تميزت احتفالات الذكرى 99 لمعركة لهري، إقليمخنيفرة، هذه السنة بوضع حجر الأساس لتشييد نصب تذكاري بمنتجع أجدير تخليدا لذكرى معركة لهري، ولخطاب أجدير الذي أعلن فيه الملك محمد السادس من عين المكان عن وضع طابعه الشريف لإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وأيضا تخليدا للزيارة التي قام بها الملك محمد الخامس وولي عهده آنذاك المولى الحسن، للإشراف على إدماج جيش التحرير في الجيش المغربي، وتبلغ تكلفة مشروع النصب التذكاري 260.000,00 درهم، تساهم فيه المندوبية السامية ب 60.000,00 درهم والمجلس الإقليمي ب 200.000,00 درهم. ولم يمر الحدث دون أن يطفو موضوع غلاف مالي بمبلغ 60.000,00 درهم كان قد سلمته المندوبية السامية عام 2003 لجماعة أكلمام كمساهمة منها لإحداث النصب التذكاري، إلا أن هذا المبلغ لم يصرف في الهدف الذي سلم من أجله بدعوى أن الجماعة سدت به عجزا تعاني منه، ما كاد أن يصل إلى القضاء لولا بعض التدخلات التي احتوت الفضيحة. المجلس العلمي المحلي لخنيفرة انخرط بدوره في فعاليات تخليد ذكرى معركة لهري بندوة متميزة، دشنها ذ. عسو آيت علي ب «شذرات من تاريخ المقاومة وجيش التحرير بإقليمخنيفرة» تناول فيها مكانة الإقليم على خريطة تاريخ الكفاح الوطني، وما شهده من انتفاضات شعبية ومعارك في مواجهة الاحتلال الفرنسي، منها أساسا معركة لهري وتقايشيعان وتازيزاوت، بعده تناول ذ. وعباس أدعوش «الحضور الديني في المقاومة المغربية: مقاومة موحى وحمو الزياني نموذجا»، مبرزا دور الدين الإسلامي في توحد القبائل رغم محاولات المستعمر الرامية إلى التفريق بين هذه القبائل وتخريب عقيدتها الدينية، ولم يفت المتدخل التركيز على حضور العلماء في حركة المقاومة وتصديهم لمخططات المستعمر، ودورهم في انتصار المجاهدين، مشيرا إلى أسماء وازنة ظلت تتردد على المنطقة من أمثال أحمد الهيبة والنتيفي والسغروشني. وفي ذات الندوة تناول ذ. عبدالمالك بنصالح موضوع «معركة لهري وأثرها في المقاومة المغربية» انطلق فيها من عدة محاور يجمع بينها حدث المعركة كرمز للتعبئة والتضحية والانتصار، وحلقة ساطعة في تاريخ الكفاح الوطني، مشيرا لاعترافات جنرالات الاستعمار بهزيمتهم بمعركة لهري التي شكلت الانطلاقة الفعلية للمقاومة المغربية، وكيف تمكن موحى وحمو الزياني من التحالف مع أكبر عدد من زعماء القبائل وقادة المقاومة على صعيد البلاد، أما ذ. محمد بوربيع فقد اختار المشاركة في الندوة بموضوع هام لم يأخذ حقه من الدراسات والبحوث، وهو «إسهام المرأة في المقاومة بالأطلس المتوسط»، انطلق فيه من قولة للملك الراحل الحسن الثاني أكد فيها أن «النصر حالف الأمة المغربية لأن نصفها الثاني لم يبق معزولا عن الكفاح»، واستعرض المتدخل نماذج من نساء التاريخ المغربي والمقاومة بالأطلس المتوسط. د. مصطفى زمهنى الذي سير جلسة الندوة لم تفته الإشارة إلى التاريخ العميق للمنطقة وبطولات أسلافها، وإلى المفهوم الحقيقي لمعنى الجهاد، منتقدا من يجتهدون في الفصل بين الدين والمقاومة، ومستشهدا في ذلك ببعض النصوص التاريخية والعلمية، وبما قاله صاحب كتاب «المعسول»، العلامة المختار السوسي، في حق منطقة الأطلس المتوسط وعلمائها ومجاهديها. وبعده أخذت الكلمة منسقة الأبحاث والدراسات بالمجلس العلمي، ثم المندوب السامي لقدماء المقاومين لأعضاء جيش التحرير الذي أبرز أهمية اللقاء في إطار مبادرات الاشتغال على الذاكرة الجماعية وإخصابها وصيانتها، وعلى المعرفة التاريخية باعتبارها رافعة للتنمية الشاملة. على بعد سنة واحدة إذن من ذكراها المئوية، خلد قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بخنيفرة، الذكرى 99 لمعركة لهري الشهيرة، وحضر الاحتفال المندوب السامي الدكتور مصطفى الكثيري، حيث دُشّن هذا الاحتفال بندوة علمية تاريخية نظمها المجلس العلمي المحلي لخنيفرة في موضوع: «خنيفرة وقائع وأعلام»، شارك فيها ثلة من الباحثين والعلماء، تلتها في اليوم الموالي زيارة المعلمة التذكارية المخلدة لهذه المعركة بقرية لهري، وقد حضر الاحتفال عامل إقليمخنيفرة وعدد كبير من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وشخصيات عسكرية ومدنية ورؤساء مصالح إدارية ومنتخبون وفعاليات جمعوية، حيث أقيم مهرجان خطابي كبير افتتح بكلمة النيابة الإقليمية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وجيش التحرير، ورئيس المجلس القروي للهري وممثل المجلس الاقليمي. وبالمهرجان الخطابي المنظم بفرية لهري، أشاد الدكتور مصطفى لكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، بشجاعة وبسالة أبناء الإقليم الذين لقنوا المستعمر، بقيادة الشهيد موحى وحمو الزياني، درسا تاريخيا في معنى التضحية والوطنية الصادقة، ولم يفته التعبير عن اعتزازه وافتخاره بمشاركة سكان إقليمخنيفرة وأسرة المقاومة وجيش التحرير في تخليد هذه الملحمة التاريخية الكبرى التي ستظل منقوشة في ذاكرة الأجيال، ومن هنا لم يفت المندوب السامي التذكير بالمكانة التاريخية التي تحتلها ملحمة معركة لهري ضمن سجل المقاومة الوطنية، حيث استدل بشهادات اعترف فيها بعض القادة الفرنسيين بالهزيمة الثقيلة التي تكبدتها جيوشهم الاستعمارية في هذه المعركة، وبشجاعة المقاتل الزياني، ومنها قولة جيوم، أحد الفرنسيين الذين شاركوا في الحملة على قبائل الأطلس المتوسط، كان قد اعترف في أحد كتبه بكون القوات الفرنسية لم تمن قط في شمال إفريقيا بمثل الهزيمة المفجعة بمعركة لهري. إلى جانب ذلك توقف الدكتور مصطفى لكثيري للحديث عن البطل الشهيد موحى وحمو الزياني الذي تمكن بفطرته وحكمته، من توحيد صفوف المجاهدين والرفع من معنوياتهم إلى أن استطاعوا كسب المعركة وإرباك حسابات المستعمر ورهاناته الرامية للسيطرة على هذه الربوع من الوطن، مشيرا لما كانت تشكله خنيفرة لدى السلطات الاستعمارية بوصفها القلعة والحصن العنيد باعتراف المارشال ليوطي نفسه، وفي هذا السياق أشار المندوب السامي إلى ظروف معركة لهري وما سبق ذلك من إجراءات استعمارية كنهج سياسة الإغراء والمجاملة تجاه موحى وحمو الزياني الذي رفض المخطط، واختار الجبال هو ورجاله حيث تحين الفرصة لمباغتة الجيوش الفرنسية بعد أشهر من بسط نفوذها على مدينة خنيفرة، وتحت الهجومات والضربات الموجهة إليها من طرف المقاومين، لم تتوقع أن تتكبد كل تلك الخسائر في الأرواح والعتاد بمعركة لهري، حيث سقط أكثر من 680 قتيلا، بينهم 33 ضابطا، وقائدهم الكولونيل لافيردور، علاوة على أزيد من 170 جريحا، بينما غنم المقاومون أسلحة وذخائر حية كثيرة. وقد تخللت المهرجان الخطابي الكبير مراسم تكريم خمسة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير المنتمين للإقليم (الشهيد موحى أمحزون، عبدالرحمن علبي، محمد صنهاج، مولاي عبدالسلام أمداح، موحى شراح)، ألقيت في حقهم كلمة مؤثرة، كما سُلمت لوحات تقديرية وتم توزيع إعانات ومساعدات مالية على ثلاثة مقاومين مبلغها 28350,00 درهم، ومن بين هؤلاء الأخيرين المقاوم امبارك فرحي البلغ من العمر 98 سنة، شارك في الحرب العالمية الثانية والحرب الهند الصينية ، ثم في صفوف جيش التحرير بالصحراء الشرقية وبالمسيرة الخضراء، ولم يفت الدكتور مصطفى لكثيري بالمناسبة إبلاغ الحاضرين بعمل مندوبيته على تحقيق مطلب «مراجعة راتب معاش العطب» لفائدة قدماء المقاومين، وسيتم الشروع في تنفيذه بداية السنة المقبلة 2014 بزيادة 30 بالمائة. ومباشرة بعد محطة خنيفرة توجه المندوب السامي، د. مصطفى لكثيري، نحو ميدلت لحضور لقاء تواصلي والإشراف على تكريم خمسة مقاومين ( منصور زيان، لحسن أدرمان، موحى أشليف، مبارك مرشيد، وعيسى صارمي) وتدشين المقر الإداري والفضاء التربوي والتثقيفي والمتحفي للمقاومة وجيش التحرير،