مشكلتنا في المغرب هي أنّ الكثير من القضايا الأساسية التي تهمّ مصير الأجيال والبلاد تتنخرط في الحديث عنها والحكم عليها من طرف أشخاص غير متخصصين سوى في الضجيج الإعلامي، الأمر الذي يفسد النقاش ولا يساهم سوى في تعويم وتعتيم عناصره الهامة والاستراتيجية. مناسبة هذه التوطئة ما تعرفه الساحة اليوم من نقاش حول مكانة الدارجة المغربية في النظام التعليمي، وضرورة إدراجها واعتمادها في المستويات الدراسية الأولى باعتبارها أداة تعليمية. من المعلوم أنّ جهة من جهات هذا الاقتراح هو مؤسسة زاكورة التي يرأسها نور الدين عيّوش، وهي المؤسسة التي أشرفتْ على تنظيم ندوة دولية حول التربية تحت عنوان « في سبيل النجاح» Le chemin de la réussite خلال يوميْ 4 و5 أكتوبر 2013. لا يهمّ النقاش هنا مدى أهليّة وصلاحية ومشروعية تنظيم مثل هذه الندوات، وتقديم مثل هذه المقترحات الحاسمة، من طرف مؤسسة تُعنى أساس بالقروض الصغْرى، بقدر ما يهمّ الدافع الحقيقيّ من وراء هذه الجعجعة، والهدف منها والجهات المستفيدة من كل هذا الضجيج. ذلك أنّ القضية اللغوية في منظومتنا التعليمية تندرج، أوّلا، في إطار الإشكال العام الذي يهمّ إصلاح التعليم، الذي لا تُعتبر اللغة سوى مستوى واحد وبسيط ضمن مستوياته، وبالتالي لا يصحّ، من الناحية العلمية والعملية أنْ نبدأ ورْش الإصلاح الكبري والضروريّ من الحائط اللغوي القصير الذي لا يُفهم منه سوى ضرب الإصلاح من أساسه. أما المستوى الثاني من الحديث، فهو أنّ نقاشات مثل هذه تتطلب كفاءات علمية، وانخراطا للسانيين وعلماء اجتماع اللغة الذين لهم الأهلية العلمية والمؤسّساتية للفصل في اللغة الوطنية التي يحتاجها نظامنا التعليمي. أما المستوى الثالث والأهمّ هو أنّ الإشكال اللغوي في بلادنا له مرجعية دستورية واضحة لا بدّ من أخذها بعيْن الاعتبار في كل مشروع لغوي مقترح. وأظنّ، أكثر من الظن، أنه لو بادرتْ أحزابنا أو نقاباتنا ذات المصداقية والمشروعية المجتمعية والسياسية، إلى مثل هذه المبادرات لما فاتها الانتباه إلى هذه الهفوات والمغالطات التي تتدثّر بلباس علمي. المسألة في عمقها لا تتعلق بشخْص لا ندري أهدافه ومراميه الحقيقيّة، بلْ تتجاوزه إلى طريق خوْض نقاشات في موضوعات خطيرة من طرف مؤسسات وأفراد لا أهلية علمية لهم ولا مشروعية. وبعيدا عن المنظور العُروبيّ للغة، الذي تجلى في عدد من الخرجات الإعلامية التي أدانتْ ما سمّته التَّوجه الاستئصالي لبعض الجهات المعزولة التي لا تتوفر على صفة رسمية أو تمثيلية أو أكاديمية للحديث في الشأن التربوي. في إشارة إلى دعوات اعتماد التعليم بالدارجة عوض اللغة العربية الفصحى وتقليص التعليم الديني، والتي تعتبرها انتهاكا لثوابت الدستور ومقومات الهوية والحضارة، فإنّ الدارجة التي نتحدث ونحيا بها يوميا لا يمكن أن تكون بديلا عن اللغة العربية التي تملك وحدها كل المقوّمات لكي يتطور بها نظامنا التعليمي بكافة مستوياته. من هنا إذنْ لا يمكن قبول كل المشاريع التي تعتمد منطق الاستقواء وابتزازا للدولة والمجتمع، وكذا تحقير مختلف التراكمات الإصلاحية والمنجزات التوافقية خاصة في مجال الإصلاح اللغوي والنهوض العلمي بالمدرسة والجامعة والبحث العلمي في بلادنا.