يخصص بنك المغرب لمحمد القاسمي المعرض الكبير الأول بعد الحل الذي آلت إليه مشكلة وراثة أعماله منذ وقت قصير. وهو معرض يجمع أعماله الأساسية التي أنجزها بين 1965 و 2003 سنة وفاته. ها هي عشر سنوات قد مرت على الرحيل المفاجئ لمحمد القاسمي، هذا الفنان المتعدد الذي اندمج بذكاء إبداعي نادر في الساحة الثقافية المغربية سواء من خلال ممارسته التشكيلية أو بنشاطه الشعري ومواقفه الفكرية. إن طابعه المبدع وإنتاجه الغزير والمتنوع كما القيمة الفنية والجمالية لأعماله والتطور الباهر لمسيره الفني يضعنا أمام أحد الفنانين الأكثر طليعية في عصره، أكان ذلك بالمغرب أم بباقي العالم العربي. ومحمد القاسمي فنان ظل منفتحا على المستجدات الثقافية، وشاعر وكاتب ذو قلم نابض وحاد النبرة، ومثقف يحمل في مسامه قضايا عصره، ومفكر متيقظ للقضايا الثقافية الأشد عمقا ولذلك ظل مثال المثقف الثاقب النظر. بل لذلك استطاع أن يطور ممارسته الفنية في السبل الأكثر حداثة التي كانت تشكل دوما هاجسه وأفقه. فمنذ الستينيات أدرك أن الممارسة التشكيلية لا يمكنها أن تنحصر في إطار اللوحة. فمن الأعلام المصبوغة على شاطئ الهرهورة قبالة المحيط الأطلسي، إلى المنشأة الفنية الهائلة «مغارة الأزمنة الآتية»، مرورا بالاشتغال مع مرضى مستشفى الأمراض العقلية ببرشيد، و»الحايكات» السبعة مع الصباغين بمراكش، وجدارية كنيسة غرونوبل، والمنجزة الفنية بتركيا، عرف القاسمي كيف يعدد المسارات الخصيبة لعمله الإبداعي. كان فوّارا بالأفكار المبتكرَة بحيث لم يفتأ منصتا لجذوته المبدعة، ممارسا الفن باعتباره حركة مفتوحة نحو الآخر وصاغية للصخب الهادر لزمننا. وبذلك فإن هذا التكريم الذي يقيمه متحف بنك المغرب لمحمد القاسمي، إذا كان يبتغي لنفسه أن يكون حدثا فنيا كبيرا، فهو أيضا مناسبة لرسم المسير المتعدد للفنان والكشف عن مكنوناته الفنية وإبراز الطابع الإبداعي المتنوع الذي أغنى به الساحة الفنية المغربية. إنه حدث فني سيسعى إلى استعادة الذاكرة غنية والفرادة فنية لأحد الفنانين الذين تركوا بصمتهم بارزة خلال العقود الأخيرة على خريطة الفن العربي الحديث والمعاصر.