بداية الندوة، بعد الإشادة بالجو النضالي الذي ميز محطة تجديد مكتب الفرع بمدينة القنيطرة وبالدينامية التي تعرفها عملية تجديد وتأسيس الفروع في الأقاليم الثلاثة التابعة للجهة، رحب كاتب الفرع أنوار الهازيتي بالقيادات الوطنية والجهوية والإقليمية وبالطاقات الإعلامية وبكل الفعاليات الحزبية، مذكرا الحضور بكون هذا النشاط الداخلي هو انطلاقة لتفعيل برنامج حزبي بروافده التأطيرية والتكوينية والإشعاعية بمدينة القنيطرة. وتمثيلا لصوت الشباب في هذه الذكرى العزيزة على الاتحاديات والاتحاديين، أخذ الكلمة الكاتب الجهوي للشبيبة الاتحادية زهير الكنفاوي مذكرا الشباب بالتضحيات الجسام التي قدمها القادة الاتحاديون وعلى رأسهم الشهيد عمر بنجلون، وذكر في نفس الوقت بالمضايقات وممارسات التعذيب والاعتقالات والاختطافات والاغتيالات التي استهدفت الطاقات الحزبية في كل أرجاء المملكة في سنوات الجمر والرصاص. وبخصوص اغتيال بنجلون من طرف قوى الظلام، أكد زهير أن مكانة عمر في قلوب الشباب الاتحادي جعلت من شعار «كلنا عمر» شعارا حاضرا باستمرار في قلوب أشبال عمر وأشبال المهدي. وبعد تلاوة الفاتحة على الروح الطاهرة للشهيد عمر، ابتدأ جماهري مداخلته بالإشادة بالمجهودات التي تبذلها الأجهزة الحزبية في الجهة من أجل تحقيق الانبعاث التنظيمي داعيا إلى بذل المزيد من الجهود والتعبير عن الوفاء لتضحيات الشهداء وعلى رأسهم الشهيد عمر بنجلون. إن استحضار عمر في الذكرى السنوية لاستشهاده، يقول عبد الحميد، هو مناسبة للتعبير المسؤول عن الوفاء والعرفان لعطاء الشهيد في النضال والفكر والمعرفة، مناسبة كذلك تفرض علينا دائما استحضار شخص عمر كمرجع لقياس الحصيلة النضالية للحزب بشبابه وكهوله وشيوخه في المراحل السياسية التي قطعها الحزب في مساره النضالي من أجل الديمقراطية والحداثة والتنمية. إن الحديث عن عمر، كمرجع سياسي وفكري ونضالي، يقول جماهري، فرضته حصيلة نضالاته الوازنة في كل المجالات والقطاعات الحزبية. إن المراحل السياسية التي قطعها المغرب إلى يومنا هذا في مسار بناء الدولة العصرية هي مستوحاة من فكر عمر. فبعدما كان وراء البوادر الأولى للديمقراطية الداخلية سنة 1965، تمكن عمر من تحويل نمط الحراك الشعبي العائم إلى تأسيس حركة جماهيرية منظمة بعلاقات تنظيمية ونضالية واضحة المعالم. فبالرغم من صعوبة هذه المرحلة، التي عاش فيها عمر مناضلا وقائدا سياسيا، والتي عرفت محاولة اختطاف واغتيال ولي العهد المرحوم الحسن الثاني وما ترتب عنها من اعتقالات ومآس (الزج بأكثر من 5000 اتحادي في السجون)، استطاع عمر أن يقنع القيادات والمناضلين الاتحاديين بإمكانية إصلاح الدولة من خلال مسلسل بناء الديمقراطية. هكذا، يقول عبد الحميد، بالرغم من صعوبة الوضع، تمكن عمر، إلى جانب إخوانه من القادة الكبار وعلى رأسهم المهدي بنبركة والمرحوم محمد عابد الجابري، وعبد الله العروي أطال الله في عمره، وغيرهم، من إنجاح المؤتمر الاستثنائي وإقرار استراتيجية النضال الديمقراطي. إن عبقرية عمر مكنته من إبداع ما أسماه ب«جدلية الفشل» . فبعدما حاولت الدولة حسم الصراع لفائدتها بتحويل نظام الحكم إلى ملكية سلطانية تتحكم فيها قوى الاستبداد والقهر ورواد التقليد، كان التعبير عن جدلية الفشل بالعبارة التالية «لا غالب ولا مغلوب»، ولا يزال، حدثا بارزا في التاريخ السياسي المغربي. لقد استطاع عمر قيادة الحزب في اتجاه التنظيم الاستراتيجي على أساس النضال الديمقراطي. لقد قاد عمر الحزب في هذا الاتجاه معتمدا على ما أسماه «الجهد التركيبي» وتطوير الجدلية مقتنعا، ومقنعا للطاقات الفكرية والنضالية الحزبية، كون المسؤولية السياسية تقتضي العمل مع الشعب المغربي بدون ادعاء التمثيلية الشمولية. لم يتراجع عمر عن مشروعه بالرغم من «تهاطل» الانتقادات العنيفة والظالمة عليه وعلى حزبه، والتي كانت تصدرها تيارات اليسار الراديكالي (منظمة إلى الأمام، منظمة 23 مارس، ومنظمة لنخدم الشعب،....). لقد كان بنجلون حاسما في قراراته، ولم ينل منه أي شعور بالتردد، الشيء الذي مكنه من إقناع إخوته في درب النضال بكون المسار السياسي للحزب لا يمكن أن يكون إلا في إطار الاستمرار في تحقيق المكتسبات المدعمة للتراكمات التي حققتها الحركة الوطنية. لم يبال عمر بالنعوت المسمومة المنبعثة من صفوف التيارات اليسارية الراديكالية، والتي كانت تصنف الاتحاد في خانة الأحزاب المخزنية، و تصف الاتحاديين ب»المخزنيين» الذين ارتموا في أحضان القصر. عبقرية عمر، يقول عبد الحميد، أصبحت اليوم نموذجا دوليا بامتياز أبرزت رمزيته السياسية التطورات الدولية ما بعد سقوط حائط برلين. لقد تنبأ في عقود الحرب الباردة أن الديمقراطية هي الحل، ونجح في قيادة حزبه إلى المؤتمر الاستثنائي، ومن ثم إقرار استراتيجية النضال الديمقراطي. لقد نجح في ذلك، وبكل المقاييس، بعدما فشل غورباتشوف في قيادة البروسترويكا في الاتحاد السوفياتي بعد فوات الأوان. الحصيلة اليوم، يقول عبد الحميد، واضحة، لقد انتصر فكر عمر، ولم تبق اليوم أي حركة معارضة أو مناوئة لاستراتيجية النضال الديمقراطي. فبعدما قامت مختلف التيارات اليسارية بالمغرب بتخوين صناديق الاقتراع، وتخوين المشاركة، وبنعت الإتحاد بالحزب «المخزني»، ارتمت هذه التيارات، بعد ضياع أكثر من ثلاثة عقود، في أحضان أطروحة عمر الديمقراطية معتبرة الرصيد النضالي لعمر رصيدا مشتركا. لقد اعترف الجميع على مضض بعبقرية هذا القائد التاريخي. إنه اعتراف بإمكانية الاستثمار النضالي في الروح الشعبية كأساس لدمقرطة الدولة والمجتمع، وبالتالي التأثير الدائم، في طبيعة الدولة. لم يعد هناك من يتكلم عن الملكية العامة لوسائل الإنتاج، ولا عن ديكتاتورية البروليتاريا، ولا عن سيطرة البنية الفوقية الرأسمالية على الدولة، ولا كونها صانعة لها. بخصوص سؤال موقع الملكية في الدولة المغربية وخدمة الديمقراطية، والذي يطرح اليوم ويناقش في كل المؤتمرات الدولية والوطنية، وبين المثقفين، وفي المعاهد العليا والكليات، والمجموعات الفكرية،... أجاب عنه عمر بالتفصيل في أرضية المؤتمر الاستثنائي وفي مقرر إستراتيجية النضال الديمقراطي. لقد انطلق عمر من الإيمان بالفكر المزدوج كقناعة منهجية حيث كان دائما يستحضر كون الدولة بقدر ما قد تتحول إلى أداة قهر واستبداد تعمل كل ما بوسعها من أجل إبادة الأحزاب وكل السلط المضادة، بقدر ما هناك إمكانيات هامة لتحويلها إلى أداة لعقلنة التاريخ وبناء الديمقراطية وقيادة المسار التحديثي. وهنا يقول عبد الحميد، ها نحن في المغرب تابعنا بحرص شديد الصراع المجتمعي من أجل إدماج المرأة في التنمية تحت قيادة حكومة عبد الرحمان اليوسفي، وتابعنا كيف غامرت الملكية واستعملت كل ثقلها الرمزي والمعنوي من أجل الحسم في مدونة الأسرة والإسهام في التحديث الفكري والثقافي، وتابعنا كيف ساهمت في التحديث المادي (الطرق السيارة، الموانئ، المطارات، محاربة الفقر، تأهيل المدن، الاقتصاد الاجتماعي،.....)، وتابعنا كيف دعمت مسار المصالحة الوطنية. لقد صدق عمر، وعبقريته هي التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم. لقد صدق عندما قال إن الدولة يمكن أن تكون فعالة في بناء الدولة الديمقراطية. فبفضل فكر عمر رفعت مذكرات إلى الملك من أجل إصلاح الدولة وإصلاح الملكية. كما أن قرار رفع الاتحاد بمفرده لمذكرته الأخيرة إلى الملك محمد السادس سنة 2009 كان مستنبطا من فكر وفلسفة عمر. استحضارا لكل ما قلناه عن عمر، يقول جماهري، هل يمكن لنا اليوم أن نجيب عن سؤال: هل أنصف الاتحاديون اليوم عمر أم ساهموا في تبديد رأسماله النضالي والأخلاقي؟ الجواب واضح، يقول عبد الحميد، بعدما ترك الشهداء الاتحاد قويا وموحدا، عاشت البلاد تراجعا واضحا، وعلينا اليوم أن نتحمل مسؤوليتنا كاملة في قياس هذا التراجع، باستحضار فكر عمر كمرجع سياسي وفكري وأخلاقي، والوقوف على أسبابه، وبالتالي ابتكار الآليات لتجاوزه. إن المكتسبات المتراكمة، والتي ساهم فيها الاتحاد بقوة، قطف ثمارها التيار المحافظ الرجعي تحت قيادة العدالة والتنمية. لنقلها بصراحة، ميراث عمر تم تركه عرضة للاستغلال من طرف قوى الظلام التي تهلل اليوم بالديمقراطية كمطية وحيدة تعتقد أنها ستمكنها من السيطرة على مفاصل الدولة والمجتمع. إن عبد الإله بنكيران، الذي يقود الحكومة ما بعد الحراك المجتمعي طويل المدى (منذ الاستقلال)، هو الذي ترأس التظاهرة المطالبة بإطلاق سراح قتلة الشهيد بنجلون. لقد أصبح هذا الرجل رئيسا لحكومة مغرب ما بعد الدستور 2011 بدون أن يقدم أي تضحية تذكر من أجل الشعب المغربي أو من أجل الوطن. إن بنكيران يجني ثمار فكر عمر ويقود حكومة الفشل الذريع. بعدما ترك الاتحاد، بعد مشاركاته الحكومية، البلاد في وضع مالي واقتصادي وثقافي جيد، ترتب عن سوء التدبير الحكومي الحالي فقدان المغرب لإحدى عشرة نقطة في سلم الفساد في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والقانونية، وخسر خمس نقط في التنافسية، وغرق في الديون الداخلية والخارجية، وتفاقم عجز في المجالين المالي والاجتماعي، وساء وضع الشغيلة في القطاعين العام والخاص،...إلخ. الغريب في الأمر، وهو في موقع قيادة حكومة البلاد كتتويج لفكر عمر، تجاوز التلويح بالعفاريت والتماسيح،....ليبتكر في الأسبوع الأخير وفي قبة البرلمان (أمام المستشارين)، التي تعتبرها كل القوى السياسية في العالم أسمى مؤسسة معبرة عن الديمقراطية البرلمانية، مصطلح «التبوريدة». إنه يفتخر بكونه «يتبورد» على الفئات العريضة من الشعب المغربي وعلى نوابه بالرفع من الأسعار في كل المواد الاستهلاكية. إنه «يتبورد» على كل الفئات المجتمعية، على الأستاذ والمربي والصانع والبرلماني والفقير والأرملة والعاطل وذوي الحاجيات الخاصة.... لقد اختار أسلوب «الحكرة» واستهداف الطبقة الوسطى والفقيرة، بعدما كان من الواجب عليه سياسيا «التبوريد» على أصحاب الكريمات، وأصحاب رخص الصيد في أعالي البحار، وعلى «الحيتان الكبيرة» أصحاب الثروات والجاه، وعلى المتاجرين في الأجساد وفي العملات،.... أكثر من ذلك، بعد الإسهام في اغتيال عمر، يقول عبد الحميد، لا يتردد بنكيران والريسوني وآخرون في الهجوم على الإتحاد بمناسبة وغير مناسبة مستغلين الموقع المؤسساتي والأبعاد العقائدية التقليدية. إنه يستغل ميراث عمر متجاهلا أن من اغتاله خرجوا من منزل الخطيب مشحونين ومستعدين لإنجاز المهمة المطلوبة (اغتيال عمر ببرودة دم)، وهو نفس المنزل الذي تأسس فيه حزب العدالة والتنمية فيما بعد، وأطلق العنان من خلاله لرافده الدعوي الإصلاح والتوحيد من أجل ممارسة الوصاية الدينية على المغاربة متجاوزة المكانة الدستورية لإمارة المؤمنين وصلاحياتها الدينية (ما الجدوى من الدعوة إلى الإصلاح والتوحيد مع وجود إمارة المؤمنين). هذا هو ما ينتظره المغاربة من وضوح وليس «التبوريد» على المواطن المغربي البسيط وممثليه في مجلسي البرلمان. وأمام هذه التطورات المقلقة، يقول عبد الحميد، نحن مطالبون اليوم بالنضال الفكري والميداني في كل الواجهات المجتمعية والمؤسساتية والدينية. إن الفكر الاتحادي له رصيد فكري ضخم وغني في دراسة التراث وتحديثه. إنه رصيد تراكم انطلاقا من إيمان عمر والمهدي بالشعب المغربي وتراثه وبضرورة إعطاء الكلمة للمغاربة، وإشراكهم في مناقشة تراثهم الروحي بالشكل الذي يساهم بالتدريج في تحرير الدين من الاستغلال والاسترزاق والاغتناء غير المشروع. إننا اليوم في حاجة إلى إعادة طرح السؤال الديني بمنطق عقلاني والعودة إلى إعادة قراءة ومناقشة فكر الجابري وفكر ابن رشد. إننا اليوم في أمس الحاجة للإسهام بقوة في توطيد التحول في المواقف الدولية والإقليمية والجهوية في شأن ما ترتب عن مؤتمري ضحى (2003) والدوحة (2007) وملتقيات دولية عدة، والتي رسمت، في إطار الرهانات الجيوستراتيجية الدولية، ما تم التعبير عنه ببناء شرق أوسط جديد وتحويله إلى منطقة إسلامية جديدة تساهم إلى جانب الغرب في محاربة التيارات الإسلامية الإرهابية. فأمام ما عرفته وتعرفه تونس وليبيا والعراق واليمن وسوريا ولبنان ومصر من خراب يهدد الاستقرار والأمن في هذه المنطقة الحيوية، ساد الوعي دوليا وإقليميا بخطورة إضعاف الدول ودعم الإسلام السياسي، وما على القوى الديمقراطية الحداثية في هذه الظرفية إلا استغلال الوضع من أجل الدفع بمسار التحديث إلى الأمام بالقوة اللازمة. وبعدما طرح الحضور عدة تساؤلات تخص دور النخبة والمثقفين وتراجع أدوارهم، والحاجة إلى جمع شتات اليسار، وتقوية المعارضة المؤسساتية والمجتمعية، والتكوين، والتحالفات الممكنة.... كان جواب جماهري في منتهى الدقة. لقد ذكر الحضور بالشجاعة الحزبية في القيام بالنقد الذاتي بعد الهزيمة الانتخابية لسنة 2007 . لقد كان الحزب صريحا مع نفسه ومع المغاربة، لكن ما لمسناه بعد ذلك هو أن ما ينقصنا هو تسويق ما نقوم به من انجازات ونقد ذاتي. كما أن الوثيقة التي تم انجازها بعد المؤتمر الثامن كانت جريئة جدا إلى درجة اتصل بنا بعض الإخوة في اليسار الاشتراكي الموحد مشيدين بالجرأة التي تميزنا بها في نقد ذاتنا. أما ما يخص جمع شتات اليسار، فقال عبد الحميد إن أساسه يجب أن يكون «التواضع من أجل الوحدة» (اقتباسا من العبارة «السلام مقابل الأرض»)، بدون أن يتحول أي تيار إلى شاهد على التاريخ أو شاهد على العصر. إخواننا في اليسار، يقول عبد الحميد، خضعوا لعملية تحول في المواقف ب 180 درجة، ولم يطالبهم أحد بنقد ذاتي (تحولوا من الاعتقاد بديكتاتورية البروليتاريا إلى إستراتيجية النضال الديمقراطي) . فبعدما بالغوا في إصدار عبارات التخوين في حق الاتحاد، ورفضهم للمشاركة، تحولت مواقفهم من المقاطعة الراديكالية النهائية إلى إستراتيجية النضال الديمقراطي بدون نقد ذاتي وبدون أن يطالبهم أحد بذلك بما في ذلك الاتحاد. إن الحرص على جمع شتات اليسار يجب أن يكون عنوانه العريض التواضع والاعتراف بكون من يبني يمكن أن يخطئ ويسيء التقدير في بعض المحطات، وأن عملية البناء ليست كلها مكتسبات إيجابية متراكمة. على اليسار أن يعترف اليوم أن مشاركة الإتحاد المستوحاة من فكر عمر والمهدي مكنت البلاد من تجاوز «نزوعات» الملكية السلطانية المخزنية وما ارتبط بها من تقاليد عتيقة وقوى محافظة تطمح إلى ترك الوضع على ما هو عليه. وهنا لا بد أن نقول لهم أن الوعي الاتحادي بالتاريخ ومجرياته كان مبكرا، وأن قراراته ونضالاته من أجل إصلاح الدولة كانت في صلب الأدبيات الماركسية وفي صلب قولة هيكل الشهيرة : «الملكية تتقدم من خلال الأسوأ فيها»، وبفضل هذا الوعي المبكر، أصبح العالم يتحدث اليوم عن الخصوصية المغربية، خصوصية توجت بمسار تمكين البلاد، من خلال النضال من الداخل، من المصادقة على دستور جديد متقدم عن الدساتير السابقة. لقد تبين أنه ليس كل شيء مرتبط بموازين القوى، بل ما يحتاجه المغاربة هو «المعقول» و»الكبدة» على الوطن. بخصوص التكوين، بعث جماهري رسالة ثقيلة في الميزان، خفيفة في النطق، حيث قال : «التكوين يجب أن يكون منطلقه الإيمان بالفكرة الاتحادية». بخصوص التحالفات، قال جماهري إن للإتحاد أجندته، وإنه اليوم منهمك في تقوية الذات وفي تقوية الهيكلة الداخلية، وسيحسم في مسألة التحالفات في الوقت المناسب. الأهم والمؤكد هو كون الاتحاد لن يسمح بسيطرة الرجعية على الدولة والمجتمع وأن يترك المغاربة عرضة للأفكار الرجعية الاستغلالية. الاتحاد لن يسمح باستبدال النقاش الفكري المتنور الذي قاده رواد الفكر الاتحادي (المهدي، عمر، الجابري، العروي، الخطيبي،.....)، بسيطرة الفكر الرجعي الظلامي. وهنا ذكر جماهري بالعبارة التي رددها بنكيران والمجسدة لمشروع حزبه السياسي : «نريد الوصول إلى محيط الملك ومحاربة الحداثيين» . وختم جماهري كلامه بعبارتين هامتين لهما دلالة سياسية كبيرة: المجتمعات لا تطرح الأسئلة إلا التي تكون قادرة على الإجابة عنه من يسمع إلى شعبه سيسعفه بالأجوبة.