منذ أكثر من عشرين سنة، كان كل من محمد والتهامي جارين لبعضهما البعض يتبادلان الزيارات، ويشاركان بعضهما البعض الأفراح والمسرات والمآتم، بل إنهما كانا في أحيان عدة يقترضان الأموال من بعضهما البعض والآليات الفلاحية التقليدية، حتى أنهما كانا قاب قوسين أو أدنى من المصاهرة، كما أن زوجتيهما كانتا تتبادلان الأطعمة ويشاركن بعضهن البعض في كل شيء، إلا أنه ذات مساء خريفي، دخل محمد في شنآن مع التهامي قاد أفراد العائلتين إلى مقاطعة بعضهما البعض، كما أن الأبناء دخلوا في استفزاز بعضهم البعض والنساء قاطعن بعضهن البعض فما الذي حدث ؟ منذ أكثر من عشرين سنة، كان كل من محمد والتهامي جارين لبعضهما البعض يتبادلان الزيارات، ويشاركان بعضهما البعض الأفراح والمسرات والمآتم، بل إنهما كانا في أحيان عدة يقترضان الأموال من بعضهما البعض والآليات الفلاحية التقليدية، حتى أنهما كانا قاب قوسين أو أدنى من المصاهرة، كما أن زوجتيهما كانتا تتبادلان الأطعمة ويشاركن بعضهن البعض في كل شيء، إلا أنه ذات مساء خريفي، دخل محمد في شنآن مع التهامي قاد أفراد العائلتين الى مقاطعة بعضهما البعض، كما أن الأبناء دخلوا في استفزاز بعضهم البعض والنساء قاطعن بعضهن البعض فما الذي حدث ؟ ترسيم الحدود في كل شيء أقدم محمد على وضع بعض الأحجار كعلامة للحدود الفاصلة بين أرضه وأرض التهامي الذي أصبحت بهائمه تقتحم حقوله دون أن يتدخل التهامي لصدها عن ذلك، وهو الأمر الذي لم يرق هذا الأخير الذي اعتبر ترسيم الحدود على الأرض ترسيما للحدود في كل المجالات بما فيها العائلية ؟ لم يتقبل الأمر في البداية إلا أنه في الأخير رضخ الى الأمر الواقع وقرر هو الآخر وضع حدود لكل شيء. وذات صباح، بينما كان محمد يحمل الأحجار التي تشكل الحدود بين أرضه وأرض التهامي، لاحظ هذا الأخير أن محمد يعمل على تحويل الحد الذي يفصل بين أرضهما، وهو ما اعتبره تصغيرا من قيمته وسط أهالي الدوار فقرر وضع حد بينه وبين محمد ، وما هي إلا لحظات حتى كان محمد قد سقط مغمى عليه ومضرجا في دمائه. قدم ابنه سعيد على وجه السرعة للقيام بإسعاف والده، إلا أن وضعيته كانت حرجة فقرر حمله الى المستشفى الاقليمي لخطورة الإصابة وأثناء الطريق، أخبر بأن المعتدى عليه هو جاره التهامي وأن »فاروق« شاهد على ما حدث؟ ظل محمد لمدة أسبوع بين الحياة والموت، كان خلالها التهامي يتمنى أن لا يصاب بمكروه، فقد ندم على فعلته إلا أنه ورغم كل المحاولات التي جرت من أجل إنقاذه، باءت جميعها بالفشل وأسلم الروح الى باريها بعد أسبوع. بعد أسبوع، محمد يسلم الروح الى باريها كانت أول وجهة قصدها ابنه السعيد هو سرية الدرك الملكي ، حيث أحيل الملف على الفرقة المختصة التي انتقلت الى مستودع الأموات، وعاينت الجثة التي كانت تحمل آثار الضرب، كما أن التقرير الطبي كان يشير إلى أن الوفاة كانت نتيجة ضربة بحجر على مؤخرة الرأس، فيما أخبرهم الابن أن والده أكد أن »فاروق« كان حاضرا لحظة الاعتداء عليه ، وتم استدعاء »فاروق« الذي صرح أنه كان مارا بالقرب من أرض التهامي ومحمد، فلاحظ أنهما في شنآن، إذ كانا يتجادلان على الأرض، وفي لحظة، كان محمد يقوم بنقل الأحجار الموضوعة على حدود الأرض باغته التهامي بضربة بحجر على مستوى رأسه سقط على إثرها أرضا وتوجه على متن دابته في اتجاه منزله. وبعد أن تم استكمال كل الاجراءات، تم استدعاء التهامي الذي أنكر أية علاقة له بالموضوع، مصرحا أن وفاة محمد صادفت تواجده بالسوق الأسبوعي، والذي لم يعد منه إلا بعد صلاة المغرب التي بعد أدائها أخبره ابن الضحية أن والده قد سقط من فوق دابته ؟ إذاك رافقه من أجل إحضار الممرض، نافيا أن يكون قد وجه له أية ضربة بحجر أو بغيره. وبعد استكمال البحث التمهيدي، أحيل الملف على المدعي العام الذي أحاله على قاضي التحقيق لاستكمال اجراءات التحقيق، حيث استمع الى ابن الضحية الذي أكد تصريحاته التمهيدية، وهو نفس التأكيد الذي أقر به الشاهد فاروق . المتهم ينفي وفاروق يؤكد المشتبه به التهامي، وأثناء استنطاقه ابتدائيا وتفصيليا، أفاد أن الضحية جاره، وقد سمع بخبر وفاته بعد عودته من السوق الأسبوعي بعد صلاة المغرب، نافيا أن يكون قد وجه له الضرب أو الجرح. وبعد استكمال التحقيق، أصدر القاضي المكلف به قراره القاضي بثبوت جناية الضرب والجرح بواسطة السلاح المفضي الى الموت دون نية إحداثه وإحالته على غرفة الجنايات لمحاكمته طبقا للقانون المتهم يتشبث بالنفي والشاهد يؤكد أمام المحكمة وحين أحضر أمامها في حالة اعتقال مؤازرا بدفاعه، كما حضر الطرف المدني ونائبه والشهود الذين تم إخراجهم من القاعة، وبعد تلاوة الأمر بالإحالة، تأكد الرئيس من هوية المتهم التي جاءت مطابقة لمحضر الضابطة القضائية، وأشعره بالمنسوب إليه، فنفاه جملة وتفصيلا، مؤكدا أنه لم يكن حاضرا لحظة الواقعة، بل كان في السوق الأسبوعي ولم يعلم بوفاته إلا بعد عودت في حين أكد سعيد أنه لم يكن حاضرا لحظة الاعتداء، وقد توصل بخبره من طرف الجيران، حيث أفاد »فاروق« أن التهامي هو من اعتدى على والده. فاروق، وبعد أدائه اليمين القانونية، ونفيه أسباب التجريح، أكد أنه كان مارا بالقرب من أرض كل من الهالك والضحية، حيث كان هذا الأخير يقوم بنقل الأحجار التي تشكل حدودا بينهما، فحمل التهامي واحدة ووجهها مباشرة الى رأس محمد حيث سقط أرضا. وبعد أن اعتبرت القضية جاهزة، تناول الكلمة نائب الطرف المدني حيث تناول ظروف وملابسات الملف، واعتبر أن المنسوب للمتهم ثابت في حقه، وإنما إنكاره مجرد هروب من العقاب، والتمس في الدعوى العمومية، الحكم عليه وفق الملتمسات النهائية للوكيل العام، وفي الدعوى المدنية التابعة، الحكم وفق مذكرة المطالب. ممثل الحق العام تناول الكلمة، حيث أشار بداية الى ظروف النازلة وما رافقها الى حين ارتكاب الجرم، واعتبر ثبوت الأفعال في حقه رغم إنكاره، مؤكدا على الاعتراف الصريح للشاهد الذي عاين الواقعة والتمس في الأخير إدانته بعقوبة مناسبة والفعل المرتكب. بعد ذلك تناول الكلمة دفاع المتهم الذي أكد إنكار موكله طيلة أطوار الملف، كما ركز على غياب وسائل الإثبات في الملف برمته، بعد استبعاد شهادة الشاهد، والتمس في الأخير البراءة واحتياطيا البراءة لفائدة الشك واحتياطيا جدا تمتيعه بأوسع ما يمكن من ظروف التخفيف ورفض المطالب المقدمة. وبعد أن كان المتهم آخر من تكلم انسحبت الهيئة للمداولة وعادت بعدها وهي متكونة من نفس الأعضاء الذين ناقشوها، وأصدرت القرار التالي: تصرح غرفة الجنايات علنيا ابتدائيا حضوريا في الدعوى العمومية: بمؤاخذة المتهم من أجل المنسوب إليه والحكم عليه بخمسة عشر عاما سجنا نافذا وتحميله الصائر مجبرا في الأدنى في الدعوى المدنية التابعة: قبولها شكلا وموضوعا والحكم على المتهم بأدائه للمطالب بالحق المدني تعويضا إجماليا قدره 60.000 ده، مع الصائر والإجبار في الأدنى وأشعر المتهم بأجل الاستئناف.