مع اقتراب موعد المعرض الدّولي للكتاب والنشر»، في بحْر شهر فبراير القادم، شرع عدد من المبدعين المغاربة، كتّاب الرواية والقصّة والشعر والنّقّاد، في السعْي إلى التحضير لهذا الموعد من خلال البحث عن كيفيّة لنشْر ما كتبوه. وازديادا في الرّغْبة في هذا الحضور، لا يجد بعض مبدعينا من حلّ سوى اللجوء إلى الاقتراض البنكيّ من أجل طبْع إبداعاتهم والعمل على نشْرها بطريقة من الطرق. وبما أنّ الشيء بالشيء يُذكر، ولوجود علاقة ما بين السينما والكتابة الإبداعية، فقد كنتُّ أتساءل دائما، ربّما بنوْع من السذاجة أحيانا : «لماذا ينعم السينمائيّون بكلّ هذا «الدّلال» المادي الذي يصل إلى الملايين من الدراهم، بينما يعاني الكاتب الأمرّيْن من أجل نشر ديون شعر أو مجموعة قصصية أو رواية الخ؟». هناك حيْف كبير يعاني منه الكُتّاب المغاربة الذين يجد عدد كبير منْهم نفسه ضحيّة ناشر مشرقيّ يمصّ دمه بنشر كتابه مقابل مبْلغ زهيد لا يتجاوز الثلاثة آلاف درهم وبضْع نُسخ، أو ضحيّة قروض لا يسددها إلا بعد أن يُنسى ما نشر، وخصوصا في ظلّ استفحال عادة توزيع الكتاب مجّانا حتى على الكُتّاب أنفسهم أمام العزوف على اقتناء الإبداع وتشجيعه. أمّا وزارة الثقافة الوصّية، فلا تستطيع تجاوز عدد محدود من حجم الكتابات الأدبية التي تعدّها للمعرض، ربّما بسبب ضعف ميزانيتها. ليست السينما، كما يُحاول البعض تبرير ذلك، هي الواجهة الإبداعية لبلادنا، فإذا نظرنا إلى بعض بلدان الشمال، فإننا نقتنع بأنّ اتساع رقعة الكتابة الإبداعية هو الذي كان حافزا وعاملا حاسما في تطوير الصناعة السينمائية، إلى درجة تطوير العلاقة بخلْق كُتّاب سيناريو متخّصصين في الكتابة السينمائية، بينما بعض سينمائيينا إما أنْ يبحثوا عن أيّ شخْص يحدّدون له السيناريو الذي يريدونه على المقاص، أو يستغنون بكلّ بساطة عن الكتّاب ويكتفون بكتابة السيناريو بأنفسهم حتى لا «يتشتّت» الدعم الذي يقدّمه المركز السينمائي المغربي لهم. إن الوضعية في حقيقة الأمر غيْر منطقية وغير عادلة. فلا يُعقل أنْ تبقى الكتابة الإبداعية في بلادنا معرّضة لهذا التهميش بدعوى أنها لا تُقرأ. في بلدان أخرى، عربية وغير عربية، لا يوجد قُرّاء كُثُر، ومع ذلك فإنّ الوضعية المادية والاعتباريّة للكاتب محفوظة، وإذا كان من حقّ رجل السينما أنْ يحصل على دعم مادّي، من أجل تقديم منتوج إبداعيّ جيّد ومُقنع (هذا إذا لمْ يقزّمْ هذا الدعم بالنقص من الممثلين الجيّدين والديكور ومكان التصوير والسيناريو بطبيعة الحال)، فإنه من حقّ رجل الأدب في المغرب أنْ يتوفّر على جهة داعمة في صيغة مركز أدبي مغربيّ على شاكلة المركز السينمائي المغربي. لمَ لا. وفي هذه الحال ستتكوّن تلقائيّا آلية تمييز الكتاب الجيّد من عدمه. أما أنْ يجد الكاتب المغربيّ نفسه وحيدا أمام الآلية الجهنّمية للنشر والتوزيع، يدور بإبداعه مثل طفْل، موزّعا هنا ومتجوّلا هناك من أجل التعريف بكتابه أو محاولا، بنوع من اليأس، استرجاع قيمة ما كلّته عملية النشر، فإنّه وضْع مؤسف في الحقيقة.