توافق وزارة العدل وجمعية المحامين    السكوري: الحكومة تخلق فرص الشغل    مغاربة يتضامنون مع فلسطين ويطالبون ترامب بوقف الغطرسة الإسرائيلية    إقصائيات كأس إفريقيا 2025.. المنتخب المغربي يحقق فوزا عريضا على مضيفه الغابوني (5-1)    حملات تستهدف ظواهر سلبية بسطات    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    السكوري يبرز مجهودات الحكومة لخلق فرص الشغل بالعالم القروي ودعم المقاولات الصغرى    المنتخب المغربي يقلب الطاولة على الغابون ويفوز بخماسية خارج الديار    مقابلة مثالية للنجم ابراهيم دياز …    "طاقة المغرب" تحقق نتيجة صافية لحصة المجموعة ب 756 مليون درهم متم شتنبر    فيضانات فالنسيا.. المديرة العامة للوقاية المدنية الإسبانية تعرب عن امتنانها لجلالة الملك على دعم المغرب لإسبانيا    حماس "مستعدة" لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب "للضغط" على إسرائيل    لقجع يهنئ سيدات الجيش الملكي    لقجع: في أجواء التوترات الجيوستراتيجية التي تطبع العالم مافتئ المغرب يؤكد قدرته على التعاطي مع الظروف المتقلبة    سانشيز يشكر المغرب على دعمه لجهود الإغاثة في فالنسيا    جثة متحللة عالقة في شباك قارب صيد بسواحل الحسيمة    وزيرة مغربية تستقيل من الحكومة الهولندية بسبب أحداث أمستردام    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2025    زخات مطرية مصحوبة بتساقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية بعدد من أقاليم المملكة    جائزة المغرب للشباب.. احتفاء بالإبداع والابتكار لبناء مستقبل مشرق (صور)    شراكة مؤسسة "المدى" ووزارة التربية    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    الصحراوي يغادر معسكر المنتخب…والركراكي يواجه التحدي بقائمة غير مكتملة    جورج عبد الله.. مقاتل من أجل فلسطين قضى أكثر من نصف عمره في السجن    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت" (فيديو)    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج 'حوارات'    خناتة بنونة.. ليست مجرد صورة على ملصق !    المغرب: زخات مطرية وتياقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    جدد دعم المغرب الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة :جلالة الملك يهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني لبلاده    إجلاء 3 مهاجرين وصلوا الى جزيرة البوران في المتوسط    حماس تعلن استعدادها لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب للضغط على إسرائيل    مكتب الصرف يطلق خلية خاصة لمراقبة أرباح المؤثرين على الإنترنت    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة    اقتراب آخر أجل لاستفادة المقاولات من الإعفاء الجزئي من مستحقات التأخير والتحصيل والغرامات لصالح CNSS    قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"        هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة        تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    جدعون ليفي يكتب: مع تسلم ترامب ووزرائه الحكم ستحصل إسرائيل على إذن بالقتل والتطهير والترحيل    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طب الأسنان والممارسة اللاشرعية! «إلى ابنتي إيمان: كل المحبة والحنان»

  الصحة، نعمة من بين أغلى ما أنعم الله به على بني البشر، يتمناها المرء في الخفاء والعلن بشغف شديد، ويكمن سر غلائها في كونها علما وفنا في آن واحد، يهدفان إلى الحماية من وعثاء المرض والوقاية منه، وهي أيضا حالة تكامل من السلامة جسديا وعقليا واجتماعيا، تقتضي الضرورة إيلاءها كامل العناية، لضمان حياة هادئة ومستقرة لأطول مدة، في ظروف جيدة، وبيئة طبيعية خالية من الأمراض المعدية والأوبئة. وفي المجمل «الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى»، كما تقول الحكمة، إذ ما قيمة القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، إذا ما اعتل الفرد واستفحل الداء دون أن يجدي الدواء ؟
وفي هذا الإطار، تندرج ورقتنا التي نريدها صافرة إنذار، لإثارة الانتباه إلى ما بات يتهدد المجتمع من أخطار داهمة، في غياب سياسة وطنية صحية ذات فعالية، تعنى بحقوق المواطنين في توفير الأمن الصحي وحمايتهم من المخالفين للقانون، وتساهم في انطلاق المشاريع التنموية البشرية. ذلك أنه بالنظر إلى تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، أمام انسداد الآفاق وانعدام فرص الشغل، وفي ظل تسيب صارخ، من أسطع عناوينه «الحاجة أم الاختراع»، نبتت كالفطر بيننا حرف عشوائية، وظهر عدد من الدجالين في شتى الميادين، سيما ما يتعلق ب: طب الأعشاب وطب الأسنان، مستغلين تراجع القانون وعجزه حيال بعض المستبدين وبؤس المواطنين...
ونود هنا ملامسة ما تتعرض له ممارسة طب الأسنان من تشويه، وما تعرفه من اختلالات تسترخص حياة الأشخاص. ففي الوقت الذي يستدعي فتح عيادة طبية لعلاج الأسنان، توفر صاحبها على شهادة الدكتوراه في طب الأسنان، ترخيص من الأمانة العامة للحكومة، مصادق عليه من لدن السلطات المحلية، ومسجل بالمحكمة الابتدائية التابعة لمحل مزاولة المهنة، نجد جيلا جديدا من الممارسين اللاشرعيين بدون مؤهل علمي، تطاولوا على المجال في واضحة النهار، يغرون زبائنهم بتبسيط تكاليف «العلاج»، يستعملون مواد غير ذات جودة، يحاولون محاكاة الأطباء الحقيقيين، يباشرون أعمالهم الرعناء بشكل عشوائي دون حسيب أو رقيب، لا يكترثون بما قد يلحقونه من أضرار جسيمة بالمواطنين، جراء جعل أفواههم مراتع خصبة لإجرامهم، ووحدها الدولة من يتحمل المسؤولية المزدوجة، إن على مستوى تركها الحبل على الغارب، لدرجة اختلط فيها على بسطاء الناس التمييز بين الطبيب الفعلي والمنتحل لصفته، وغضها الطرف عن استمرار الممارسة اللاقانونية للمهنة من حيث السماح بإنشاء جمعيات وهمية، وتنامي محلات المتاجرة بصحة المواطن في المدن والقرى، مما يتنافى والقوانين المنظمة للمهنة، أو على مستوى تردي أوضاع صحة الفم والأسنان وما يلزمها من ميزانية لعلاج الأضرار الناجمة عن تهور أشخاص بلا ضمير، يجهلون أبجديات قواعد حقن المرضى، التطهير وتعقيم أدوات العمل، ناهيكم عن وصف الأدوية باعتباطية، مما يؤدي إلى وقوع وفيات أوظهور أمراض فتاكة: السيدا، التهاب الكبد الفيروسي ومضاعفات لا تقل عنها خطورة... علما أنه بقوة القانون، يمنع عن غير المختصين في المجال مزاولة المهنة، سواء تعلق الأمر بتشخيص المرض أو علاج الأسنان وقلعها أو تبييضها وتعويضها، إذ لا يعقل والحالة هذه، أن يقضي الطبيب قبل التخرج ما يقارب عشرين سنة بنهاراتها ولياليها، بحلوها ومرها، بزمهريرها وأمطارها، بشموسها وحرارتها في الكد والتحصيل، في حضور الدروس النظرية والمشاركة في الأعمال التطبيقية، وإجراء تدريبات عملية في الكلية وعيادات طبية خاصة... ويأتي في الأخير شخص بدون صفة، بتجربة ذاتية ضحلة تشكلت في الأسواق أو في محلات تقليدية، لا يتوفر حتى على شهادة البكالوريا، أو حاصل بطرق ملتوية على دبلوم مزور، يملك رصيدا ماليا يسمح بفتح محل وتجهيزه، ثم يشرع في «سلخ» المواطنين بلا أدنى شفقة...
بيد أن ما يحز في النفس ويؤسف له حقا، أن يتم التلاعب بصحة وسلامة المواطنين،أمام أعين السلطات وتجاهل الآفة من قبل شخصية مرموقة، خاضت صراعا ضاريا مع أطباء القطاع العام، للحيلولة دون العمل في القطاع الخاص بدعوى لا قانونيته، خبرت ميدان الطب في المغرب، عبر تدرجها في العديد من المسؤوليات الكبرى، تتميز بالاستقامة ولها من الكفاءة العلمية والخبرة المهنية، ما يؤهلها للعب أدوار طلائعية في النهوض بقطاع الصحة بشكل عام وفك العزلة عن طب الأسنان بوجه خاص، شخصية تقدمية وازنة تمسك اليوم بمقود سفينة الصحة بالبلاد، إنه السيد: الحسين الوردي وزير الصحة، الذي ما انفك المواطنون يراهنون على جديته ورغبته الأكيدة، في تصحيح الأوضاع الكارثية، والمرشحة للمزيد من التفاقم إن لم نقل للانفجار، سيما في كل ما له صلة بعلاج الفم والأسنان. ومما زاد من مضاغفة القلق وارتفاع منسوب الغضب والاستياء، أنه طيلة السنتين المنقضيتين من عمر حكومة «الإخوان» برئاسة السيد ابن كيران، لم يلح في الأفق ما يبشر بالتغيير المنشود، وأثبتت التجربة «الفتية» إخفاقها في إدارة الشأن العام، وتخليق الحياة العامة على جميع المستويات والأصعدة، لم تستطع الحكومة في نسختها الأولى، تقديم النزراليسير مما يقنع في تفكيك بنيات الفساد، ولا في الاستجابة لمتطلبات أفراد الشعب، بما يوفر لهم العيش الكريم، الأمن الصحي، التعليم، الشغل والعدالة الاجتماعية...ولن تستطيع صنوتها الثانية تدارك الزمن الضائع، إن لبث الحال على ما هو عليه من تخبط وارتباك، في غياب استراتيجيات واضحة المعالم...
وإذا كانت غالبية الأسر الفقيرة وذات الدخل المتوسط تضحي بالغالي والنفيس، عاقدة الآمال الواسعة، ومتطلعة إلى إشراقة يوم يحصل فيه أبناؤها على شهادات عليا، تبوئهم وضعا اعتباريا في المجتمع ومنصبا وظيفيا محترما، فإنها سرعان ما تنكمش خائبة ومحبطة وهي تراهم يتجهون مكرهين إلى غير تخصصاتهم، أو يفنون بقية أعمارهم في الاحتجاج والتظاهر، لإسماع أصواتهم المبحوحة بلا جدوى... ومن المفارقات الغريبة التي لا يستوعبها ذو عقل سليم، أن نجد فئة عريضة من خيرة شبابنا الطموح، المتعطش إلى رفع مستوى عيش أسرته وخدمة وطنه، خصوصا من خريجي كلية طب الأسنان بالمغرب على قلتهم، وفي ظل انعدام الإمكانيات والتسهيلات لمباشرة أعمالهم الحرة في عيادات شخصية، وتعذر إيجاد فرص شغل مناسبة، حيث يشكو القطاع العام من شح المناصب المالية، فيما القطاع الخاص يبحث عن أبسط طرق الاستغلال بأقل الرواتب وبعقود عمل تخضع لشروط «الباطرون»، تضطر فئة إلى طرق أبواب أولئك الدجالين من «صناع الأسنان»، المتوفرين على محلات مجهزة بأحدث التجهيزات، للاشتغال تحت إمرتهم ووفق إملاءاتهم... ولنا أن نتساءل، إذا كان قطاع طب الأسنان الخاص، يتوفر على هيأة مهنية من بين مهامها المتعددة: السهر على احترام ضوابط المهنة، التزام الأطباء الممارسين بأخلاقياتها، الرفع من قيمتها وتلميع صورتها، كبح جماح المندفعين نحو الربح دون مراعاة صحة الزبون/المواطن، زجر المخالفات، التأديب والعقوبات التي قد تصل إلى حد التشطيب. فمن يا ترى يتصدى لهؤلاءالمشعوذين الذين دمروا صحة العباد وأساؤوا إلى مجال طب الأسنان وسمعة البلاد؟
إن الواجب الأخلاقي يدعونا إلى استجماع كل قوانا لمكافحة هذا الوباء، الذي تغلغل وتجذرفي مدننا وقرانا، ونعجل بالقضاء عليه حماية للمواطن ودفاعا عن حقوقه الكونية المشروعة، ولن يتأتى إحرازالتقدم والفوز إلا عبر تضافر جهود الجميع، بدءا بوزارة الصحة من خلال ضمان مستقبل خريجي كليات الطب وطب الأسنان، بتوفير العمل بالمستشفيات العمومية والمراكز الجامعية، وتوسيع دائرة الاستقطاب في التخصصات، كالإفراج مثلا عن مباراة: الإقامة أي ((Résidanat، إعادة الثقة لأبناء الطبقات المعوزة والمتوسطة المتفوقين، وتحفيزهم للإقبال على كليات الطب، حتى لا يبقى المجال حكرا على الفئات الميسورة من أبناء الأسر المخملية، الذين يجدون أمامهم عيادات جاهزة بأحدث المستلزمات الضرورية، تقديم رعاية نوعية وخدمة صحية ترتقي بصحة المواطن، العمل على إصدار قانون جديد لتنظيم مهنة طب وجراحة الفم والأسنان، بدل الإبقاء على ظهير 1960 المتجاوز، وإصدار قانون آخر خاص بطاقمي أو تقنيي مختبرات الأسنان. أن تبادر وزارة الداخلية إلى الضرب بيد من حديد على كل الخارجين عن القانون، وإغلاق محلاتهم فورا وبدون تلكؤ... أن تستثمر النقابات المهنية وفعاليات المجتمع المدني ما لهما من قوة ضغط هائلة، لإلزام المسؤولين باتخاذ قرارات جريئة ووضع حد للعبث القائم، وأن يقوم الإعلام بما عهدنا فيه من فضح للفساد عبر دوره التوعوي، دون إغفال الدور الحاسم للمدرسة في حسن التنشئة والتوجيه...
لقد وقف المغرب إلى جانب أمريكا في حروبها الأهلية، عندما أراد بعض الأمريكيين الانفصال عنها، حيث ظل المغرب متشبثا بموقفه الرافض لمحاولات تشطير أمريكا ، ومؤكدا على وحدة ترابها وتماسك جميع أطرافها ،عندما استجابت السلطة المغربية آنذاك لطلب الأمريكيين بشأن متابعة الانفصاليين الذين حطوا بمدينة طنجة، كما لم تسمح لهم برسو سفنهم بمراسي البلاد حين وصولهم. موقف المغرب هذا تجاه بلد بعيد عنه كأمريكا يمكن اعتباره إرثا دبلوماسيا وتراثا سياسيا و نموذجا للتعاون الثنائي المشترك عز نظيره، يجب تثمينه وإحياؤه والتعريف به في العالم، بل واستثماره لصالح قضايانا العادلة، كما يمكن اعتباره كذلك بمثابة دين ثقيل لدى الأمريكان تجاه المغرب، دين دائم ومتواصل عبر الأجيال، من المفروض أن يمنعهم من اتخاذ أي موقف أو مباركة أي قرار، من شأنه أن يضر بمصالح المغرب ويمس بسيادته ووحدة أراضيه.
وبعد تحرير وثيقة المطالبة باستقلال المغرب سنة 1944، أرسلت نسخة إلى الولايات المتحدة الأمريكية للإطلاع عليها. وفي سنة 1956 ،كان الرئيس الأمريكي إيزنهاور أول زعيم يعين سفيرا له بالمغرب. وبذلك تكون أمريكا بدورها أول دولة تعترف عمليا بالمغرب المستقل.
ومنذ ذلك الحين، والاتصال قائم ببين الطرفين، في إطار من الود والتقدير والاحترام المتبادل.
لقد تعددت مجالات التعاون بين المغرب وأمريكا، وذلك من خلال عدة اتفاقيات تم التوقيع عليها بين الجانبين، لعل أبرزها اتفاقية التعاون الثقافي والتربوي، التي تهدف إلى تسهيل التعاون الجامعي والتبادل الثقافي لفائدة رعايا البلدين ، والتي انعقد بموجبها في سنة 1982 أول اجتماع لما سمي مؤسسة مغربية أمريكية للتعاون الثقافي. وفي ما بعد، ولأهمية هذه المؤسسة، قبل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أن يكون رئيسا فخريا لها كما قبل محمد السادس أن يكون رئيسها الشرفي.
وقصد تحقيق التوازن في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية و المغرب، تم منذ منتصف السبعينات الشروع في توسيع علاقاتهما الاقتصادية، والتي ظلت لفترة طويلة متأخرة جدا وتعيش تهميشا ملحوظا، ومحرومة من الهياكل والوسائل الكفيلة بإعطائها بعدا نوعيا وطموحا وفي مستوى التعاون السياسي القائم بين البلدين. فجاء التوقيع سنة 1975 على اتفاقية لتفادي الازدواج الضريبي وفي سنة 1985 على اتفاقية لتشجيع الاستثمارات ، كما بدأ المغرب يطبق معايير للتخفيف من العراقيل، من أجل الرفع من الاستثمارات والتجارة ، مما قد يفتح معه المجال واسعا أمام الاستثمارات الأمريكية، وخاصة عقب الزيارة التي قامت بها «بعثة هيئة الاستثمارات في القطاع الخاص لما وراء البحار» للمغرب سنة 1989. وفي سنة 1995، تم إبرام اتفاقية إطار، تنص على خلق مجلس مغربي أمريكي للتجارة والاستثمار، بهدف فتح آفاق جديدة في مجالات تطوير المبادلات التجارية وجلب الاستثمارات. وفي سنة 1998، تم التوقيع على مبادرة «إيزنشتاين» متعددة الأطراف، والتي ركزت على المجال المغاربي، كمنطقة مندمجة وعلى القطاع الخاص كقاطرة للتنمية.
وفور اعتلاء الملك محمد السادس عرش المملكة، قام في سنة 2000 بأول زيارة رسمية له لأمريكا، سعى من خلالها إلى تحقيق شراكة استراتيجية، انطلاقا من رغبته الأكيدة في الرفع من مستوى العلاقات الاقتصادية إلى مستوى العلاقات السياسية، حيث تكلم جلالته مخاطبا الأمريكيين «... وإني أثمن في هذا السياق إرادتنا المشتركة في إعطاء علاقات بلدينا الثنائية الممتازة مزيدا من الوضوح والاتساع والازدهار، من خلال تحقيق اتفاقية التبادل الحر التي ستمكن علاقاتنا السياسية من عمق اقتصادي «.
وفي هذا الإطار، واعتبارا لما تسميه الولايات المتحدة الأمريكية « بدائرة التنمية المتسعة»، تم التوقيع بواشنطن في 15 يونيو 2004 على اتفاق للتبادل الحر، وذلك تكريسا وتعميقا للعلاقات المتميزة بين البلدين عبر التاريخ من جهة، واختبارا حقيقيا من جهة أخرى لقياس الرغبة في دعم الشراكة الاقتصادية إلى جانب الشراكة السياسية، التي تتمثل أساسا في تطابق المواقف وتناغم وجهات النظر، تجاه العديد من القضايا في العالم.
وإذا كان هذا الاتفاق يتسم بشموله لمختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحقوقية والعلمية والثقافية، ويمنح إمكانات هائلة للنشاط الاقتصادي، التجاري والمالي والإنتاجي، في كلا البلدين، من دون قيود حمائية، جمركية أو إدارية أو تفضيلية، إلا في حالات استثنائية جدا، تهم أساسا قطاعات الفلاحة والنسيج والملابس وصناعة الأدوية و القطاع المالي وخدمات التأمين في النقل البحري والجوي والطرقي .... فإنه لم تواكبه، في الوقت ذاته ، و بالموازاة معه، أي تعبئة ، من طرف الدولة و المقاولات والمؤسسات العمومية والجمعيات... وذلك من أجل فهم فحواه والوقوف على أهميته ، والفرص التي يتيحها والرهانات التي يفرزها والتحديات التي يطرحه. لأن الجميع هنا معني ، سواء المنتجين أو المستهلكين أو السياسيين أو الحزبيين أو النقابيين أو المفكرين أو الأكاديميين أو العمال أو المأجورين...، كما لم تواكبه منذ البداية أية إجراءات عملية موازية كفيلة بتدبير المرحلة الانتقالية ، قبل الوصول إلى المراحل النهائية . كما جاء هذا الاتفاق في ظل تفاوت اقتصادي وتكنولوجي وتجاري وصناعي وثقافي كبير جدا بين البلدين، وفي غياب تام لأي إصلاحات اقتصادية وسياسية وإدارية وقانونية ومؤسساتية، هيكلية ، تمكن من ضمان الشفافية في تفويت الصفقات العمومية والقضاء على الرشوة وإصلاح منظومة العدالة، كما كان يطالب بذلك دائما الشركاء الأمريكيون ، وفي غياب كذلك لأي دعم مالي مقدر من طرفهم - باستثناء بعض الدعم التقني المحدود جدا- قد يساهم في تأهيل النسيج الاقتصادي وتنويعه وتقويته والرفع من طاقاته الإنتاجية، مما قد ينتج عنه امتلاك المغرب لمقومات ومزايا نسبية وتنافسية معتبرة ، تمكنه أولا من الاستجابة لطلبيات السوق الأمريكية الواسعة، ثم بعد ذلك غزو الأسواق الخارجية، وبالتالي تحقيق ربح اقتصادي أكيد، يتيح له تعزيز موقعه في علاقاته السياسية والدبلوماسية ،الإقليمية و الدولية.
فالأستاذ عبد الله إبراهيم سافر من سحر الشعر والأدب إلى وجع السياسة والنضال، وفر ولع الكلمة ليسقط في وجع الفعل الوطني، ولذلك فعندما تودعه السياسة أو يودعها يعود إلى كنف الكتابة وحضن التدريس وفردوس البحث العلمي الأكاديمي .
وهو كما عبرت عنه برقية التعزية التي بعث بها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله إلى أفراد أسرته الصغيرة، « قيادي حزبي حصيف، ومثقف مخضرم، ومجتهد في المزاوجة الخلاقة بين الجوانب المشرقة في ثقافتنا المغربية، والانفتاح على الفكر العالمي وثقافة العصر، والجمع بين دماثة الخلق والعمل السياسي بمفهومه النبيل، الملتزم بخدمة قضايا الأمة والتشبث بمقدساتها».
والرجل أيضا كما تحدث عنه المرحوم أبو بكر القادري، عَلَمٌ بالأوساط الثقافية وطود في ساحة الوطنية. برزت موهبته النضالية وهو طالب بجامعة بن يوسف حيث استطاع أن يلف حوله جموع الشباب الوطني المراكشي، كما برزت ملامح نبوغه الأدبي وهو يحرر مقالات أدبية ويكتب قَصَصا قصيرة بالإضافة إلى أبحاث ودراسات ذات طبيعة تاريخية وفلسفية تصدر بجرائد ومجلات ثلاثينيات القرن الماضي.
وهو كذلك الرجل الذي يتصف « بتواضع لا تكاد تميزه عن الحياء. وإذا رأيته لا تحسبه رئيسا للحكومة، وإنما تخاله نبيلا من النبلاء الصغار، يحسب حساب النبلاء الكبار « كما جاء في شهادة الكاتب روم لاندو. وهو كما قال المناضل السيد أحمد الخراص رجل « ذو بعد في النظر وصفاء في الذهن ووجاهة في التحليل وقوة في الإدراك والملاحظة. هو السياسي المرن والمناضل المتشدد العصامي القاسي حتى على نفسه وذويه في مواطن الحق، وهو المتكلم حتى دون أن ينطق أو كما يقول الشاعر:
حلو الفكاهة مُر الجد قد مَجَجَت / من شدة البأس منه رقة الغزل
تفتقت ملامح الوطنية عند ابن درب الحمام بحي المواسين بمراكش الحمراء منذ ريعان شبابه، فلا هو انتظر حتى يشتد عوده أو يُشَد أزره أو يُقوى عضده، بل ارتمى في حضن النضال ليجرب السجن والاعتقال وهو ابن 16ربيعا من عمره بتهمة توعية الحرفيين وتنظيمهم والدفع بهم إلى تنظيم الاحتجاجات؛ كما سيزج به في غياهب السحن سنة 1936 بعد عودته من اجتماع للكتلة الوطنية بالدار البيضاء؛ وفي سنة 1937 سينفى إلى تارودانت بعد تزعمه لمظاهرة انطلقت من دروب المدينة نحو ساحة جامع الفنا، حيث سيحكم عليه بالأشغال الشاقة أجبر على قضائها في تبليط الطرقات وكنس مجاري المياه العادمة مع ثلة من الوطنيين والعلماء من أبناء مدينة مراكش، وليكون بذلك أصغر مثقف وعالم خلال مرحلة الأربعينيات يتم اعتقاله  ونفيه جنوب  المغرب . لكن النفي والاعتقال لم يحولا دون استمراره في مقاومة الاستعمار، والنضال ضد الظلم والإقصاء الاجتماعي. بعد حصوله على شهادة العالِمية، توجه الفقيد عبد الله إبراهيم إلى أوربا لاستكمال تكوينه الأكاديمي والعلمي عوضا عن المشرق العربي، الوجهة المعتادة للطلبة المغاربة، حيث الأزهر، والقيروان. وهناك بجامعة السوربون اغترف الطالب الموهوب عبد الله إبراهيم من معين الفلسفة الغربية، خصوصا من مكتبتي «هيغل» و»جون بول سارتر» اللتين سيكون لهما تأثير الخيمياء في المعادن على شخصية الرجل. سافر إلى فرنسا ليس فقط طلبا للعلم وللاستزادة منه، لكن أيضا وكما جاء على لسانه كان السفر فرارا من واقع الاضطهاد وفقدان الأمل في سياسة الحكومة الفرنسية تجاه مطالب الشعب المغربي في الاستقلال، وثانيا لتشَوُّش الرؤية لدى الحركة الوطنية بعد الحملة القمعية لسلطات الحماية خلال سنة 1944 وما بعدها على إثر تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال التي كان فقيدنا من الموقعين عليها.
أحدثت مرحلة الهجرة طفرة خاصة في حياة الفقيد حيث سينغمر وينغمس في لجة النضال العالمي الذي كانت دمائه تسري دافئة دافقة في عروق فرنسا المتحررة توا من الاحتلال النازي والتي أضحت قبلة للكثير من أبناء العالم العربي والغربي والآسيوي على حد سواء ممن يبحثون عن الحرية والانعتاق.
عاد عبد الله إبراهيم إلى المغرب خريف سنة 1949 بعد أربع سنوات من الغياب. عاد، لكن رجلا آخر أو كما قال الحبيب الفرقاني في شهادته « لقد ذهب أستاذنا لفرنسا شخصا معينا، وعاد شخصا آخر في أفكاره وتوجهاته ومنهاجه». عاد ليتقلد عدة مناصب وتُوكل إليه عدة مسؤوليات ومهام، إذ عرض عليه المرحوم الزعيم علال الفاسي أن يكون مساعده في العمل السياسي ليعتذر الرجل بلباقة الحاذق المتمرس المجرب، ليعهد إليه بمهمة تدبير ملف الشؤون النقابية ورئاسة هيأة تحرير جريدة العلم.
سيتعرض الفقيد الأستاذ عبد الله إبراهيم للاعتقال جراء الاحتجاجات العمالية والشعبية التي نظمت عقب اغتيال المناضل النقابي المغاربي فرحات حشاد، ليظل رهنه إلى صيف 1954 رفقة مجموعة من الوطنيين. وكانت التهمة المس بأمن الدولة «المستعمرة « الداخلي و الخارجي.
سيعين الفقيد الأستاذ عبد الله إبراهيم في أول حكومة مغربية تتشكل سنة 1955 ككاتب للدولة في الأنباء وناطقا رسميا باسم الحكومة، ثم وزيرا للشغل والشؤون الاجتماعية بين سنتي 1956 و 1957 وهي المرحلة التي كان من أولوياته فيها يقول الفقيد « إصدار التشريع الوطني الخاص بالنقابات على عهد الاستقلال». ليتولى رئاسة الحكومة بتكليف من جلالة المغفور له محمد الخامس سنة 1958 و هي المهمة التي ستكون خاتمة عقد قرانه القسري بالسياسة.
وعلى الرغم من أن الحكومة التي ترأسها فقيدنا المرحوم الأستاذ عبد الله إبراهيم لم تعمر سوى 16 شهرا، فإنها ظلت أيقونة في الذاكرة السياسية والوطنية المغربية وبصمة عصية على المحو من تاريخ المغرب المعاصر، باعتبارها تجربة رائدة اتخذت جملة من القرارات الوطنية الجريئة والشجاعة ما زالت ليومنا مفخرة الدولة المغربية والاقتصاد الوطني.
بعد مغادرته لقارب السياسة، ركب الفقيد الأستاذ عبد الله إبراهيم سفينة العلم مساهما بثراء وسخاء وغزارة وتنوع في شتى فروع الفكر من علوم سياسة وعلم الاجتماع والفلسفة والدبلوماسية والتاريخ، إضافة إلى الكثير من المباحث التي أبدع في تلقينها لطلابه الجامعيين على امتداد أكثر من ثلاثة عقود. لقد كان كما عُهد أكاديميا متمرسا وأستاذا صارما، وحريصا على تلقين المعلومة الدقيقة، والسهر على التكوين والتعليم الرصين.
ولقد جمعتني به فترة التدريس التي قضيناها معا لمدة سنوات بالمركز الجهوي للتكوين الإداري لأطر الداخلية بالدار البيضاء، وكذا بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء وبجامعة محمد الخامس بالرباط.
ظل الفقيد محل تقدير واحترام وإجلال من طرف جل شرائح المجتمع ومكوناته السياسية والأكاديمية، وقد أنعم عليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في 11 يناير 2005 بوسام ملكي سامي.
وإننا لنعتبره في المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، علما من أعلام النضال، رائداً عصامياً مستقيماً ، شجاعاً مقداماً لا يهاب في قول الحق لومة لائم، حظي باحترام وتقدير كل من كان حوله حتى الخصوم منهم، كان مندفعا في تنفيذ المهمات إلى أقصى الحدود، تحمل الصعاب وتجشم المشاق برحابة صدر، وبذل الجهد والتعب والعرق بصمت. فكان بحق مزيجاً من العطاءات، جمعت بين طيبة أهل مراكش وصلابة أهل الجبل المطل عليها وبريق الشمس التي تدفئ نهارها.
وها نحن اليوم نطلق اسمه على واحد من أهم شوارع مدينة الدار البيضاء فطوبى لنا وهنيئا لنا جميعا، لعائلته الصغيرة ومؤسسة عبد الله إبراهيم للثقافة والأبحاث ولعائلته الكبيرة في الحركة الوطنية وفي المقاومة وجيش التحرير ولكافة الحضور الكريم من معايشيه ومجايليه ورفاقه على درب الكفاح الوطني والتحريري وكل محبيه ومقدري أفضاله وشمائله.
ولن أجد قولا أحسن من قول الفقيد نفسه مسك الختام لهذه الكلمة وهو قوله رحمه الله: « المغرب يتحرك ليسمو. إن الذين ظنوا أنالمغرب قد خمد مخطئون. إن نهضات الأمم ليست فورات ولا مظاهر، ولكنها ثقافة تتجلى وحياة تنشأ».
رحم الله فقيدنا العزيز مولاي عبد الله إبراهيم وتغمده بواسع رحمته وعميم رضوانه.
و السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.