لا أحد يمكنه اليوم أن ينكر أن الجريمة لم تكتسح فقط المدن ولكن كذلك البوادي المغربية على السواء، فغرف الجنايات لدى محاكم الاستئناف تدرج فيها وبأرقام جد متقاربة نسبة مماثلة لبعض الجرائم التي كانت حتى الامس القريب خاصة بالمدن، لتصبح اليوم تشمل حتى سكان القرى. ويمكن اعتبار جنايات السرقة الموصوفة وتكوين عصابة إجرامية والقتل العمد، من الجرائم التي أصبحت حاضرة بشكل لافت للنظر بالبوادي المغربية، أما الجنح فأمر طبيعي ان تغزوها خاصة بالنسبة للبوادي المحاذية للمدن والعواصم الجهوية. قضية اليوم، هي مثال حي على هذا التنامي الذي رغم المجهودات التي تقوم بها فرق الدرك الملكي، والقوات المساعدة، والمقدمين والشيوخ، وفاعلي الخير من المخبرين للحد من انتشار الجريمة فإن ذلك يبقى رهينا بالزيادة في أعداد كل هذه الانواع من الموظفين العموميين وتحفيزهم ماليا. القضية أدرجت ونوقشت أمام غرفة الجنايات لدى محكمة الاستئناف بسطات لوقوعها بدائرة نفوذها الترابي بإحدى الجماعات القروية. المتهمان فيها الاول من مواليد 1956 متزوج وأب لثلاثة ابناء عاطل. الثاني مزداد عام 1979 عازب عاطل، وكلاهما يسكنان بنفس المنطقة. التهمة: السرقة بالسلاح، والضرب والجرح بالسلاح، والسكر العلني. فصول المتابعة: 507 و401 و303 من القانون الجنائي. الحكم: 10 سنوات لكل واحد من المدانيْن. أحيل المتهمان على هذه الغرفة بمقتضى الامر بالإحالة لمحاكمتهما من أجل ما ذكر أعلاه. يؤخذ من أوراق الملف ومحضر درك مركز ثلاثاء الاولاد أنه في نفس اليوم حوالي الساعة 10 صباحا تقدم الى مركز الدرك الملكي المسمى (ج) الساكن بدوار () وأفاد أن والده (م) تعرض للضرب والجرح والسرقة بالعنف من طرف المسمى (ع) وذلك على الساعة الرابعة صباحا وهو بالمستشفى وأدلى بشهادة طبية مدة العجز فيها 60 يوما. البحث التمهيدي فتحت الضابطة القضائية بحثا في الموضوع فاستمعت للمبلغ (ج) فأكد ما جاء في الديباجة أعلاه وأضاف ان المعتدي (ع) استولى لوالده على مبلغ 15000 درهم. وبعد انتقال عناصر من الضابطة القضائية الى مستشفى الحسن الثاني بسطات حيث يرقد الضحية (م) رهن الاستشفاء عاينت عليه آثار الاعتداء على مستوى رأسه ووجهه ويده اليمنى التي يضع عليها جبيرة من الجبص. وعند الاستماع إليه صرح أنه على الساعة الرابعة صباحا من منزله. كالعادة بغية التوجه الى السوق الاسبوعي لخريبكة لشراء الماشية، وعلى بعد حوالي 400 متر من منزله صادفه المسمى (ع) رفقة شخص آخر يجهله فحياهما، لكنهما لم يردا عليه وبغته انقضا عليه وأسدلا قب جلبابه على وجهه وشرعا ينهلان عليه بالضرب والجرح بآلة حادة على مستوى الرأس كما أصاباه على مستوى معصم يده اليمنى الى أن أسقطوه أرضا وأغمي عليه دون أن يتذكر ما وقع بعد ذلك، وكان بحوزته مبلغ 15000 درهم في جيبه الأيمن من القميص الداخلي على المستوى الاعلى، ومبلغ 1200 درهم في نفس الجهة من الجيب الأسف فسرق منه المعتديان مبلغ 15000 درهم وبعض الوثائق الأخرى من بينها البطاقة الوطنية. تصريحات المتهم الأول وعند الاستماع للمتهم صرح في نبذة عن حياته أنه ازداد وترعرع بحمرية، لم يسبق له أن دخل أية مؤسسة تعليمية، ولما اشتد عوده أصبح يعمل في الحقول الفلاحية وقد تزوج وأنجب ثلاثة أطفال، وهو الآن يتعاطى للتجارة في المواشي. وعن المنسوب إليه أنكر في البداية ما وجه إليه من قبل (م) إلا أنه وعند مواجهته للضحية بالمستشفى لم يجد بدا من الاعتراف، وصرح من جديد أنه في يوم الحادث صباحا كان رفقة المسميين (ل) و(با) (ح) الساكنين بنفس الدوار وعند عودتهم الى مقر سكناهم تبادلوا الحديث أثناء الطريق حيث أخبرهم (ب) ان الضحية يتوفر على مبلغ مهم من المال وعندها اتفقوا على سرقته، وحدد ذلك في نفس التاريخ حوالي الساعة الثالثة والنصف صباحا التقوا بالقرب من منزل (ب) في الطريق التي سيسلكها الضحية، وحوالي الساعة الرابعة صباحا شاهدوا الضحية وهو قادم وعند اقترابه منهم قام صحبة (ل) بالانقضاض عليه وأمسكه من غطاء رأس الجلباب وضعه على رأسه وانهال عليه (ل) بالضرب بسكين، فيما بقي (ب) وابنه (ح) بعيدين عنهما يقومان بحراسة المكان، وعندما سقط الضحية مغمى عليه فتش جيوبه (ل) فأخذ كل ما بحوزته، وأكد ان الضحية سبق أن اقترض منه مبلغ 1500 درهم لكنه عندما أراد استردادها وقع بينهما خلاف حول 100 درهم ومنذ ذلك الوقت وهو لا يتعامل معه. تصريحات المتهم الثاني وعند الاستماع للمتهم (ل) صرح في نبذة عن حياته أنه ازداد وترعرع بحمرية وتابع دراسته الى السنة الخامسة من التعليم الابتدائي وانقطع عنها لعدم نجاحه فأخذ يعمل مساعد بناء الى أن امتهن هذه الحرفة. وعن المنسوب إليه صرح أنه في يوم الحادث حوالي الساعة الخامسة مساء انتهى من عمله بمدينة خريبكة وبعدها ذهب الى المركز التجاري أسيما واقتنى قنينة من ماء الحياة وتوجه الى الدوار، وعند وصوله حوالي الساعة السابعة التقى بالمسمى (ع) وجلسا يحتسيان الخمر الى حدود الساعة العاشرة ليلا فطلب منه رفيقه الذهاب الى أحد الاعراس المتواجدة بالدوار فحبذ الفكرة وهما في الطريق قررا الجلوس بعيدا عن المنزل الذي يتواجد به العرس نظرا لعدم وجود مطربين أو مغنيين، وحوالي الساعة الثانية صباحا بعد منتصب الليل عادا أدراجهما الى الدوار، وأثناء الطريق توقفا بأحد الامكنة الخالية من المارة ومكثا يحتسيان ما تبقى من الخمر الى أن أكملاه، وحوالي الساعة الثالثة صباحا شاهدا شخصا مارا بالقرب من المكان فقام زميله مسرعا نحو الضحية الذي كان يرتدي جلبابا وأمسكه من غطاء الرأس ضاغطا عليه الى الأسف بقوة وأخرج السكين الذي بحوزته ونظرا لمقاومة الضحية فإن (ع) طعنه بالسكين على معصم يده اليمنى فيما عمل هو على مساعدة زميله وتمكنا من السيطرة على الضحية وأسقطاه أرضا وقام (ع) بتمزيق جيبه وأخذ القطعة الممزقة بما فيها حافظة النقود وغادروا المكان تاركين الضحية ولما ابتعدا عن المكان فتشا المحفظة فوجدا بها 15000 درهم اقتسماها بالتساوي وذهب كل واحد الى حال سبيله، وبعد ذلك توجه الى الدارالبيضاء وأنفق مبلغه المالي في الملاهي الليلية ثم عاد الى الدوار. الشهود استمع لزوجة (ع) فأوضحت ان زوجها كان معها ليلة الحادث بالمنزل ولم يغادره حتي الصباح حوالي الساعة السادسة. واستمع لوالد المتهم الثاني فأوضح أنه في يوم النازلة لم يكن حاضرا لكونه يعمل بناء ببرشيد، وغادر المنزل ثلاثة أيام قبل الحادث ولم يعد إليه بتاتا. واستمع للمسمى (ب) فنفى ما جاء على لسان (ع) لا أساس له من الصحة، وليلة الاعتداء كان يشرف على الماشية بمنطقة تسمى الكعدة. وأكدت زوجة (ب) أنه خرج ليلة الحادث الى السوق الاسبوعي على الساعة الرابعة صباحا، أما ابنها (ح) فكان رفقة الماشية بمنطقة الكعدة. المناقشة أمام المحكمة بعد إدراج القضية في عدة جلسات واعتبارها جاهزة وبعد إحضار المتابعين من السجن الفلاحي عين مومن، وحضور دفاعهما وبعد التأكد من هوية المتهمين، تولى الرئيس تلاوة الامر بالإحالة، وأشعرهما بالتهمة المنسوبة إليهما فأجاب المتهم الاول بالإنكار وعرض عليه تصريحه التمهيدي فنفاه معترفا فقط بالسكر العلني. وأجاب المتهم الثاني بالإنكار وعرض عليه تصريحه أمام السيد قاضي التحقيق فنفاه موضحا بأنه في تصريحه ذاك كان بإيعاز من عناصر الدرك الملكي. واستمع للمطالب بالحق المدني الضحية فصرح بأن المتهم الاول اعترض طريقه وعنفه بواسطة أداة على مستوى رأسه ولا يعرف من طعنه بمدية على مستوى معصمه وأن المتهم كان معه شخص آخر لم يتعرف عليه وأنهما سرقا منه مبلغ 15.000 درهم وكان ذلك حوالي الرابعة صباحا وكان الوقت مظلما. وعرض عليه المتهمان فتعرف فقط على الاول (ع). وتناول الكلمة دفاع الطرف المدني والتمس الإدانة وفق ملتمسات السيد الوكيل العام للملك، وفي الدعوى المدنية التابعة التمس الحكم على المتهمين بأدائهما للمطالب بالحق المدني تعويضا مدنيا إجماليا قدره ستون ألف درهم. وتناول الكلمة الوكيل العام للملك الذي التمس الإدانة وفق فصول المتابعة نظرا لثبوت الافعال في حق المتهمين. وتناول الكلمة دفاع المتهم الاول فاستعرض ظروف القضية وملابساتها والظروف المحيطة بها والتمس البراءة نظرا لإنكار المتهم ونظرا لكون المحاضر لا تعد إلا مجرد بيان في المادة الجنائية ونظرا لكون الاستنطاق الابتدائي يعد استرسالا لمحاضر البحث التمهيدي واحتياطيا تمتيعه بأقصى ظروف التخفيف. وأكد دفاع المتهم الثاني مرافعة زميله جملة وتفصيلا. وبعد أن كان المتهمان آخر من تكلم، أعلن الرئيس عن اختتام المناقشات وانسحاب الهيئة القضائية للمداولة وعند عودتها تلا السيد الرئيس نص القرار الآتي: الغرفة أ في الدعوى العمومية: حيث توبع المتهمان من أجل جناية السرقة بالسلاح والضرب والجرح بواسطته والسكر العلني طبقا لفصول المتابعة أعلاه. وحيث اعترفا تمهيديا وأمام قاضي التحقيق بأنهما كانا في حالة سكر بين، مما تكون معه جنحة السكر العلني ثابتة في حقهما ويتعين إدانتهما من أجلها. وحيث اعترف المتهمان أمام قاضي التحقيق خلال الاستنطاق الابتدائي بأنهما اتفقا على اعتراض سبيل الضحية ليلا وسرقة ما بحوزته من مال، وفعلا كمنا له في الطريق لأنهما يعرفان الوجهة التي سيسلكها وانهالا عليه بالضرب والجرح والطعن بالسلاح. وحيث أفاد الضحية بأن المتهمين يسكنان معه بنفس الدوار، وان المتهم الاول غير ما مرة رافقه الى الاسواق على متن الشاحنات للاتجار في البهائم، وصباح يوم الحادث خرج من منزله ليتوجه الى سوق أحد خريبكة، وكان يحمل معه 15000 درهم في جيب ومبلغ 1200 درهم في جيب آخر، خلال الطريق المؤدي الى الشاحنة التي سيركبها، وفي الخلاء صادف شخصين عرف منهما المتهم الاول (ع) فسلم عليهما لكنهما لم يردا، ولما تجاوزهما قام (ع) بإسدال قب جلبابه على وجهه وضربه على عينه اليسرى، وعينه اليمنى وعلى رأسه بالحجارة وأسقطاه أرضا ثم طعنه بسكين على يده اليمنى حتى تسبب في قطع عصبين منها وقد أجرى عليها عملية جراحية ولما استفاق وجد أن الجانبين استوليا على مبلغ 15000 درهم من جيب سترته الخارجية (بلوزة) بعد تمزيق جيبها، ولم يبق لديه إلا 1200 درهم بجيب آخر لم ينتبه إليه الجانيان. وحيث ان المحكمة وبعد مناقشتها للقضية ودراستها لمحتويات الملف، ونظرا لاعتراف المتهمين التمهيدي وأمام السيد قاضي التحقيق ابتدائيا، ونظرا للتصريحات التي أفضى بها الضحية، فقد اقتنعت بأن جناية السرقة بالسلاح والضرب والجرح بواسطته ثابتان في حق المتهمين ويتعين إدانتهما من أجلها. وحيث تداولت المحكمة بشأن تمتيع أو عدم تمتيع المدانين كل على حدة بظروف التخفيف ،قررت تمتيعهما بها نظرا لظروفهما الاجتماعية. وعملا بمقتضيات المواد: 416/291/287/286 وما يليها من قانون المسطرة الجنائية وكذا فصول المتابعة والفصول 147 من القانون الجنائي. ب وفي الدعوى المدنية التابعة. حيث ان المطالب المدنية قدمت من ذي صفة ومصلحة ومؤدى عنهاالقسط الجزافي فهي مقبولة شكلا. وحيث إن الجريمة الثابتة في حق المتهمين كانت سببا مباشرا في الضرر اللاحق بالمطالب بالحق المدني. وحيث ان الضرر يجبر بالتعويض المناسب وفقا للسلطة التقديرية للمحكمة. لهذه الأسباب فإن غرفة الجنايات وهي تبت علنيا حضوريا وابتدائيا تصرح: أ في الدعوى العمومية: بمؤاخذة المتهمين من أجل ما نسب إليهما والحكم على كل واحد منهما بعشر سنوات سجنا نافذا، وتحميلهما الصائر والإجبار في الأدنى. ب وفي الدعوى المدنية التابعة: بقبولها شكلا. وموضوعا: بأداى المدانين تضامنا لفائدة المطالب بالحق المدني (ق.م) تعويضا مدنيا قدره عشرون ألف درهم 20.000 درهم مع الصائر والإجبار في الأدنى. وأشعر المدانان بأجل الطعن بالاستئناف.