يُطلق المعارض الجزائري، الجازم، محمد أرزقي فراد » صرخة غضب في وجه الاستبداد «، في وجه النظام السياسي الذي يعيق ميلاد دولة ديمقراطية كما دعا إلى ذلك إعلان نونبر. في هذ الحوار، الذي جرى دون لف أو دوران، يتهكم المحَاوَر من النظام المتسلط الذي تبّث نفسه منذ الاستقلال ولا يزال يعيث فسادا حتى يومنا هذا. إنه يُحذر من مبادرات أصحاب القرار الذين يَجدَون، تبعا له، في التحكم في الاستحقاقات الرئاسية القادمة لكي « يظلوا في السلطة رغم إرادة الجميع «. « إنهم يسعون إلى البقاء، حيث هم، ولو تطلب منهم ذلك زعزعة مؤسسات الجمهورية، إشعال نار الخلاف بينها، الدوس على الدستور وعلى الإرادة الشعبية التي لا يؤمنون بها إطلاقا، إضافة إلى كل ذلك «، كما يصرح بأسلوب مُدين. باعتباره نائبا سابقا عن جبهة القوى الاشتراكية ( انسحب من الجبهة سنة 2000 )، يعتقد محمد فراد بأن « النظام الحالي المستبد يمثل الماضي، وانه محكوم عليه بأن تكون نهايته خارج التاريخ «، وأن « المستقبل للديمقراطية حتما». { نشرتم مؤخرا كتابا تحت عنوان قوي: صرخة في وجه الاستبداد. هل تعيش الجزائر تحت قيادة نظام مستبد؟ من المؤسف أن نجد أنفسنا، بعد مرور نصف قرن على استرداد السيادة الوطنية، نتحدث عن نظام سياسي مستبد مفروض على الشعب بالقوة. لو كان إعلان فاتح نونبر 1954 قد اُحتُرم، لكنا بالتأكيد قد شيدنا دولة ديمقراطية مع الحصول على الاستقلال. للأسف، فقد تغلبت الأنانية، آنذاك، على قيم ثورة بأبعاد ديمقراطية. فمنذ ذلك الحين، وإلى حدود اليوم، لا تزال الجزائر تدور في حلقة مفرغة، ولا يزال مشروع الدولة الديمقراطية تحت رحمة الوضع القائم، بعد مرور خمسين سنة على الاستقلال. بكثير من الأسف، أيضا، نسجل أن بعض البلدان التي كان لها نفس مستوى التنمية في الجزائر، أمكنها اليوم أن تلحق، بفضل الديمقراطية، بدائرة الدول الحديثة. وكوريا الجنوبية خير دليل على ذلك. إن الجزائر، التي تعرضت للخيانة، تخدع لإشاعات أصحاب القرار وليس للقواعد والقوانين. ويتم تسييرها كما لو كانت مزرعة خصوصية، حيث ثقافة الدولة مفتقدة بشكل خطير في مواجهة الإيمان بشخصية مستكينة، أصبحت مُهيَّجة منذ 1999. لا وجود لأدنى حركة إلا إذا حملت شعار» رعاية معالي الرئيس «. إن الدولة، التي لا تتوفر على مؤسسات مستقلة، لا تخضع في سيرها لمبدأ فصل السلط ، حيث لا يكون التناوب على السلطة ممكنا بحكم الإرادة الشعبية.. نظام مستبد بامتياز. إن الدولة حيث لا يتمتع الشعب بالمواطنة، حيث الحريات العمومية معاقة، حيث وسائل الإعلام مخنوقة، حيث تحول المجتمع المدني إلى مجرد لجن للدعم، بدل أن يشكل قوة للاقتراح والمراقبة وإلى سلطة مضادة، دولة مستبدة ومتسلطة من كل وجهات النظر. طالما أن الجزائر تَعتقل أبناءها بسبب الرأي السياسي المخالف لرأي السلطان، وطالما أن الولاء هو معيار ولوج مناصب المسؤولية بدل الكفاءة والإرادة الشعبية، فإن الجزائريين لا ينعمون بالمواطنة. { في ظل حالة التسلط هذه، ستنظم إذن، بعد خمسة أشهر، الانتخابات الرئاسية. ما هو التعليق الذي يوحي لكم به ذلك؟ للأسف، فوضعية البلاد سيئة للغاية. فبدل تطبيق الفصل 88 من الدستور بعد المرض الخطير الذي ألم برئيس الجمهورية - شافاه الله -، المرض الذي يمنعه من مزاولة مهامه، نلاحظ باندهاش أن المستفيدين من نظام الريع يتحدثون عن ولاية رابعة، رغم علمهم باستحالة استمرار عبد العزيز بوتفليقة في الحكم. إنهم يكدون للتحكم في الانتخابات الرئاسية القادمة للبقاء في السلطة ضدا على إرادة الكل. إنهم يرغبون في الاستمرار ولو تطلب منهم ذلك زعزعة مؤسسات الجمهورية، إشعال نار الخلاف بينها، الدوس على الدستور وعلى الإرادة الشعبية التي لا يؤمنون بها إطلاقا، إضافة إلى كل ذلك. إن الغاية تبرر الوسائل، بالنسبة لهم. {تتواصل نقاهة الرئيس بوتفليقة منذ سبعة أشهر، ويبدو أنها تتأبد. أليست، إذن، استراحة من السلطة؟ الحقيقة، أن كل نظام تعوزه الشرعية الشعبية، كل فعل سياسي يتم خارج المشروع الديمقراطي، كما دعا إلى ذلك إعلان فاتح نونبر 1954، مجرد مُضاربة ومضيعة للوقت. ألاحظ، من وجهة النظر هذه، أن الفراغ السياسي يطبع الجزائر منذ 1962. إن النظام المتسلط الذي لا يحترم الإرادة الشعبية، لا يحترم الثقافة الديمقراطية، لا يحترم مؤسسات الدولة ولا الدستور، نظام لا يعرف مدى مجازفات هذا الفراغ ولا يعي خطورته. والشخص الذي عبر بروعة على هذا « العبث السياسي « هو الفنان الأمازيغي الكبير، الحكيم لوينس أيت منكلي، الذي يقول: « إن الحكومة التي ليس لها من يُوجهها، لا تخاف أيا كان لضمان البقاء «. في دولة الاستبداد، لا شيء بإمكانه أن يمنع الاستبداد. { أطلقتَ، رفقة شخصيات سياسية أخرى، مبادرة تقترحون من خلالها ضرورة التوجه نحو انتقال ديمقراطي. هل تعتقدون أن النظام، الذي تصفونه ب « المتسلط «، سيتفاعل مع اقتراحكم، أم أنه سيفرض مرة أخرى خارطة طريق تؤجل التغيير الديمقراطي؟ دعوني أقول لكم بأن المبادرة التي أطلقتُها، رفقة الأخوين عبد العزيز رحابي وأحمد عظيمي، كانت عملا مستقلا، عرضناه على الرأي العام في سياق معروف. كان لها هدفان أساسيان. أولا، الدفاع عن الدولة الجزائرية ومؤسساتها المؤسساتية التي أصبحت مهددة بشكل جدي بفعل السياسة المستبدة والمتسلطة. الهدف الثاني، هو أن نواجه محاولة تأجيل الانتخابات الرئاسية المنتظر تنظيمها خلال السنة القادمة.. لقد فرضنا أن لا يتم المس بالدستور قبل الانتخابات الرئاسية، احترام الآجال الانتخابية ل 2014 وأخيرا العمل على توفير الشروط الضرورية لتنظيم اقتراع حر ونزيه، سيكون بمثابة بريق أمل لإخراج الجزائر من دولة الأشخاص نحو دولة المؤسسات، القائمة على الإرادة والسيادة الشعبيتين. وللأسف، فإن الشروط السياسية المهيمنة تشير بشكل واضح إلى أن أصحاب القرار يعاندون في تطبيق خارطة الطريق الخاصة بهم ليظلوا في السلطة. وما شجع النظام السياسي القائم على دخول هذه المغامرة السياسية، هو انعدام علاقة القوة في مشهد سياسي بإمكانه أن يُثني السلطة. فالأحزاب السياسية ضعيفة، المجتمع المدني متفكك والجامعة، المريضة، لم تعد قادرة على حماية مشروع الحداثة والديمقراطية. لقد عمل النظام على كبح دور النقابة بعدما نجح في شراء ذمة إدارة الاتحاد العام للشغالين الجزائريين، كما أن دور النخب الثقافية، في المجتمع، انهار بسبب سياسة العصا والجزرة. لقد أجبر النظام بعض المثقفين على الصمت بفعل الترهيب بعزلهم عن مصادر الزاد. وبالنسبة لمثقفين آخرين، اشتروا صمتهم مقابل تعيينهم في مناصب أو مقابل المال.
{ إنك تقدم لوحة قاتمة عن الوضعية السياسية في البلاد، أم أنه لم يعد هناك، في النهاية، مجال للتغيير... رغم هذا المناخ المعتم ذي الآفاق السياسية غير المؤكدة، فإن احتمال التغيير الديمقراطي يظل قائما. قد يحدث في أية لحظة، عن طريق انفجار اجتماعي. إلا أن الثمن، في هذه الحالة، سيكون غاليا ولذلك نأسف على إصرار أصحاب القرار على جعل البلد يضيع فرص تغيير هادئ ومتدرج. { لذلك وبالمقابل، فإن المعارضة السياسية لم تنجح في خلق علاقة قوة بإمكانها أن تفرض المشروع الديمقراطي. كنتَ، في السابق، نائبا ومسيرا لجبهة القوى الاشتراكية. كيف تنظرون اليوم إلى هذه المعارضة؟ يمثل ضعف الأحزاب السياسية بالتحديد أحد الأسباب التي جعلت النظام السياسي الجزائري المستبد يصبح بشعا. أعتقد أن مسؤولية هذا الضعف تعني، في الوقت نفسه، السلطة السياسية و الأحزاب نفسها. فمباشرة بعد الاستقلال، كانت لدينا كفاءات سياسية، قادرة على بناء طبقة سياسية قوية، في مستوى تحديات تلك المرحلة؛ ولتجسيد ذلك، أذكر بعض الأسماء : بوضياف، أيت أحمد، كريم، عباس، بن خدة، دباغين، فارس، مهري، بشير الإبراهيمي... إلا أن استئثار مجموعة وجدة، مدعومة من قبل قوات الحدود، على السلطة واختيار نظام الحزب الوحيد وسيلة لبناء دولة، جعلا الجزائر تُضيع تلك الفرصة التاريخية. وبعد إقامة التعددية الحزبية، بناء على دستور 1989، تآمرت السلطة مرة أخرى لتشتيت العمل السياسي وإغراق الطبقة السياسية بتفريخ أحزاب خرجت من المختبرات مباشرة. إجمالا، لم تُبد السلطة إرادة حقيقية تسمح بانبثاق طبقة سياسية جادة. تتحمل الأحزاب السياسية، من جانبها، حصتها من المسؤولية بسبب الصراعات الإيديولوجية التي كسرت شوكتها. وكذلك بفعل العقلية المستبدة التي كانت تحكم قادة الأحزاب وتخلي بعضهم عن الفعل السياسي. لقد تحولت تلك التشكيلات السياسية إلى مجرد لجن لدعم السلطة بهدف الحصول على منافع وامتيازات. هذه الأخطاء السياسية الشنيعة، ستؤدي إلى تحقير عمل الأحزاب وإفقاد الفعل السياسي مشروعيته. النتيجة: عزوف فئات واسعة من المجتمع ورفضها الانخراط في المعركة السياسية. والأخطر، هو تدخل المال في الفضاء السياسي. { وما العمل للخروج من أزمة السياسي؟ إننا في مواجهة واقع سياسي خطير، إلا أننا لم نفقد الأمل. فبناء دولة يتطلب وجود أحزاب قوية، طبقة سياسية فعالة ومجتمع مدني مستقل. تلك بعض العناصر الأساسية، حجر الزاوية في تدبير شؤون الدولة، لبلوغ تناوب على السلطة يكون مطابقا للإرادة الشعبية. وفي جميع الأحوال، سأظل مقتنعا بأن النظام الحالي المستبد يمثل الماضي، ومحكوم عليه بأن تكون نهايته خارج التاريخ. إن المستقبل للديمقراطية حتما !