تجربة نصف قرن من البث التلفزيوني العربي تفيد بأن لا برنامج يمكنه أن يكون عابرا للأزمان من دون أن يودع مشاهديه ويغادر الشاشة الصغيرة. نتحدث هنا عن البرامج التلفزيونية عموما ولا يفوتنا أن تلك الإستثناءات القليلة تؤكد القاعدة التي ذهبنا إليها، فوجود برامج تقدم قراءات في الصحافة ربما يكون أحد تلك الإستثناءات من دون أن ننسى أنه أقرب إلى «زاوية» منه إلى برنامج. إغراء نجاح برنامج ما ورواجه على نحو كبير يغري أصحابه بالقفز عن هذه الحقيقة ومحاولة الإستمرار وإطالة عمر برامجهم، بل وحتى اعتبارها برامج دائمة ومستمرَة وهو وهم لا تكون نتائجه عادة سوى الوقوع في التكرار إذ ستظهر على البرنامج علامات ومظاهر الشيخوخة. ليس التلفزيون كتابا، هو لا يرغب في ذلك ولا يمكنه أن يكون، ذلك أنه «يومي» مهمته الأبرز أن «يلاحق»، وهو انطلاقا من هذه المهمة يظل مشدودا إلى كل ما هو جديد وطارىء وعلى نحو يجعل النجاح رهنا بقدرته على تقديم المدهش واللافت من دون أن ننسى بالطبع أن يأتي المدهش في صيغة فنية راقية ورشيقة. ربما لهذا السبب ينحاز المشاهدون في صورة واضحة للدراما أكثر من أي نوع تلفزيوني آخر بسبب انفتاحها على الجديد الذي ينطلق من وقائع مختلفة عن كل ما سبقه، بل ويقوم أساسا على قصص الحياة أي على هموم متنوعة وقضايا لا حصر لها تقع اليوم وأمس وحتى في الأزمنة الغابرة. ثمة حنين مفهوم ومنطقي من المشاهدين لبرامج تلفزيونية عاشوا معها مراحل من حياتهم، لكنه بقليل من التأمل حنين إلى ماضيهم وذكرياتهم وليس حنينا لاستعادة تلك البرامج اليوم، وهم يهرعون باهتمامهم ومتابعاتهم نحو برامج أخرى جديدة يجدونها أكثر شبابا وبريقا وقدرة على اجتذابهم وعلى زجهم في ما تقدمه لهم من موضوعات راهنة وبأساليب فنية أكثر تطورا. من يدرك هذه الحقيقة يدرك النجاح، أو هو على الأقل يضمن لنفسه الوقوف على عتبات بدايات صحيحة يمكن أن تمنحه الفرصة لتحقيق برنامج تلفزيوني ناجح وجذاب، قادر على تحقيق التوازن في العلاقة مع جمهور المشاهدين الذين هم أولا وأخيرا الناقد الأهم.